دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمراض وزراعة الكلي- الوقاية خير من العلاج .. بقلم د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
نشر في سودانيل يوم 19 - 07 - 2013

أمراض وزراعة الكلي- الوقاية خير من العلاج- الجزء الاول
Kidney Diseases & Transplantation
بقلم د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي - لندن
عزيزي القرئ والقارئة المحترمين تقبل الله صيامكم ووقاكم وشفاكم من الاسقام امين. مشاكل الكلي موضوع كبير وشائك قد تعرضت له كثيراً برامج الصحة في كل من يلفيزيون السودان والنيل الازرق. لكنني اعتقد ان استيعاب المادة المكتوبة قد يسهل فهمها أكثر من المادة المسموعة أو المرئية لأنها تتيح للمرء استعادة قراءتها أكثر من مرة. وعليه استجابة لبعض الأصدقاء وقد سألوني أن اكتب لأمد الإنسان الذي ليس له خلفية بالعلوم الطبية أو البايولوجية بشرح مبسط لبعض مشاكل الكلي ، إذا مرضت، أسبابها،تشخيصها، علاجها والوقاية لتفاديها والأخير هو الأهم في كل هذا الموضوع الهام. اسأل الله التوفيق في ان يجد طرحي تقبلا وتفهماً من القراء
في المقدمة ، مع كل الود اتمني الشفاء لكل من يعاني من اي من اسباب امراض الكلي . و"مع كل الود" اسم لبرنامج شاهدت منه حلقة السادس من رمضان الكريم الليلة وقناة الشروق قد زارت مشكورة السيدة الأرملة و الام زينب الطاهر وابنها فلذة قلبها عبدالباقي وكلاهما حاله يغني عن سؤاله وكانت بحق حلقة لا اشك انها تركت عيوناً تدمع وقلوباً رهيفة تتفطر وايدى بيضاء كريمة تتصدق . لفت انتباهي بل ارعبني قول الاستاذة مقدمة الحلقة ان "البلد ماشة بناسها الخيرين" ونحن في القرن الحادي والعشرين والبلد لا تزال تعتمد علي الخيرين ليقوموا بدعم العلاج والتعليم وامور اخري ذاتياً وما هذا الا حال يسبب النكد والاكتئاب الذي يحتاج الي علاج نفسي. رجوت لو كان وزير المالية ومدير تحصيل الضرائب اقصد الزكاة بالقسر قد شاهدا تلك الحلقة الموجعة وتعليق مقدمة البرنامج الذي خرج عفوياً من شفتيها فكان صادقاً ومعبراً. عليه ومصداقاً لتعليق مقدمة البرنامج اقترح علي سودانايل ان تتكرم بفتح حساب خيري "يضمن الحقوق" نتبرع فيه كلنا وكل الخيرين بالمستطاع لزينب الطاهر الكفيفة وابنها مريض الكلي عبد الباقي ولمن هو مثلهم في اصقاع السودان النائية الذين لا يملكون رصيداً في هذه الحياة الفانية الرخيصة سوي إيمان قوي وتوكل علي الله ينتظرون رحمة تتنزل عليهم قطراً بارداً من السماء ، في يوم من الأيام "علها تجود"، إذا كانت الدولة نفسها قد فشلت في نصرة هؤلاء المغلوبين علي أمرهم وما اكثرهم في هذا البلد "السودان" الذي كان بلد الحب والامان. اللهم بفضل هذا الشهر الكريم انزل غيثك عليهم واشف كل ذي علة امين يارب العالمين
اعود الي موضوع امراض الكلي. أريد في البداية تصحيح قول العامة "عندي كلي أو عندي الكلي" أي ان الشخص يعني انه مصاب بمشكلة في وظائف الكلي. فلكل إنسان سليم تكوين الجسم في العموم كليتين انعم الله بهما عليه الا إذا فقدت إحداهما لسبب ما أو لعدم وجودها منذ الولادة والأخير نادر الحدوث وعليه القول المعقول ان يقول الشخص أنا أعاني من قصور أو من مرض في كليتي. بهذا يكون قد اختصر لان التفاصيل تكمن في التشخيص الذي يجب ان يكون سراٍ بين المريض وطبيبه المعالج والتي لا يفيد ذكر اسبابها للأشخاص الآخرين لا علاقة لهم بالمريض نفسه. ثانياً أنبه ان كلمة "الفشل الكلوي" قد صارت غير محبذة عالمياً وعلمياً والبديل صار متفقاً عليه بكلمة "الضرر الكلوي".
