تلفت وزير الدفاع الفريق عبد الرحيم محمد حسين، يمنة ويسرة، وهمهم بصوت مسموع قبل أن يلوح بيده علامة الرفض.. وهو يستمع الى رئيس البرلمان بالإنابة؛ سامية أحمد محمد، وهي تقول بأن المادة الرابعة من قانون القوات المسلحة سقطت ويجب الانتقال الى المرحلة الأخرى.. ولم يستوعب الوزير- على مايبدو- ما أقدم عليه نواب البرلمان حينما طرحت عليهم المادة الرابعة من القانون لأخذ الرأي حولها، قبولاً أم رفضاً، من خلال الإجابة بنعم للموافقين، والإجابة بلا للرافضين. فجاءت "لا" بطريقة اهتزت لها أرجاء القاعة، وجعلت رئيس الجلسة سامية أحمد محمد تطلب من رئيس لجنة الأمن والدفاع- مقدم القانون- أن يمضي الى المرحلة المقبلة بعد سقوط هذه المادة، لكن الأخير طلب أن يتم التصويت وقوفاً فكان له ما أراد أولاً وثانياً.. تم التصويت وقوفاً، وتراجع النواب عن مواقفهم الأولى فصوتوا لصالح إجازة القانون. حينها تنفس وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين الصعداء، وتبادل أطراف الحديث متبسماً مع من جاوره في الجلوس. تقول المادة الرابعة موضع الجدل: يجب إخضاع الأشخاص الذين يقومون بأي من الأفعال الآتية للمحاكمات العسكرية... الأشخاص الذين يكونون تنظيماً مسلحاً تحت أي مسمى لإثارة الحرب ضد الدولة- أشخاص يحملون السلاح أو يرتكبون أي فعل من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار - أي شخص يعمل بالخدمة العسكرية أو المدنية لأي دولة في حالة حرب مع السودان، أو يقوم بجمع الجنود وتجهيزهم لغزو دولة أجنبية معرضاً بذلك البلاد لخطر الحرب أو يخرب أو يتلف أو يعطل أي أسلحة أو مؤن أو مهمات أو سفن أو طائرات أو وسائل نقل أو اتصال أو مرافق عامة بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي- أي شخص مكلف بحراسة أسرى الحرب، كموظف عام، ويسمح بقصد أو يتغاضى بإهمال عن هربه، وكل من يساعد أحد أسرى الحرب على الهروب أو يأويه أو يقاوم القبض عليه أو يفضي بمعلومات متعلقة بالشؤون العسكرية للدولة في أي وقت الى شخص، وهو يعلم أن الإفضاء بها يضر بمصلحة البلاد في ذلك الوقت ، أي شخص يدخل دون إذن أو غير عذر مشروع منطقة عسكرية أو موقع يمكن يكون تصويره بأي وجه مفيداً للعدو أو لأي شخص خارج على الدولة أو يحوز أي أجهزة للتصوير على مقربة من أي منطقة أو عمل عسكري دون إذن أو عذر مشروع ، أي شخص يحرض فرداً من أفراد القوات المسلحة أو القوات النظامية على التمرد أو الخروج عن الطاعة أو التخلي عن الواجب أو الهروب من الخدمة العسكرية أو يتسبب في إثارة شعور التذمر بين أفراد القوات المسلحة أو النظامية. غازي: مقدمون على قرار خطير "أشعر أننا من خلال هذا النقاش مقدمون على قرار خطير يتعلق بتراثنا الفقهي، أخشى إن لم يستوف هذا القانون حظه من النقاش في الصياغة والمضامين فإننا سنتخذ قراراً خطيراً في تراثنا القضائي". تلك كانت كلمات غازي صلاح الدين خلال مداخلته التي اختصرت على هذه الكلمات ثم جلس، فصمتت معه القاعة، وأخذت رئيس الجلسة سامية تتشاور مع المستشار القانوني للبرلمان، فنهض أكثر من نائب يطلب فرصة الحديث إن كانت عبر نقطة نظام أو اقتراح أو مداخلة.. النائب عبد الله علي مسار، هاجم لجنة الأمن أولاً وطلب من رئيسها توضيح الحقائق؛ لجهة أن هنالك خلافاً حاداً داخل اللجنة حول القانون. وقال: إن أعضاء اللجنة اعترضوا على نقل هذه المواد من القانون الجنائي الى العسكري، لجهة أن القانون العسكري له إجراءات خاصة تختلف عن الإجراءات المتوفرة في القانون الجنائي، وقال: إنه سيحول الدولة الى دولة بوليسية مما يتعارض مع قوانين المجتمع الدولي، كما أنه يكرس للعمل العسكري أكثر من المدني، مستغرباً غياب وزير العدل، كاشفاً عن ضغوط يمارسها وزير الدفاع لأجل تمرير القانون، وزاد: "ونحن لن نخضع لأي ضغوط من أي جهة". ووصف القانون بأنه تجريمي ومفصل لأشخاص محددين، مطالباً بأن لا يتحول القضاء المدني الى عسكري.. المفارقة أن نائب رئيس المجلس؛ هجو قسم السيد، وحده من دافع عن القانون، وبدأ متحمساً له، وقال: إن المحكمة العسكرية ليس فيها "بلطجية ولا كاوبويات". مطالباً بعدم الخوف من المجتمع الدولي، وأضاف:" كل حاجة يقول