الجدل الذى يدور بين كل حين واخر حول مدنية الدولة ووضعها مقابل فكرة دينية الدولة.. واذا ما كان هدفا مناسبا للواقع السودانى.. الطامح و الطامع للتغيير..و ما يستتبع ذلك من التخوين و التخويف من المنادين بالدولة المدنية..وانها ضد الشريعة الاسلامية .. و ما الى ذلك من كلام و شعارات اقرب ما تكون الى اللغط و الجدل السياسى منه الى اى شئ اخر و لكن ما المقصود بالدولة المدنية؟ للتذكير فان مصطلح الدولة المدنية هو مصطلح غربى معاصر..جاء ليكرس مفهوم الدولة العصرية التى تستمد شرعيتها وسلطتها من الشعب.. وقد جاء نقيضا للدولة الثيوقراطية او (الدولة الدينية) التى كرست سابقا سلطة الكنيسة البابوية..و التى كانت تحكم باسم الرب..و هى بالتالى صاحبة سلطة مطلقة لا مجال لمراجعتها او رفض قراراتها لانها قرارات سماوية وقد جاءت الدولة المدنية لتكرس حق الانسان الاوروبى فى المساهمة فى صنع القرار عبر الوسائل الديمقراطية .. خلافا لما كان معمولا به فى السابق.. و عليه فقد اصبح الشعب بفضل الدولة المدنية لا الكنسية هو مصدر السلطات .. و غدا قادرا لاول مرة على مراجعة قرارات حكامه والاعتراض عليها بعد ما كان حبيسا لسلطة الحكم البابوى المستبد الذى كان يمثل قبل ذلك زعامة دينية لا يحق لاحد الطعن فى قراراتها لانها ممثلة للرب و تحكم باسمه فى الارض..بل وتمثل ارادته..فلا احترام للعقل ..و لا سيادة للمنطق.. ولا مكان للحجة.. لكن السلطة الدينية و التى جاءت الدولة المدنية لتنقض عليها غير موجودة اصلا فى الاسلام كما ان الثيوقراطية مصطلح غربى لا علاقة للاسلام به..فالله لم يعط للحاكم المسلم الحق فى الحديث باسمه ..او منح صكوك الغفران بالنيابة عنه..و عليه لا كهنوت فى الاسلام فالدولة المدنية هى وعاء لتحقيق ارادة الشعب و التجاوب مع اختياراته.. فهى ليست صنما و لا ايدولوجيا..وهى الى جانب ذلك وعاء لتنظيم العلاقات بين افراد المجتمع الواحد على قاعدة من العدل و المساواة ..وهى تعنى فيما تعنى شعبا حر فى تفكيره..وحقوقا متساوية..و حكاما بشر لا انصاف الهة من يعارضهم يرفع فى وجهه كرت معارضة شرع الله..برغم ان شرع الله فى وادى وهم فى وادى فشريعة الله انما جاءت لتضرب من يريد ان يستعبد الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا..و اعلى مقاصدها فى امر الحكم اشاعة العدل.. واقامته بين الناس جميعا بغض النظر عن دياناتهم و معتقداتهم..وهى من ساوت بين الامير و الاجير..و ان لا فضل لاحد على احد الا بالتقوى وما ينفع الناس..اوليست دولة العدل مقصد الشريعة الاسلامية.. ولا سلطة شرعية دون اختيار الناس.. فالله تعالى هو القائل ..لا اكراه فى الدين) وهى منهاج عمل معتبر فكيف يمكن تسويغ الاكراه فيما هو دون منزلة الدين من احكام المعاملات ) : فاذا نظرنا الى دعاة الدولة الدينية او فلنقل دولة الشريعة او الخلافة كما يحلو لهم ان يسمونها نجد انهم لا يعبرون عن صميم الفكرة العملية و الممكنة للتيار الاسلامى الواسع و الداعم للتغيير و احترام الشعوب بعد عقود من الاستبداد و تكيم الافواه و ركوب الناس بالمقلوب من قبل المستبدين من الحكام ..فالدين عندهم شعارات ترفع..لكن فى ميزان الواقع العملى نجدهم فى وادى و الدين فى وادى اخر..بل حتى وان وضعوا فى ميزان العدالة الغربى لسقطوا فيه سقوطا بدرجة الامتياز..