نبذة تاريخية مختصرة
أمراض الكلي تكون في العموم حالات مكتسبة او ذات عنصر وراثي وستتضح تلك الصور خلال الجولة المعرفية في هذه الحلقات المتتابعة. تاريخياً عرفت مشكلة الكلي في البدء بمرض برايت ( Bright's Disease ) نسبة للعالم والباحث البريطاني ريتشارد برايت عندما نشر اول ورقة له في وصف ذالك الخلل سنة 1827. اهم ما يميز مرض برايت تورم الجسم ووجود زلال في البول. كان لا يوجد علاج ناجع في ذالك الزمن وكان العلاج عبارة عن تنظيم الغذاء والاستحمام في حمامات دافئة. مع تقدم البحوث لم تستمر تسمية خلل الكلي بمرض برايت بعد ان عرف ان الكلي تصاب وتلتهب كأي عضو من أعضاء الجسم مثلاً إذا إصابتها الجراثيم الميكروسكوبية (التي لا تري بالعين المجردة). أمراض الكلي وأسبابها صارت أكثر معرفة وشيوعاً مع تقدم الطب وتطور وسائل التشخيص في القرن الماضي حتي ان اول محاولة لغسيل الدم نتيجة الفشل الحاد كانت أثناء احرب العالمية الثانية قام بها الطبيب كولف ( Prof William Johan Kolff, February , leiden Netherlands born 14,1911 - died February 11, 2009 ) وكان هو سببا في اختراع اول ماكينة لغسيل الدم ومن ثم طورها ونجح كذالك في ابتكار الأعضاء الاصطناعية وعاش وعمل في الولايات المتحدة الأميركية حيث استقطبوه وتوفي العام 2009 بعد عمر طيل مليئ بالإبداع في مجاله المرموق عالمياً. لم تعد كلمة فشل تروق للاستخدام اليومي عند الأطباء بعد الاتفاق عالمياً علي وصف خلل وظائف الكلي بالضرر الحاد أو المزمن بدلاً من الفشل الكلوي الحاد أو المزمن
بحكم تطور الطب وتوسعه ووجود اجهزة التشخيص المتعددة والمتطورة والعلاجات الجديدة يعتبر تخصص أمراض الكلي تخصصاً دقيقاً في علم الأمراض الباطنية بل توسع طب الكلي نفسه وحدثت فيه حالياً تخصصات أكثر دقة فتجد بين أخصائي الكلي من يشخص ويعالج فقط أمراض الكلي والآخر يركز جهوده العلاجية وبحوثه في وسائل غسيل الكلي المختلفة وتطويرها واخراً يركز خبرته وعلمه في زراعة الكلي التي تحتاج الي عناية فائقة تحضيرا ومتابعة قبل وبعد عملية الزراعة.
