قفزت أنباء الصراع فى الصحراء الكبرى الأفريقية؛العربية فجأة لتتجاوز الحركة فى البطن الصحراوى؛ إلى أسرى الرأس الجزائرى، وحتى مطلب الإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن المصرى! ولتسبق بذلك دهشة قيادة أمريكية من سرعة التحرك أو "الغزو" الجوى الفرنسى لشمال مالى، وتدفع "أولاند" الرئيس الفرنسى الى طلب عون الإمارات بل وتجعلة يطلب النجدة من دول "الإيكواس"- منظمة غرب أفريقيا- التى تتعثر خطواتها التعبوية العسكرية.بينما تدرس دول الأطلنطى الاخرى نفس الطلب. إن قراءة "السيناريو" بهذا الشكل يجعلنا أمام مشهد متطور كثيرا حتى عن المشهد السورى، والقرن الأفريقى، خاصة وأن الأسئلة الكبيرة ليست ذات إجابات واضحة أو قريبة بعد... ولذا فالإجابات والتساؤلات هنا تعتبر مؤقتة! ولنبدأ بحالة فرنسا: فقد ادهشنا سرعتها فى توجيه الضربات الجوبة فى مناطق واسعة من صحراء مالى الشمالية، وهو ما أدهش أيضا وزير الدفاع الأمريكى نفسه رغم تأييده لها؟ فهل تبحث فرنسا بذلك عن دور هام ذى طابع عسكرى فى مالى وقبلة الصومال، رغم إمكانياتها الضعيفة، بينماعينها على الوضع فى المشرق العربى؟ أم أنها تهرب من المشرق بعد شعورها بقرب توافق الأمريكيين والروس حول الوضع فى سوريا؟ لكن فرنسا لا تجرؤ على مثل هذا الهجوم وحدها دون "تكليف أمريكى؛وحيث أوباما مضطر للغياب عن المشهد العسكرى الأفريقى إزاء الجدل القانونى الدائر فى الكونجرس حول "التفويض" "authorization" بملاحقة الإرهاب عسكريا بالتدخل المباشر عقب 11 سبتمبر فى حدود أفغانستان وحولها حتى عام 2014، بينما يحتاج أى تدخل سريع آخر لتفويض جديد لم يتم بعد وقد كنا نرصد تطورات سابقة للموقف الفرنسى القلق من الترتيبات الأمريكية بقواتها فى "الافريكوم"فى غرب أفريقيا وفق شرعية أخرى "لتأهيل" الجيوش الأفريقية فى مراكز المصالج والمخاطر، وكانت مالى نفسها أحد مراكز المشروع الأمريكى مع غانا وبوركينا فاسو ونيجيريا؛وأوغندا وموريتانيا وإثيوبيا وجيبوتى.. وكان ومازال الدافع الأساسى هو التنافس على المصالح البترولية والتعدينية فى الصحراء الكبرى. ولكن صراع المصالح كان مألوفا فى كتاباتنا دائما بين قوى الاستعمار القديم والحديث، خاصة وإن صلة فرنسا غير خافية بمناطق اليورانيوم فى النيجر أو الماس فى أفريقيا الوسطى (المشتعلة بدورها حاليا) أو الذهب والبترول من دار فور حتى نراه يظهر قويا فى مالى... الخ.. فهل من جديد لاثارة الصراع مجددا.؟... ربما كان اتساع "دائرة الصراع"، وتعدد أطرافه مؤخرا سببا لهذا الاحتدام الأخير، فامتداد الجزائر نفسها بعمليات اقتصادية فى بترول مالى، جعلها تتمدد فى جنوبها شمال مالى بشركة "سونتراك" للبترول والغاز لتشارك الكنديين فى شركة "نورث أتلانتيك ريسورس" "وسيلير إنيرجى ليمتد".وربما ذلك ماجعل قوى التمرد تسارع إلى توسيع دائرة حركتها نحو قرنائهم فى الجزائر لتوسيع دائرة المقاومة مع معرفتهم بعدم رغبة الجزائر فى التورط فى هذة المعركة أو دخول المستنقع الصحراوى مع الفرنسيين فى احدى أخصب مناطق البترول العالمية الجديدة بمالى. أما عن ثروة مالى من الذهب، فإنها قد أصبحت فى الأعوام الثلاث الأخيرة ثالث أكبر منتج له فى أفريقيا بعد جنوب افريقيا وغانا، ويقفز فيها أنتاج الدهب بسرعة فائقة متضاعفا إلى 49طن مكعب عام 2008 بعد أن كان 10% من هذا الرقم خلال التسعينيات من القرن الماضى. وتلعب شركات من جنوب أفريقيا أو بإسمها (أنجلو جولد اشانتى، وراند جولد) دورا كبيرا فى الأعوام الأخيرة أيضا للزحف على كافة احتكارات الذهب مع الكنديين والألمان.ولاننسى أن الأصول فرنسية فى هذة المناطق إلى جانب القادمين الصينيين بوفرة مؤخرا. والدراسات المختلفة فى هذا الباب فى كافة المصادر المتخصصة وغيرها (كونسلتانس أفريكا، سى بى إس- افريكا بزنس- وأول أفريكا...