هل ستلجأ مصر لاستخدام حركة شباب المجاهدين لضغط على إثيوبيا السودان لن يستطيع مساندة مصر خوفاً تغيير موازين القوى لصالح الجبهة الثورية بقلم: خالد فتحي لطالما شكل نهر النيل حبل الحياة لمصر والسودان، ليس اليوم فقط، لكن منذ فجر التاريخ بالدرجة التي قال فيها المؤرخ الإغريقي ذائع الصيت (هيرودوت) المكنى ب"أبو" التاريخ (مصر هبة النيل)، أي لولا النيل ما كانت مصر، كذا السودان هبته ايضاً وعلى ضفتي النهر بوادي النيل قامت اعظم حضارات الكون، كالفرعونية والمروية. لكن "اولاد النيل" بناة الحضارة والتاريخ وجدوا انفسهم نهباً لقرار إثيوبيا (الصادم) على حد تعبير سفير السودان بالقاهرة كمال حسن علي، و(غير المدروس) وفقاً لتوصيفات الخبراء المصريين إلى الدرجة التي نادت اضواء خافتة، بإعلان الحرب على إثيوبيا. (1) قرار إثيوبيا المفاجئ وغير المتوقع بتحويل مجرى النيل الازرق، قرب موقع بناء "سد النهضة"، وذلك للمرة الأولى في تاريخ نهر النيل. وضع مصر والسودان معاً في وضع لا يحسدان عليه، ومصر على نحو خاص لأن النيل الأزرق يمد مصر بحوالي 60% من مياه النيل، والسد سيسهم في تقليل إيرادات مصر والسودان بحوالي 18 مليار متر مكعب وخفض الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 25-30%.. والسؤال ماذا ستفعل مصر لتلافي الازمة او امتصاص الصدمة؟ الشاهد ان الخيارات المصرية لا تبدو كثيرة، فأوراق اللعب تبدو شحيحة للغاية بين يدي اللاعب المصري. وتوقع خبراء استراتيجيون حسب (اليوم السابع) في 30 ابريل الماضي أن يكون اللجوء للضربات الجوية عاملاً حاسماً في مسرح العمليات في حال اندلعت حرب بين مصر والسودان من جهة ودول إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وبوروندي ورواندا من جهة أخرى، مؤكدين أن الجبهة ستنتقل من مصر إلى الحبشة على الحدود السودانية الإثيوبية، وقد تكون هناك وحدة دعم لوجستي من بعض دول جوار حوض النيل، أو استخدام الدول الساحلية المعادية لإثيوبيا والقريبة من مصر، خاصة أن إثيوبيا تتزعم رابطة الدول المنادية بتوقيع اتفاقيات منفردة لمياه النيل دون مصر والسودان. (2) لكن الخيار العسكري لا يبدو عمليا بحسابات الواقع، كما ان فرص الظفر بالاهداف التي ترغب في تحقيقها تبدو عصية وبعيدة المنال لعدة اسباب، بينها طول المسافة بين البلدين، فمدينة أسوانبجنوب مصر (اقرب قاعدة انطلاق للمقاتلات المصرية) تبعد 1200 كلم تقريبا عن منطقة السدود الاثيوبية على بحيرة تانا، و1480 كلم عن عاصمة اثيوبيا اديس ابابا. وكما يؤكد خبراء الطيران فإن بعد المسافة تكون الطائرات المقاتلة في حاجة ملحة لطائرات تموين لتزويد المقاتلات بالوقود في الجو، على غرار ما فعلت اسرائيل في حرب 1967م، حيث استعاضت بطائرات التموين بخزانات وقود اضافية استغنت عنها في رحلة العودة وخزانات الوقود، تلك ضللت الجانب المصري وجعلته يعتقد ان دفاعاته اسقطت طائرات اسرائيلية. ايضا خيار الطيران سيكون محفوفا بالخطر، لان الدفاعات الارضية الاثيوبية لن تقف