ما هو حجم الكلية الطبيعية؟
توجد الكليتين تحت القفص الصدري من الجهة الخلفية لجسم الانسان ويفصلها الجدار البيريتوني عن بقية مكونات البطن من كبد ومعدة وامعاء ..... الخ . يتراوح طول كل كلية بين.11-cm12 وعرضها حالي 6cm وعمقها حوالي 3cm
هذا الحجم قد يختلف زيادة أو نقصاناً لأسباب مرضية أو خلاف ذالك
ما هي وظيفة الكلي؟
ببساطة اختصر وظيفة الكلي في المهام الآتية :
(1) طرد السوائل الزائدة والسموم من جسم الإنسان أو الحيوان
(2) إفراز هورمونات هامة
(3) تنظيم ضغط الدم
(4) تنظيم درجة حموضة الدم الطبيعة وهدرجة الكربونات وبالتالي المحافظة علي درجة نسبة الحموضة الطبيعية الهامة لحفظ توازن وظائف الجسم لدي كل إنسان لا فرق ان كان من السودان أو اليابان أو اسوداً أو ابيضاً . هرمونات الكلي منها تلك التي تتعلق بتوازن ضغط الدم واخري مهمتها الحفاظ علي معدل الهيموغلوبين الطبيعي بتنشيط الخلايا المسؤولة في النخاع الشوكي لكي تقوم بتكوين الكرويات الحمراء وهي التي تحتوي علي مادة الهيموغلوبين التي تحمل الاوكسجين لكل خلايا الجسم لتبقي حية. أيضاً الكلي مسؤولة عن تحويل فيتامين د الي العنصر الفعال منه . أما موضوع الترشيح فليس هو مجرد فيلتر كأي فيلتر صناعي إنما هو عملية جداً دقيقة تعتمد علي هندسة ميكانيكية وفيزيوكيماوية رائعة التنظيم من صنع الخالق كامل العلم والابداع يطول شرحها ويحتاج الي رسومات توضيحية لا يسع هَذَا المجال الي الخوض فيها.
أعراض مرض الكلي
عموماً تشخيص أمراض الكلي قد يتم في بعض الأحيان نتيجة الصدفة المحضة ومن غير ظهور أعراض ، مثلاً في حالات الفحص العام للحصول علي وظيفة أو بطاقة تأمين علي الحياة أو الانضمام الي أي وظيفة مثلاً عسكرية أو خلافها. ففي مثل تلك الحالات وجود زلال أو دم أو الاثنين معاً في البول تكون تلك الصورة مؤشراً يشكك في وجود مرض أو خلل ما في وظائف الكلي الذي يجب تأكيده أو نفيه لان هناك حالات أخري تؤدي الي ظهور دم في البول ليس له علاقة بمرض في الكلي مثال ذالك حدوث دم في البول عند بعض الذين يشتركون في مسابقات العد لمسافات طويلة " Marathon ". لذالك تتعدد أسباب مرض الكلي وتختلف في خطورتها او سلامتها ولكن معظمها قد تؤدي في النهاية الي صورتين اكلينييتين هما الضرر الحاد أو الضرر المزمن وكل الضررين لابد من سلامة الوصول سريعاً الي تشخيصهما ومن ثم طريقة علاجهما بكل حرفة وتقنية. من الاعراض المعتادة ونشاهدها كثيراً الوهن الشديد، ، النعاس الغير اعتيادي، فقدان الشهية للاكل والشرب ، الام مختلفة (صداع، او الام في الظهر أو البطن) ،طمام أو تقيؤ ،قلة إدرار البول، تورم الوجه والرجلين، ارتفاع ضغط الدم، ازدياد عدد ضربات القلب وربما تكون هناك صعوبة في التنفس أو وجود ارتفاع في درجة الحرارة. فحص عينة البول كما ذكرت قد توضح وجود دم في البول وربما يكون مصحوباً بزلال.
