الأحد قبل الماضي بالمصري اليوم " عنون " الكاتب الكبير سليمان الحكيم مقاله بعبارة صادمة " أرجوك .. عد يا مبارك " , والحكيم ليس فلولاً , ولم يضبط يوماً متلبساً بمدح أو نفاق الرئيس السابق , وإنما كان دوماً من أشد المعارضين له , وأيضا لسلفه الرئيس السادات . وقد عملت مع الحكيم لسنوات ترأس خلالها صحيفة الجيل قبل أن تدور الأيام ويغادرها ويتولى كاتب السطور رئيساً لتحريرها , وأشهد أنه لم يغير قناعاته وانحيازاته يوماً , ولم يلن أمام اغراءات السلطة أو يضعف أمام بطشها, بل ان الرجل اعتقله السادات في أواسط سبعينيات القرن المنصرم , وغادر المعتقل للمنفى الاختياري في سوريا , ليعود مجدداً إلى مصر في بدايات حكم الرئيس السابق مطارداً من جهار أمن الدولة ومحاصراً وممنوعاً من الكتابة في الصحف المصرية لمدة 10 سنوات , ولم ينفك حصاره إلا بصدور صحيفة " العربي الناصري " في أوائل التسعينيات , ليكسر الحكيم بمقالاته فيها الخطوط الحمر ويتجاوز سقف الحريات الممنوح في ذاك الوقت بمقالات غير مسبوقة في مهاجمتها الرئيس السابق شخصياً , من عينة " السيئ الرئيس " و " رسالة إلى الفرعون " و هل يخون الرئيس " وغيرها من المقالات الجريئة أو المتهورة والانتحارية بمقاييس ذلك الوقت . وهنا السؤال يطرح نفسه : ما الذي يدفع صحفياً ومناضلاً من أشد من عارضوا مبارك ودفعوا ثمن تمردهم على توجهاته إلى تمني عودته بعد عامين فقط من ثورة عظيمة كان " الحكيم " من دعاتها وصناعها ؟ . الإجابة في كلمتين : الإحباط واليأس . الإحباط من مآلات الأوضاع في مصر من حيث الإقصاء في السياسة والإفلاس في الاقتصاد والإهدار للقانون والتغول على القضاء والإعلام والغياب الكامل للعدالة الإجتماعية , وفي المجمل تفريغ الثورة من مضامينها الحقيقية . واليأس من إمكانية تصحيح المسار في ظل سياسات الاستقطاب والتهيش وإعلاء المصالح الخاصة على الصالح العام . وقد يظن البعض إن رجال أعمال " فلول " أو معارضين للإخوان اشتروا " الحكيم " , وبشهادة حق أقول إن الرجل لم يكن يوماً باحث عن ثراء أو منفعة خاصة , فهو لا يملك سيارة خاصة ولم يهتم قط بملبس أو مأكل أو مشرب أو اية رفاهية ,فدائما تلقاه بملبسه الأقل من عادي وفي يده " ساندوتش " الفول يمارس متعته الحقيقية والوحيدة القراءة والكتابة . باليقين أقول لكم ان سليمان الحكيم لم يرجو " حقيقة " عودة مبارك ولكنه يطلق صرخة احتجاج بطريقته على احلام حلمناها وآمال عقدناها على ثورة عظيمة صنعناها ولكنها تكاد تتسرب من بين ايادينا وتوصلنا لاسوأ ما لم نتخيله . لا تلوموا جريحاً على تأوهاته .. ولا عاشقاً على عذاباته .. ولا مقهوراً على صرخاته .. ولكن لوموا من يختطف الثورة إلى طريق الفشل , واسألوا ضمائركم من السبب ؟ وكم سليمان حكيم بيننا الآن ؟