بسم الله الرحمن الرحيم 2 يونيو 2013 ملف 316 الآثار السلبية الخطيرة غير الفنية لسد الألفية الآثيوبى د. أحمد المفتى المحامى مدير مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان (KICHR) فى مقال بصحيفة القرار الصادرة بتاريخ 2 يونيو 2013 واصل د. سلمان مغالطاته زاعماُ "أن السودان ومصر قد قبلا قيام سد النهضة عندما وافقا على الاشتراك فى اللجنة الدولية لسد النهضة بمندوبين لكل منهما" ، وهكذا جعل خبير القانون الدولى الاشتراك فى اللجنة الدولية لدراسة سد النهضة موافقة على قيام السد ، وياسبحان الله . اما استناده على بيان وزارة الخارجية الذى ورد فيه "أكدت الجهات الفنية بوزارة الكهرباء والموارد المائية ، أن الخطوة الاثويبية الأخيرة لا تسبب للسودان أى ضرر" ، فإن اعتراضنا ينصب عليها لأننا نعتقد بأنه على الرغم من عدم وجود آثار سالبه فنية حسبما افادت اللجنة الفنية ، فإن الآثار السالبة غير الفنية للسد خطيرة جداً وبنبغى الانتباه لها . أما الحديث عن استرداد السلفية المائية من مصر التى نصح بها د. سلمان فإننى قد سبق أن نصحت بعدم الاقدام عليها منذ اكثر من عشرين عاماً ، لأنها سوف تضع سابقة سوف يكون السودان أول المتضررين منها. كما أن استرداد تلك السلفية المائية لن يحل مشكلة الأمن المائى السودانى والذى لن يحله إلا اعتراف اثيوبيا به . ولذلك فإنه لا يهمنى كثيراً أن تصدر اللجنة الفنية تقريرها بأنه لا توجد آثار سلبية "فنية" لسد الألفية ، كما لا يهمنى أن تصدر وزارة الخارجية بياناً تتبنى فيه رأى اللجنة الفنية ، وأن كنت أستغرب كثيراً ان يقتصر إهتمام وزارة الخارجية على الآثار الفنية ، وليس لدى أى أدنى شك فى كفاءة اعضاء اللجنة ووطنيتهم . ولكن الذى يهمنى كثيراً وينبغى أن يهم كل مواطن وكافة أجهزة الدولة هو الآثار غير الفنية الخطيرة التى سوف تترتب على بناء سد الألفية . ومنذ ان تحفظت على تشكيل اللجنة الفنية بخطاب بتاريخ 26 مايو 2011 فان تحفظى قد كان ومازال منصباً حول عدم اشتمال الشروط المرجعية للجنة الفنية على كافة الجوانب المتعلقة بالسد ، واقتصار تلك الشروط على الجوانب الفنية ، مما جعل اللجنة غير معنية بتلك الجوانب غير الفنية ، ولكن السودان الدولة ينبغى ان يكون معنياً بتلك الجوانب أكثر من اهتمامه بالجوانب الفنية . وحتى لا نستطرد فى التناول العام للموضوع ، فإننى سوف اتناول فيما يلى وبوضوح تام الآثار االسلبية الخطيرة غير الفنية لسد الألفية ، لعل ان ينتبه لها المعنيون بالأمر قبل فوات الآوان . اولاً: عدم اعتراف اثيوبيا بالأمن المائى للسودان: إن أهم عناصر الإستراتيجية السودانية الشاملة فى مجال الموارد المائية هو توفير "الأمن المائى" للسودان وذلك بالحصول على أكبر قدر من مياه النيل ، وعدم الاقتصار على حصة السودان الحالية والتى تبلغ 1⁄2 18 مليار متر مكعب من المياه . ومن المعلوم ان مسعى السودان الاستراتيجى لأن يصبح سلة غذاء دول حوض النيل وافريقيا والعالم العربى والعالم بأكمله لن يتحقق بحصة السودان الحالية ، كما أنه لن يتحقق باسترداد السلفية المائية من مصر التى نصح بها د. سلمان ، ,انما يتحقق فقط ب"الأمن المائى" الذى التزمت به اثيوبيا بموجب الاتفاقية المبرمة بين البلدين سنة 1902 . ولقد طرح الرئيس البشير مبادرة توفير السودان للأمن الغذائى فى قمة الرياض التى انعقدت فى مطلع هذا العام ، وقبل أيام قلائل انعقد مؤتمر الأمن الغذائى العربى بالخرطوم تنفيذاً لمبادرة الرئيس البشير . وعلى شرف ذلك المؤتمر نشرت مقالاً بعنوان "السودان المياه افريقية – والأمن الغذائى عربى" اشير فيه بوضوح الى أهمية ان تتركز الاستراتيجية السودانية فى مجال الموارد المائية على الحصول على أكبر قدر من مياه النيل ، وان لا تقتصر على المحافظة على الحصة الحالية ، وبذلك يتمكن السودان من زراعة اراضيه الشاسعة ، واقتسام تلك المنافع مع دول حوض النيل ، واثيوبيا من جانبها تقتسم مع دول حوض النيل الطاقة الكهربائية المائية التى سوف تنتجها من سد الألفية . وكما هو معلوم فإن اثيوبيا لا تعترف ب"الأمن المائى" لكل دول حوض النيل حسب الرؤية السودانية المصرية التى يطالبان بتضمينها فى اتفاقية عنتبى ونصها كالآتى: "عدم التأثير السلبى على الأمن المائى والحقوق والاستخدامات لكل دولة من دول حوض النيل" ، ولذلك ما لم تتضمن ترتيبات سد الآلفية ضمان "الأمن المائى" للسودان ، فإن عدم وجود آثار فنيه سلبية للسد يصبح أمر غير ذى جدوى. وذلك الأمر يقع خارج اختصاص اللجنة الفنية ولذلك فإنها لم تتطرق له بالنقاش . ثانياً: إنشاء السد يلغى ذلك الجزء من اتفاقية 1902 الذى يوفر الأمن المائى للسودان ، وفى ذات الوقت يحافظ على الجزء الآخر من اتفاقية 1902 الذى يحافظ على الحدود الدولية بين السودان واثيوبيا والتى حددتها اثيوبيا: عندما اعدت اثيوبيا اتفاقية 1902 فإنها قد ارفقت معها خريطة بالحدود الدولية بين السودان واثيوبيا حسبما ترى اثيوبيا ، وفى مقابل ذلك التزمت اثيوبيا فى تلك الاتفاقية بالأمن المائى للسودان وذلك بالنص على التزام اثيوبيا بعدم اعتراض مجرى النيل الأزرق إلا بموافقة الحكومة السودانية . ولذلك فإن إنشاء سد الألفية من دون ضمان الأمن المائى للسودان يعتبر الغاءاً لذلك الجزء من الاتفاقية . وفى ذات الوقت الابقاء على الحدود الدولية جسب الرؤية الآثيوبية . وفى ذلك الصدد فإننى قد هاتفت الصديق العزيز العالم القانونى خبيرالحدود الدولية البروفسير البخارى الجعلى ، وقد امن على ذلك التفسير . ولا شك أن ذلك سوف يؤدى الى نزاعات حدودية لا يعلم مداها إلا الله . ثالثاً: اثيوبيا وحدها هى التى تملك حق التصرف فى المياه التى يخزنها سد الألفية: من المعلوم أن المياه خلف السد العالى والمخزنة داخل الأراضى السودانية هى تحت تصرف السودان ومصر ، وذلك ترتيب يحقق الأمن المائى للدولتين ، أما المياه التى سوف تخزن خلف سد الألفية والتى سوف تشمل وفورات مائية كثيرة بسبب قلة التبخر بخلاف التبخر الكبير خلف السد العالى والمقدر بعشرة مليار متر مكعب من الماء ، فانها سوف تكون تحت تصرف اثيوبيا بالكامل ، واللجنة الفنية ليس لديها الاختصاص للتطرق لذلك الموضوع ، كما سبق أن أوضحنا . والحرية المطلقة لاثيوبيا فى التصرف فى المياه خلف السد لا حدود لها ، وعلى الرغم من ان اثيوبيا قد تلزم بضمان حصتى السودان ومصر فى اتفاقية 1959 ، إلا أنه ليس هنالك ما يضمن للسودان احتياجاته المستقبلية ، خاصة لمقابلة الأمن الغذائى الذى يعد نفسه له . ومن الخيارات المتاحة لاثيوبيا للتعامل مع تلك المياه الكثيرة خلف سد الألفية تحويلها الى المناطق الزراعية الشاسعة باثيوبيا خارج الحوض ، أو بيعها للسودان ومصر أو لجهات أخرى عبر النيل وفى حالة رفض السودان للتعاون ، فانها سوف تعمل على تصريف تلك المياه فى اوقات لا يمكن للسودان الاستفادة منها وحينذاك سوف يجد السودان نفسه مضطراً لقبول الإملاءات الاثيوبية . وفى الختام فإن كل تلك الآثار السلبية الخطيرة غير الفنية يمكن تجاوزها عن طريق حكومة السودان ومصر واثيوبيا خلف طاولة المفاوضات ، والعمل بحسن نية للوصول الى اتفاق يؤمن لاثيوبيا احتياجاتها من الكهرباء ، وفى ذات الوقت يوفر الأمن المائى للسودان ولمصر ، اما انشاء السد بالترتيبات الحالية فانه سوف يخدم المصالح الاثيوبية فقط ، ويهدد الأمن الغذائى السودانى ، ولذلك فإن الرأى بانه لا توجد آثار سلبية فنية لسد الألفية ينبغى ان لا يصرف النظر عن الآثار السلبية الخطيرة غير الفنية المذكورة أعلاه .