بعد هذه المقدمة العلمية المختصرة فالحديث عن امراض الكلي يحتاج الي كتاب جامع وليس مقالاً كهذا وعليه ساقسم الموضوع ببساطة واختصار ان أمكن الي الثلاثة أقسام التالية والتي ستنشر في ثلاث حلقات :
الضرر الحاد........... Akute Kidney Injury
الضرر المزمن _ Chronic Kidney Injury
زراعة الكلي.......Kidney Transplantation
موضوع اليوم : الضرر الحاد .......Acute Kidney Injury
ليس من السهولة ان نحدد بالضبط النسبة المئوية لحدوث الضرر الحاد لان الجزء الاكبر منه يحدث عادة نتيجة مضاعفات لحالات مرضية اخري داخل المستشفيات كما هناك الحالات التي ربما تحدث لاسباب خارج المستشفيات ويتم اكتشافها بمجرد الحصول علي نتيجة اول فحص دم يتم اجراؤه عند استقبال المريض في عيادات الطواريء او عند طبيب العائلة او في بعض العيادات الخاصة. في العموم حسب تجربتي تتراوح نسبة الضرر الكلوي الحاد بين ٪2.5 - ٪7 حسب كفاءة المستشفيات جامعية كانت أم غيرها. تتدرج حالة الضرر الحاد من مرض خفيف أو متوسط الي درجة متقدمة والأخير أكثر خطورة لانها تحتاج في غالب الأحوال الي تدخل علاجي في غرف العناية المركزة وحتي الي استعمال وسائل غسيل الدم المختلفة كوسيلة علاجية لإنقاذ حياة المريض. يعرف الضرر الكلوي الحاد بتدهور سريع في وظائف الكلي التي تظهر في نقص كمية البول دون نصف لتر أو أنعدامها كلية نتيجة قصور ترشيح السوائل من الجسم بكمية كافية وكذالك تظهر دلالاته في نتيجة فحص الدم الذي يبين ارتفاع نسبة البولينا والكرياتنين وأيضاً اضطراب في هدرجة الكربونات أو ارتفاع معدل تركيز البوتاسيوم والفوسفور. كل هذه المواد التي معظمها تعتبر مواد سامة عادة ما يتخلص منها الجسم عن طريق ترشيح الدم أثناء دورته داخل الكلي عابراً الملايين من الحويصلات الصغيرة والتي لا تري بالعين المجردة . ايضاً توجد داخل الكلية أجهزة قنواتية ميكروسكوبية تقوم بتنظيم معدلات نسب السكر والملح (الصوديوم) والبوتاسيوم لكي تكون محافظة علي نسبتها الطبيعية داخل الدم الراجع. لذالك أي خلل ينتج من الضرر الحاد المتقدم أو الضرر المزمن المتقدم سيؤدى اذا لم يعالج سريعاً الي أعراض وخيمة نتيجة تراكم السميات في الدم وتأثيرها علي المخ وكذالك القلب والجهاز التنفسي. فتراكم السوائل في الجسم والصدر أو حدوث تشنجات أو غيبوبة أو هبوط حاد في ضغط الدم كلها تحتاج الي تدخل سريع لتصحيح الخطأ باستعمال بعض السوائل و العقاقير وان لم تؤثر إيجاباً لا بد من الغسيل الفوري للدم في قسم العناية المركزة أو أي وحدة كلي في حالة انعدام عناية مركزة في المنطقة. وفي حالة انعدام ماكينات غسيل الدم يمكن التعويض بعلاج بديل يسمي البذل البريتوني وأعني بذالك غسيل الدم عن طريق حقن ليترين او اكثر (حسب حجم بطن المريض) من محلول معقم يحتوي علي عناصر مهمة لفزلجة الجسم (الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم وتركيز معين من السكر) داخل البطن ثم إخراجه مرة أخري بعد تركه لمدة تتراوح من ساعتين لأربع ساعات تتم خلالها عملية الترشيح.