فقد افسدوا الدين .. و افسدوا الدنيا معها فالعملى و المقصود بل والجوهرى عند كل من ثار على الاستبداد و الفساد و نادى بالاصلاح فى عموم المنطقة العربية هو تمكين الشعوب من ان تحكم نفسها بنفسها ل..لا ان يحكمها اباطرة المال..و لا دهاقنة الاعلام..و لا رجال الدين.. و لا اصحاب الارتباطات بالعواصم الاستعمارية الممسكة بخناق العالم..فالغاية و الهدف كان و لا يزال عند كل من ثاروا ان تحترم ارادة الشعوب.. و ان تحترم الحريات بكافة اشكالها ..من حرية التعبير حرية التفكير و حرية تشكيل الاحزاب و العمل السياسى ..و ان تكون صناديق الاقتراع هى من يقرر واقع الناس وحياتهم و كل شئ بعد ذلك تفاصيل..فالناخب هو من سيحكم عليك بافعالك لا باقوالك فالعصر لم يعد يحتمل دكتاتورية فردية او جماعية تحت اى مسمى..و تجاهل ارادة الشعوب و كبت الحريات لن ينتج دولة رشد..بل دولة خراب..ايا من كان فى الحكم عالما شرعيا متعمما ام علمانيا متغربا..فالذى يطرح شعار الدين فلنرى الدين فيه اولا.. والا فلا كبيرة تقال له مهما كان موقعه..فالدين قول وفعل..فالحاكم فيه اول الجائعين.. و اخر الشبعانين..و ما يصيب العامة يصيبه..و دونكم ابن الخطاب و هذا الفهم القائم على احترام ارادة الشعوب و ما تقرره .. هو موضع قبول عند مساحة كبيرة من الناس على اختلاف مشاربهم و افكارهم هو جوهر الدولة المدنية الحقيقية.. بل هو جوهر الفكرة الاسلامية الصحيحة..فالشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة الاسلامية التونسية و احد منظرى الاسلام السياسى كان سباقا الى التاكيد ان الدولة المدنية تقع ضمن رؤية حركته..و معه العديد من الحركات الاسلامية فى تركيا و الكويت..بل ان الرئيس المصرى محمد مرسى فى رده على سؤال وجهه له الصحفيان ماركوس بيكل و راينز هيرمن من صحيفة فرانكفورتر الغماينه الالمانية من خشية المنتقدون ان تتحول مصر الى دولة دينية فكانت اجابته:(نحن لا نؤمن بالدولة الدينية..ان مصطلح الدولة الثيوقراطية..او حكم رجال الدين..لا وجود له لدينا.اننا نتحدث دائما عن دولة مدنية ..فى وثيقة الازهر التى وقعنا عليها جميعا تتحدث عن دولة حديثة..دولة ديمقراطية..دولة القانون..عن دولة تضمن الحريات..هذا هو مفهومنا للدولة..لقد ادركنا عبر حقب التاريخ الاسلامى انه لا وجود للدولة الدينية..ان الدولة التى نؤمن بها هى دولة دولة حديثة يتم فيها تداول سلمى للسلطة .. و تسود فيه الحرية و الديمقراطية..دولة تحترم المعارضة و العدالة الاجتماعية..فى هذه الدولة الشعب السيد..و هو مصدر كل السلطات)انتهى كلام الرئيس المصرى وهو من قيادى جماعة الاخوان الحاكمة فى مصر والتى وصلت للسلطة بنظام ديقراطي فاليوم وغدا سيظل الامتحان الحقيقى للجميع ان يقبلوا باحترام ارادة الشعب و تمكينه ان يكون صاحب الكلمة الفصل فى كل شان يخص حياته.. و عبر انتخابات حرة نزيهة على اساس عادل من المساواة و حرية الاختيار ..تجرى ليس لمرة واحدة ثم تقلب الصفحة و لكن تتحول الى ممارسة دائمة..تصبح معها ثقافة العودة الى قرار الشعب عبر الاستفتاءاو الانتخاب سياسة ثابته لا بديل عنها..و ما تقرره صناديق الاقتراح ارادة لا تعلوها اى ارادة اخرى.هذا هو الامتحان و الاختبار المطلوب من الجميع ان ينجح فيه.. و هذا هو المضمون الاصيل للوثيقة الاصلاحية التى ينبغى الا تكون محل اختلاف بين اثنين صادقين ينشدان الخير للامة السودانية [email protected]