ساكنة، وللافلات منها قطعاً ستحاول المقاتلات المصرية التحليق على علو شاهق ما يقلل من فعالية الضربات ودقتها. (3) اما خيار المشاة فيبدو اكثر صعوبة لطول خطوط الامداد من اسوان الى اثيوبيا، علما بان القواعد العسكرية لاتفضل على الاطلاق الخطوط الطويلة في جبهات القتال لسهولة ضربها. في 1969م لجأت مصر لتدمير الحفار الاسرائيلي قبالة ساحل ابيدجان في عملية استخبارية بالغة التعقيد بقيادة ضابط المخابرات المصري (محمد نسيم)، الشهير ب(نديم قلب الاسد)، بالرغم ان قضية المياه بالنسبة لمصر قضية امن قومي بالدرجة الاولى. لكن فرص اللجوء لعملية استخبارية مماثلة لعملية الحفار تبدو ضئيلة وغير مستحسنة في الوقت الراهن، فاثيوبيا لاتناصب مصر العداء وليست في حالة حرب معها، كما ان مصر لن تجد من يساندها في تلك الخطوة وربما عدت عملية ارهابية وجرت عليها من الاجراءات والتعقيدات الدولية ما لاتطيق، لاسيما ان الممسكين بمقود الإدارة في مصر إسلاميون. (4) أما الدول المجاورة لإثيوبيا فلا يمكن التعويل عليها على المدى الطويل، فالسودان شريك مصر في المأزق المرتقب غارق في مشاكله وازماته الداخلية كما كان على الدوام، منذ استقلاله، ولن يستطيع الصدع بمعاداة اثيوبيا لجهة ان اضرار السد ليست كبيرة عليه ويمكن تلافيها، وحتى الحديث عن غرق الخرطوم فرضية محتملة مرتبطة بانهيار السد. بجانب ان اي بادرة لإظهار العداء للجانب الاثيوبي تعني عمليا السماح لمتمردي الجبهة الثورية بشن حرب من اراضيه، كما كانت تفعل الحركة الشعبية قبل انهيار نظام منقستو هايلي مريام في 1991م. وايضا لا يمكن الاعتماد على جوبا فالمياه المتدفقة من بحيرة تانا لا تعني لها الكثير لأنها ببساطة شديدة تصب خارج حدودها، كما ان هويتها المائلة الى النزعة الافريقية تجعلها في حالة مساندة ولو عاطفية لجيرانها الافارقة الاقربين من دول حوض النيل في مواجهة جيرانها العرب الابعدين، ولم تخف جوبا رغبتها تلك، حيث قال سفير جمهورية جنوب السودان في مصر أنتوني كون في مؤتمر صحفي بالقاهرة في ابريل الماضي: "إن دولة جنوب السودان ليست ملزمة أو مطالبة بأن تنضم أو تعترف باتفاقية مياه النيل أو تبني موقفاً منها، لأنها لم تكن يومها في الوجود أثناء إبرام هذه الاتفاقيات". واعلنت جوبا اعتزامها الانضمام لاتفاق "عنتيبي" الخاص بإنشاء مفوضية حوض النيل. (5) والمتتبع لمجريات الملف يلحظ ان اثيوبيا تخيرت توقيتا دقيقا لقرار تحويل مجرى النيل الازرق، فمصر غارقة لأذنيها في ازماتها الداخلية التي تشهد حالة استقطاب وعدم استقرار وتوتر غير مسبوق في تاريخ مصر غضون نصف القرن الماضي. وخارجيا تبدو مصر في حالة وهن دبلوماسي، فقد كتب على نظامها الحالي ان يحتمل وزر تبعات السياسة المصرية في عهدي السادات ومبارك اللذين تضاءل فيهما دورها الافريقي لأبعد مدى، مع العلم انها احد مؤسسي منظمة الوحدة الافريقية، حتى السباق المحموم الذي دخلته مع اسرائيل لكسب تأييد الافارقة الى جانبها تراجعت وانسحبت عنه بعد اتفاقية كامب ديفيد، ثم