نشاهد في حياتنا اليومية حالات الضرر الكلوي الحاد في عنابر المستشفيات وداخل صالات العناية المركزة خاصة عقب بعض العمليات المعقدة الكبيرة والتي تستغرق زمناً طويلا كعمليات القلب المفتوح وزراعة الأعضاء (الكبد والكلي والبانكرياس) وعجز القلب الحاد خاصة عقب حدوث احتشاء العضلة القلبية (أي الجلطة القلبية) أيضاً في حالات أي صدمة يتأخر تشخيصها والإسراع في علاجها مثلاً كحالات تسمم الدم الجرثومي الحاد أو الصدمات القلبية كما يحدث الضرر الحاد نتيجة بلع الأدوية بكميات كبيرة أو بلع السموم أما إرادة للانتحار أو التعرض لها عن طريق الخطأ أو أثناء العمل . في أوروبا نشاهد مثل تلك الحالات عند الشباب وهم يحاولون الانتحار ببلع كميات كبيرة من الباراسيتامول (البانادول المعروف لدي الجميع). الضرر الحاد نشاهده كثيراً عند كبار السن نتيجة الجفاف أو تسمم الدم الجرثومي الناتج عن التهابات المسالك البولية أو الجهاز التنفسي كما نشاهده عند الكبار الذين يعالجون بعد العمليات الكبيرة خاصة كسور العظام بمسكنات الالم القوية مثل الفولتارين او ببعض المضادات الحيوية. الجفاف عموماً من الأسباب الرئيسية لحدوث الضرر الكلوي الحاد ولحسن الحظ يمكن علاجه والشفاء منه تماماً إذا تم إسعاف المريض علي وجه السرعة. أسباب الجفاف تتعدد اهمها فقدان السوائل في حالات النزلات المعوية والتقيؤ أو حالات النزف الكثير (إصابات الطرق والحروب والحروق أو العمليات الكبيرة) او الحميات كالملاريا. التهاب اللوزتين ببكتيريا الاستربتوكوكس أيضاً يسبب ضرر كلوي حاد. أيضاً توجد حالة غريبة تؤدي الي فشل كلوي حاد مثال لذالك إذا لسبب ما ظل الشخص مرمياً علي الأرض أو جالساً علي مقعد التواليت (مثلاً) لساعات طويلة تؤدي تلك الوضعية الحرجة الي التهاب العضلات( inflammation ) التي بدورها تتكسر وتفرز نوع معين من البروتين يتسبب في حدوث الضرر الحاد الخطير الذي يحتاج الي اعطاء سوائل بكميات كبيرة مع غسيل الدم بالوسائل الصناعية. أيضاً نشاهد بعض حالات الضرر الكلوي الحاد عند المصابين ببعض النزلات الحادة كانفلونزا الخنازير وهؤلاء يحتاجون الي غسيل الكلي المستمر علي مدار الاربعة وعشرين ساعة دون توقف في احدي غرف العناية المركزة. أيضاً هناك أمراض خطيرة تحتاج الي علاج كيماوي بمفرده أو مع غسيل الدم وقد تكتشف عند حدوث ضرر كلوي حاد كمثال لذالك مرضاً يجتاح العظام والكلي يسمي ( Multiple Myeloma ). هذا المرض يصيب كبار السن. ايضاً يجدر الذكر بأننا نجد في بعض الحالات حصاوي الكلي والأورام السرطانية كالبروستاتا قد تسبب الضرر الكلوي الحاد إذا قفلت المسالك البولية تماماً خاصة إذا كان للمريض كلية واحدة تعمل والأخري لا تعمل اما لانها غير موجودة اصلاً أو صغيرة منذ الولادة أو إذا كان قد حدث لها ضمور وتلف نتيجة انقطاع الدورة الدموية أو الالتهاب المزمن. عموماً الجفاف بغض النظر عن أسبابه نجده من الأسباب الرئيسية للضرر الحاد لذالك علي الذين يصابون بمرض الملاريا الانتباه وتفادي الجفاف
التشخيص: يتم كالاتي
(1) اخذ تاريخ كل حالة بدقة ثم الفحص السريري الشامل