الخ) تحدد مواقع هذه الثروات التى يقع معظمها فى الشمال والوسط لكن بعضها فى جنوب شرق مالى أيضا، بينما تبقى العاصمة بعيدة عن ساحة القتال .وهذا كلة يثير سؤالا جوهريا حول توقيت اضطراب الوضع فى مالى منذ الانقلاب- مارس 2012، وبداية تفاعلات حركة ما سمى بالسلفيين و"الإرهابيين" فى العامين الأخيرين تحديدا ومدى علاقة ذلك بتطور المصالح والثروات المعدنية على هذا النحو. والقارىء هنا لابد ان يفرق بين متمردى الجماعات الأسلامية الحديثى التكوين والتى تنشط بأسلوب حرب العصابات على مستوى الساحة الصحراوية كلها؛ وبين حركة تحرير وطنية معروفة فى شمال مالى وبعض الدول المجاورة باسم"حركة التحرير الوطنية للازواد" منذ ما قبل استقلال مالى وحتى مواجهة الانقلاب العسكرى الأخير طلبا لحق تقرير المصير أو الحكم الذاتى؛ لشعب"كل تماشق؛الاسم الأصلى ل"الطوارق" لأنهم لايعترفون بهذة التسمية الأخيرة التى أطلقها العرب عليهم. وكان التماشق؛ قابلين دائما للتفاوض؛ وتعرف فرنسا ذلك وتتجاهلة مع حكم العسكر. ولذا يظل السؤال السائد حتى فى الكتابات الغربية: من دفع الجماعات المساه "بأنصار الدين" و"التوحيد والجهاد"الى التحرك بهذا العنف؟ هل هى الصلة باحداث ليبيا بينما صلتهم العقيدية ممتدة فى أفغانستان والجزيرة العربية والمشرق؟ ولماذا ظهروا للمطالبة بتطبيق الشريعة وتدمير التراث فى تمبوكتو فى هذه السنوات بل والشهور الأخيرة فقط؟ هل هى مشاركة فى بناء الفوضى الخلاقة ازاء منافسات الشركات فى هذة المنطقة؟ مع تصارع المصالح حول الثروات المعدنية فى مالى؟ وهل كتب على "الإسلام السياسى" والاصولية الإسلامية أن تٌستغل دائما هكذا أداه فى يد قوى غير إسلامية؟ لتكتب على نظم تحاول الاستقرار، استحالة الاستقرار؟ أما "المتورطون" الأكثر معاناة الآن من الموقف، وقواه الشرسة، فهم العدد الكبير من دول غرب أفريقيا المضطرون للتعبئة العسكرية للتدخل مساعدة "للأخ الأكبر" من الفرنسيين. وإذا كانت السنغال أو بوركينا فاسو وتشاد والنيجر من الدائرة الفرنكفونية، ولحماية أنابيب البترول المتجهه ايضا إلى الكمرون، فما بال نيجريا، وهى المحملة بأعباء حركة "بوكو حرام" السلفية ايضا؟. فى دراسة لأستاذ صديق جاد مثل "جبرين إبراهيم" من نيجيريا كتب هجوما لاذعا على حكومته لتخليها عن سيادتها عندما تشارك بقواتها نيابة عن الأمريكيين الذين تمنعهم "المناظرة القانونية" فى الكونجرس من التدخل السريع دافعين دول "الإيكواس" ونيجيريا خاصة لمعالجة مشكلة لا دخل لهم بها، ويعانون مثلها. ويذكر الجميع أثر "المشكل الليبى" فى كل ما يحدث أيضا، فخزائن الأسلحة ظلت مفتوحة لمجموعات معروفة أنها شكلت الفرق الخاصة للعقيد القذافى لفترة، ودافعوا عنه بها لفترة أخرى، ومعنى ذلك أنهم انطلقوا بها إلى الجنوب والغرب من ليبيا فى مالى وموريتانيا وإلى حد ما جنوبالجزائر. فمن هو المسئول عن متابعة "الظاهرة" عند إطلاقها على هذا النحو الجديد لتشكل أساس "الظاهرة العالمية" المسماه "بالقاعدة"، دون أن تستطيع الأجهزة الغربية أن تدرك مأساه انطلاقها المحتمل؟ لقد أصبحت الصحراء الكبرى فى الغرب الأفريقى معلما جديدا فى الصراع الدولى، إذ سوف نرى فيها تكرارا لما جرى فى وسط وغرب آسيا، لكن بتفوق جديد فى إدارته وهو مزيد من توريط الأطراف الأفريقية، بسبب الضعف السياسى عند الطرف الأفريقى الذى سيحارب بالوكالة من جهة (التجربة قائمة فى القرن الافريقى)، أو تتاح لبعض طبقاته الحاكمة فرص المشاركة فى مشروعات الاستثمار المستغلة نفسها مثل حالة جنوب افريقيا، وحتى الجزائر فى شمال وشرق "مالى".... وسيظل السؤال قائما حول موقف الاتحاد الأفريقى، وآليات التعاون العربى الأفريقى، لبث موقف استقلالى نسبيا بالنسبة لمساعدة مالى، أو حتى "التدخل المستقل"إن إنجاز التعبير وليس فى إطار توريطات تحت أعلام تبحث عن دور مثل الأعلام الفرنسية، أو تبنى قواعد استثمار للمستقبل مثل القوات الأمريكية. hsharawy [[email protected]]