بقلم الدكتور: أحمد محمّد أحمد آدم صافي الدّين إنّ الله قد فرض فرائض، وحد حدوداً، وشرع شرائع، وسكت عن أشياء رحمة بعباده. وقد بنى هذا الكون على سنن، يعلمها من يعلمها ويجهلها من يجهلها. والإنسان مطالب بإتباع هذه السنن الإلهية والكونية على حد سواء، فان فعل فبها ونعمت، وإن أبى فإن مصيره قد حدده بنفسه، وسيلقى جزاءه العادل. فخالق الكون لن يغير سننه، فهي تسري على المسلم وغير المسلم، ومشيئة الله وحدها هي التي تعطل الأسباب لتحقيق نتائج على خلاف تلك السنن. من حق المرء أن يشك في مدى عقلانية كثير من النّاس، ومنهم رأسهم أهل السلطة لعظم دورهم في التّغيير. إذ يجري ما يجري من خلل في حياة الناس لأسباب معلومة، وقد تكون بفعل فاعل، ويبقى الأمل في تحقيق التطور والنهضة والتقدم، دون الاستناد إلى الأسباب والتمسك بها السعي إلى ذلك بجد واجتهاد. وقد يتوصل المرء إلى أن هؤلاء كأنهم يطالبون الله أن يغير سننه الإلهية والكونية. إنَّ عملية تحقيق الارتقاء تتطلّبُ الالتزام بمقوِّماتها دون أدنى ريب. فمن بين مقوِّمات التّطور والنّهوض، التّمسك بالقوانين والسُّنن الكونيّة. فهنالك أربع قوانين تحكم الكون هي: القانون الإلهيّ (الشّرائع)، والقانون الكونيّ (السُّنن) الذي يمضي على الإنسان والحيوان والنّبات والجّماد دونما تمييز، والقوانين الوضعيّة للأنظمة والمجتمعات والمتمثِّلة في: الدّساتير والقوانين واللّوائح والأعراف والتّقاليد، وآخرها قانون الضّمير الذّي يشكِّل الرّقابة الذّاتيّة على الإنسان. فكلّ مجتمع -مسلم أو غير مسلم- يتوجب عليه إن أراد النُّهوض الحضاريّ والارتقاء والظُّهور على غيره أن يستجيب لتلك النّواميس، ويبني على تلك السُّنن. فمن أجل أن ننهض،لا بد أن نتغير، ولا بدّ لنا من دراسة المشكلات العصريّة؛ والتوعية في معالجتها؛ من منطلقات سماويّة واجتهادات أرضية، مع مراعاة للسنن الكونيّة والقدرات البشريّة، والسّعي في رفع الالتباس عن العلاقة بين العلم والدّين والحياة، ولن يفلح المعالج ما لم يكن قد عايش الواقع؛ بشدّته وحيرته وحتى خلافاته وصراعاته التي يأتي المفّكّرون الرّبانيّون ليضعوا حداً لها. ولكن هل للنّائم والمعاند والمكابر والمرائي من نهوض دون أن يستيقظ ؟ فمنهج مدرسة النّبوة الخاتمة التي كان لها الفضل في انتشار الإسلام بين العالمين، يقوم على رؤية واضحة في التّغيير والنّهضة الحضاريّة المستندة إلى القيم الرّوحيّة. فبفضل منهج (الوسطيّة) تمكن المسلمون في بعض قرن من رفع رايات الإسلام عالية في كلّ قارات العالم، ممثلين أنموذجاً فريداً في التّجربة الإنسانيّة. وقد تمكنت الحضارة الإسلاميّة من أن تنداح في مشارق الأرض ومغاربها بفضل فاعليّة الرّسالة وحامليها حتى حققت انجازات؛ كانت وما تزال غير مسبوقة في مسيرة البشريّة. ومن عجب، أن تجربة المجتمع الإسلاميّ الأوّل قد قامت على جهود فرديّة. فمعادلة تحقيق المنجزات من خلال توافر المقومات الماديّة، قد تتوافر مطلوباتها في الوقت الراهن. كثير من البلاد الإسلاميّة التي حباها الله بثروات باطنة وظاهرة، لا تجد مشقة في توفير المتطلبات المادية للمشروعات. فالثورات العربية على سبيل المثال قامت لأسباب حتمية. وهي جزء من مسلسل التغيير الذي له أسبابه وآثاره. فعلى سبيل المثال، إن الصراع مع العدو الصهيونيّ تحكمها القوانين الكونية. وتحقيق النّصر معقود على استجابة الشعوب المسلمة وحكوماتها بتوفير متطلبات النصر، أو على الأقل استخدام ما هو متاح من مقومات، وهو أمر يتعلق بالإرادة والهمة. فجحود الانسان وعد تسليمه له عاقبة وخيمة. يقول تعالى(اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) فاطر 43. فمن يطلب بالتطور يسأل عمّا أعد للتطور من شروط وللنهضة من عدة وعتاد. إن الانضباط أمر مطلوب لتحقيق التغيير الايجابي وتحقيق النهضة المنشودة في المجتمعات. وتبقى عملية الجمع بين قراءة الكتاب المسطور، والكون المنظور ضرورة لتحقيق الاستقامة والامتثال لسنن الله التي لا تبدل. ومهما يكن من أمر فإن عقلية الإنسان العربي المسلم، ينبغي أن تتشكّل عبر منهجية الجمع بين القراءتين ثم توحيد بين القراءتين. وعندها لا يكون ثمة انقسام بين عالم الغيب الذي يتناوله القرءان المسطور، وبين الطبيعة التي تشكل الكتاب المنظور، وإنما يكون هناك الاتصال الواضح والدمج الكامل، الذي يقوده القرآن الكريم ليجعل الإنسان قادراً على البحث عن الناظم المنهجي في سور القرآن وآياته ليقترب من فهم منهجية القرآن المعرفية لتحقيق ظهور الإسلام على الدين كله. torshain Adam [[email protected]]