(2) فحص وزراعة عينة من البول
(3) فحص الدم
(4) فحص الكلي والمسالك البولية بالموجات الصوتية
(5) يومياً متابعة حرارة الجسم وضغط الدم والنبض ووزن المريض ورصد كمية السوائل الداخلة والخارجة من الجسم
(6) فحص الدم يومياً لمتابعة وظائف الكلي والكبد ومعدلات الكالسيوم والبايكاربونات
(7) زراعة عينة من الدم ان كانت دواعي التسمم الجرثومي باينة
(8) فحوصات خاصة بجهاز المناعة أو لأسباب معينة اخري ( يعرفها أخصائي الكلي ) التي ايضاً كثيراً ما تتسبب في حدوث ضرر حاد
(9) أخذ عينة في بعض الاحيان من إحدى الكليتين ( Kidney Biopsy ) للوصول الي التشخيص السليم أو حتي لتأكيد التشخيص السريري الذي تم بعد اتخاذ الإجراءات التي ذكرتها أعلاه (1-8)
(10) أشعة صدر وتخطيط للقلب وحتي موجات القلب الصوتية في بعض الحالات
(11) بعض الحالات تتطلب الفحص الإشعاعي المقطعي ( CT-Scan ) أو الرنين المغنطيسي ( MRI-scan )
العلاج
يتم داخل المستشفي. وكل حالة تعالج حسب نتيجة التشخيص والأمر كله يحتاج في كثير من الأحيان الي التعاون مع تخصصات اخري مختلفة (الكيمياء الحياتية والجراثيم وعلم الأمراض وأقسام الأشعة وأخصائيي العناية المركزة والمسالك البولية) في العموم لحسن الحظ ينجح العلاج مائة في المائة في معظم حالات الضرر الكلوي الحاد. نتحصل دائماً علي نتائج سريعة ومبشرة في حالات الجفاف نتيجة فقدان السوائل بعد تعويضها بالمحاليل الوريدية الكافية وأيضاً في بعض الحالات الاخري الصعبة في الغالب يتم الشفاء منها كلية بعد التعرض لعدة غسلات الدم عن طريق الكلية الصناعية وبالطبع توجد حالت معينة كتسمم الدم الجرثومي تحتاج الي اضافة العلاج بالمضادات الحيوية او في حالات اخري بالكورتزون لعدة اشهر او بعقاقير طبية اخري ويمكن بعدها الحصول علي نتائج ايجابيه جداً جيدة. اما حالات انسداد المجاري البولية فغالباً ما تحل مشكلاتها بواسطة جراح المسالك البولية بازالة سبب الانسداد. مسؤولة التغذية تلعب دوراً هاماً في تنظيم الأكل المناسب لكل حالة أثناء وحتي بعد العلاج
الوقاية خير من العلاج
كيف نتقي شر حدوث الضرر الكلوي الحاد؟؟
أولا تجنب الجفاف خاصة في البلاد الحارة ولا فرق بين الذي يجلس تحت الظل أم الشمس صيفاً ام شتاءاً ففي كليهما يحتاج الإنسان الي الاستمرار بالتزود بالماء الكافي ليل نهار وأشدد علي الماء القراح في المقام الأول ولا مانع من تناول عصير الفواكه الطازجة مع عدم الاسراف واوصي بتفادي الإكثار من المشروبات الغازية لانها غنية بالسكر الذي يضر كثيراً بالاسنان ويزيد من الوزن وينهك البانكرياس وتكون الحصيلة المعاناة مستقبلاً من مرض السكري الذي ساتعرض لأهميته ان شاء الله في سانحة اخري عن موضوع الضرر الكلوي المزمن.
الإكثار من شرب الماء ثلاثة الي اربعة ليتر علي الاقل يومياً للذين يعانون من حصاوي الكلي أو لديهم قابلية لتكوينها وأيضاً الذين يصومون رمضان في البلاد الحارة كالسودان. تفادي اكثار اكل اللحوم والخضر التي تتشبع بمخزون الاوكساليتات لذالك علي الذين يشكون من حصاوي الكلي أو عندهم قابلية لتكوينها ان يستفيدوا من نصيحة أخصائي التغذية.