ليك المجتمع الدولي، حتى لو اتناطحت نعجتان يقول ليك المجتمع الدولي". أصلاً لن يرضى عننا المجتمع الدولي. غياب وزير العدل.. رغم أن القضية المطروحة للنقاش والتداول تختص بالعدل وتحقيق العدالة إلا أن القائم على أمر العدالة في البلاد وهو وزير العدل؛ كان غائباً عن الجلسة التي يحتدم فيها النقاش، و طلب أكثر من عضو ضرورة معرفة رأي وزير العدل فيما يجري. يقول النائب عن المؤتمر الشعبي؛ اسماعيل حسين: إن أمن الوطن ليس شأن الجيش، وإنما شأن السودان عامة، وقال: إن الأمر يظهر كأنه موضع نزاع بين القانون المدني والعسكري، بينما القضية الجوهرية هي حيثيات التعديلات واعتبرها غير مقنعة، لجهة أنها تعرض القضاء السوداني لعدة استفهامات، مطالباً بمعرفة وجهة نظر القضاء لمعرفة أين الخلل الذي دفع القوات المسلحة لتوسيع سلطات قانونها، ومن ثم تداركها بتدابير تشريعية حتى تتعرض وثيقة الحقوق التي كفلها الدستور الى الإهمال. ونوه "حسين" إلى أن وزارة الدفاع تتحدث في وثيقة مبرراتها حول القانون عن هيبة الدولة وبسط الأمن؛ بينما لم تتحدث مطلقاً عن العدالة، وأضاف "وهذا مصدر قلقنا، الانسان السوداني جدير بأن يتمتع بحقوقه التي كفلها له الدستور". وزاد: "القضاء السوداني قادر على محاكمة كل مرتكب جريمة".. فيما استغربت النائبة سعاد الزين، كيف يحاكم-عسكرياً- من يحرض أفراد القوات النظامية وهو مدني، بينما يترك من تم تحريضهم دون محاكمة. كما أن من يقوم بحراسة الأسرى تتم محاكمته بالقانون العسكري؛ في حين هو مدني أصلاً وقد لا يفهم في شؤون الحراسة!؟. مطالبات باستدعاء رئيس القضاء النائب عن الحركة الشعبية- جناح السلام- انتزع فرصة الحديث انتزاعاً تحت لافتة نقطة نظام، وقال: إنه رئيس كتلة ورئيس حزب شريك في السلام، كان يجب إعطاؤه فرصة الحديث ولو لدقيقة حسب قوله. وبعد أن سمحت له رئيس الجلسة بالحديث مضى ليقول: "نحن نريد شغل فيهو عدالة، شغل ما فيهو عدالة ما بمشي معانا، يجب معرفة راي رئيس القضاء اذا قال القانون المدني أصبح ما فيهو فائدة، نعدل القانون العسكري، لكن بالقانون دا بنذبح أنفسنا برانا، يجب تأجيل القانون الى حين حضور رئيس القضاء". لكن رئيس لجنة الأمن الذي استمات في الدفاع عن القانون اعتبر استدعاء رئيس القضاء من البرلمان سابقة تاريخية؛ لجهة انه لم يحدث طوال تاريخ السودان أن تم استدعاؤه. وفيما يتعلق بتجريم من يصور مناطق عسكرية رأى النواب أن القضية تجاوزها الزمن، وأن القانون بذلك يدخل كل الشعب السوداني دائرة التجريم، نسبة لتوفر أجهزة التصوير بين أيدي المواطنين إضافة الى كل المناطق العسكرية تقع داخل مناطق الكثافة السكانية. وأبدى النائب ابراهيم بحر الدين، استغرابه من قيمة القانون نفسه الذي يجرم كل أفراد الحركات المسلحة اليوم، وهم أصلاً لا يخضعون له؛ لأن الحكومة ستتفاوض معهم. وأضاف متعجباً: "انت بتفاوض الزول كيف تجي تجرموا تاني، التمرد أصلاً طلع منك فات، يبقى قانونك ما بيمشي عليهو، وإلا تجرم المواطنين العاديين". واختتم حديثه قائلاً: "انا ما وجدت نفسي أقف مع هذه التعديلات بأي حالة من الأحوال". وزير الدفاع: أمريكا فيها محاكم عسكرية و بدأ وزير الدفاع متوتراً لا يرضى بغير الإجازة للقانون بتعديلاته، ومضى مطمئناً أعضاء البرلمان بأن القضاء العسكري جزء من القضاء السوداني؛ ملتزم بضوابط العدالة وأن الدستور يجعل أحكام القضاء خاضعة لمراجعة المحكمة القومية العليا. لكن هذه المراجعة مختصرة على أحكام المؤبد او الإعدام أو السجن عشر سنوات وما فوق، عدا ذلك فإن الأحكام العسكرية لا تخضع لفحص ومراجعة المحكمة العليا.. وقال حسين: إن القضاء العسكري يتشدد في المؤهلات أكثر من القضاء المدني. وتابع "مافي بلد في الدنيا ما فيها قانون عسكري، امريكا فيها محاكم عسكرية" وأضاف:" ما بنتكلم عن زول نجيبو من طرف السوق عشان نحاكموا عسكرياً، نحن بنتكلم عن زول كون جيش وعمل ليهو رتب ليحارب القوات المسلحة، او يحرض على استخدام السلاح، أما عن التصوير يا اخوانا الكلام واضح اذا زول صور مناطق عسكرية عشان يضر بأمن البلد، داير زول يورينا دولة واحدة في العالم ما فيها الحكاية دي". ahmed hamdan [[email protected]]