اهملت القارة ودولها تماماً بعد حادثة محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا في يونيو 1995م، ولم تعد تظهر اي اهتمام بالقمم الافريقية ولا بمشاكل القارة. (6) لكن المشهد ليس قاتما تماما، فثمة ضوء يلوح نهاية النفق، فنائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلطان استغل اجتماعات المجلس العربي للمياه في فبراير الماضي لشن هجوم شديد على إثيوبيا، واتهمها بالإضرار بحقوق مصر بمياه النيل، والعبث بمقدرات السودان المائية، لقيامها بإنشاء (سد النهضة). وأكد بن سلطان، أن "سد النهضة تصل طاقته الاستيعابية من مياه الفيضان لأكثر من 70 مليار متر مكعب من المياه، ويقع على ارتفاع 700 متر، وإذا تعرض للانهيار فإن مصير الخرطوم الغرق تماماً، بل سيمتد الأثر حتى السد العالي". وأضاف أن "مصر هي المتضرر الرئيسي من إقامة سد النهضة الإثيوبي، لأنه لا يوجد لها مصدر مائي بديل مقارنة بباقي دول حوض النيل، وإقامة السد على بعد 12 كيلومتر من الحدود السودانية، يعد كيداً سياسياً أكثر منه مكسباً اقتصادياً، ويشكل تهديداً للأمن الوطني المصري والسوداني". ومع قوة وتأثير النفوذ السعودي في نادي الدول الكبار المستمد من رمزيتها الدينية، وصادراتها النفطية لكن لن يكون دورا بلا ثمن، ويتوقع الكثيرون ان يكون التقارب الايراني المصري، ضحية التدخل السعودي لإخراج مصر من ازمتها الخانقة. ويشدد نائب وزير الدفاع السعودي أن "هناك أصابع تعبث بالمقدرات المائية للسودان ومصر، وهي متجذرة في عقل إثيوبيا وجسدها، ولا تترك فرصة للإضرار بالعرب إلا انتهزتها". فهل كان يشير بطرف خفي لدور اسرائيلي خاصة ان الوجود الاسرائيلي قديم في تلك المنطقة في 1958م، بعث اول رئيس وزراء اسرائيل ديفيد بن غوريون رسالة الى الرئيس الامريكي دوايت ايزينهاور، شرح فيها خطة اسرائيل في انشاء طوق اقليمي يحيط بالوطن العربي من اطرافه، وتكون تل ابيب مركزاً. والطوق الاقليمي المقترح لمحاصرة المد الناصري كان يشمل اثيوبيا والسودان، واقترح بن غوريون ان يكون السودان رادعاً لمصر وإثيوبيا رادعاً للسودان. (7) وهنالك ورقة لا تخلو من المخاطر وهي الحركات المطلبية التي تناصب اثيوبيا العداء كحركة شباب المجاهدين بالصومال، والتنسيق مع تلك الجهة ليس عصياً على القاهرة، فالدثار الايديولوجي متقارب لحد ما، بين الحركة وبين رجال الدولة المصرية ذوي النزعة الاسلامية، بجانب ان قيادة تنظيم القاعدة الاب الروحي لتلك الجماعات آلت الى المصري ايمن الظواهري بعد مقتل اسامة بن لادن على ايدي الامريكان في عملية (اباد ابوت) في 2011م، لكن ملامستها يعني السير على حواف حبل مشدود، فالاتصال بتلك الحركة يعني الاتصال على نحو او آخر بتنظيم القاعدة، المغضوب عليه دوليا والمطارد من قبل الولاياتالمتحدةالامريكية، لكنها قد تتحول الى ورقة من اوراق اللعب السرية التي تدار داخل الاقبية السرية لأجهزة المخابرات تحت إشراف دائرة ضيقة للغاية من المتنفذين بالدولة. ========= [email protected])