تفادي علاج الام العضلات أو المفاصل من غير مراجعة الطبيب والحذر من شراء تلك المسكنات مباشرة من الصيدليات وأناشد الأخوة الصيادلة الامتناع من بيعها من غير وصفة من طبيب مرخص . نطلق علي مثل هذا التصرف العلاجي بالإنجليزية: over the counter البيع. أما ان كان لابد من استعمالها فالأجدر تحديد وضع سلامة وظائف الكلي وأيضاً تكثيف شرب السوائل. الإسراع الي حوادث اقرب مستشفي في حالة حدوث أي سبب يؤدي الي فقدان السوائل (قيء أو نزلة معوية أو ملاريا مصحوبة بفقدان سوائل ...الخ لعلاج السبب وتعويض فقدان السوائل بأسرع فرصة ممكنة
مراجعة الطبيب فقط وليس الصيدلي (مباشرة ) لتشخيص وعلاج أي حالة التهاب جرثومي في الجهاز التنفسي أو المسالك البولية أو المرارة أو الجروح الملتهبة أو اللوزتين الحاد لان تسمم الدم الجرثومي الخطير قد ينتج من التأخير في العلاج بالمضاد الحيوي المناسب
لبس الوقائيات إذا كانت مهنة العامل في المصانع او الحقول تعرضه لاستنشاق أو الاحتكاك بمواد سامة كمواد رش الحشرات اوغيرها وكذالك مواد الطلاء ومستخرجات البيتروكيماويات
مثل الايثيلين قلايكول
أمثلة واقعية من ممارستي السريرية:
(1) في المستشفيات لسبيل الوقاية بروتوكولات وتعليمات شديدة يعرفها الأطباء في كل العالم ولا بد ان تؤخذ بعين الاعتبار . اضرب مثلا للقارئ حالة شخص معروف مصاب بمرض السكري المزمن ولكنه يحتاج الي عملية إجراء قسطرة استكشافية لأوعية القلب التاجية أو الرجلين وخلافها. هذه العملية تحتاج الي زرق محلول عن طريق الوريد يتكون من مادة ملونة التي بدونها لا يمكن مشاهدة تلك الاوعية وتحديد الخلل . هذه المادة معروف أنها تؤثر سلباً علي وظائف الكلي وفي بعض الأحيان تؤدي الي الضرر الكلوي الحاد الذي ربما أيضاً لا يمكن إصلاحه الا بالغسيل الدموي ويظل مزمناً ففي هذه الحالات لا بد لهذه التعليمات ان تؤخذ بعين الاعتبار وتنفذ بدقة تحضيراً قبل العملية ومن ثم بعد الانتهاء من العملية. رغم ذالك الاحتياط فان بعضاً من تلك الحالات قد تحتاج الي غسيل الدم عدة مرات وفي بعض الحالات القليلة ربما حتي الاعتماد علي الغسيل الدائم الي ما لا نهاية. لذالك لابد من التأكد من سلامة وظائف الكلي قبل اعتماد تلك التدخلات التقنية بواسطة أطباء القلب أو جراحي الأوعية الدموية عند تشخيص حالات ضيق الأوعية الدموية لدي الإنسان
(2) حالة أخري يجدر ذكرها:
امرأة عمرها 84 سنة أتت الي المستشفي محولة من طبيب العائلة في اليوم الثاني عشر من يوليو الحالي تشكو من وهن شديد ونقصان في شهية تقبل الطعام مع قابلية للتقيوء إضافة الي نقص وزنها حوالي خمس كيلوات وكل ذالك قد حدث خلال ثلاثة -أربعة أسابيع . عند فحصها بحوادث قسم الباطنية وجد الأطباء المناوبون انخفاضاً في معدل الهيموغلوبين الي80٪. ومعدل الكرياتنين 92. أدخلت المستشفي لكي تفحص بالمنظار العلوي والسفلي لمعرفة سبب الأنيميا ونقص الوزن واضعين بعين لاعتبار احتمال وجود سرطان في الجهاز الهضمي.
عندما حلت عندي للتنويم في القسم الباطني لوحظ ارتفاع حاد في الكرياتنين الي مهدا 670 ونقص في معدل الكالسيوم. قبل دخولها المستشفي كانت كل تحاليل وظائف الكلي والهيموغلوبين طبيعية . هذه الصورة الاكلينيكية تدل علي جدوث ضرر كلوي حاد. فما هو السبب؟. ظن الفريق الذي يعمل معي بان حرارة الطقس المرتفعة جدًا (31 درجة مئوية) قد تسببت في جفاف المريضة وأثرت سلباً علي عمل الكليتين. لكن مع مزيد من الأسئلة التي طرحتها عن تاريخ أعراض مرضها علمت منها أنها كانت قد شكت في بدايتها من إنفلونزا في الاسبوع الاول لكن طيلة حياتها كانت لا تشكو من شيئ سوي ارتفاع ضغط ألدم والكوليسترول منذ أكثر من عشر سنوات حيث تم السيطرة علي ذالك بمتابعة طبيب العائلة. احد إخوانها مات بسرطان الرئة وأخيها الموجود اكتشف انه مصاب بسرطان الثدي. هي ام لبنتين وحملهما والولادة كانتا من غير مشاكل. لا تدخن ولا تعاني سابقاً من ظهور دم في البول أو الأم في الجسم ولا تعاطي مسكنات. لا يوجد احد في العائلة يعاني من مشكلة في الكلي. إيطالية الأصل وتعيش في بريطانيا منذ الصغر.
فحص البول أشار الي وجود زالال ودم ميكروسكوبي. هذه النتائج الأولية جعلتنا نشك في احتمالين الأول التهاب له علاقة بالانفلوينزا أو المرض الذي يجتاح العظام سالف الذكر اعلاه والأخير كان هو السبب بعد إكمال التحاليل الازمة مع الصور الإشعاعية وابتدأت المريضة في العلاج المخصص لذالك المرض بعد التأكد التام كذالك من عدم وجود أورام خبيثة في أعضاء الجسم الأخري .
انتهي الجزء الأول وسيتبع لاحقاً موضوع الضرر الكلوى المزمن
ملحوظة :
هذا المقال ما هو الا فقط تنوير مبسط وزيادة تثقيف صحي لأي شخص عادي لا علاقة له بالعلوم الطبية. اعتذر للقارئ الكريم من الأخطاء اللغوية او التعبيرية لأنني وجدت انني اجتهد لأكتب في موضوع علمي بلغة سيبويه التي اعترف بأنني لست من أبنائها البررة لأن علاقتي باللغة العربية قد انتهت رسميا عندما رفعت الأقلام وجفت الصحف بانتهاء امتحان الشهادة الثانوية في زمن كانت كل دروسنا نتلقاها انذاك باللغة الانجليزية عدا مادتي الدين واللغة العربية ولا انسي في هذه السانحة الرمضانية المباركة ان أترحم علي أصحاب الفضل علينا أساتذتنا الاديب الشاعر محي الدين فارس وحسب الرسول خير السيد الذان علمانا وقتها لغة الضاد كما تعلماها هما في دار العلوم بمصر ففرحنا بقدومهما السعيد الي مدرستنا واعتبرناهما غيثاً تنزل علينا بركة من السماء أنعش واحيا صحراءنا اليابسة ولا نزال رغم طول الزمن والعيش في بلاد العجم تختزن القليل من ثمار تلك التجربة الغنية التي اكتسبناها في زمن جميل كان التعليم ومعاوناته كلها بالمجان وحقاً متاحاً للجميع ، فهي زادنا الذي بقي يعيننا في رحلة الحياة المريرة الشائكة دروبها. أنني لاوصي صادقاً شباب اليوم بالاهتمام واجادة اللغتين العربية والانجليزية تحدثاً وكتابة.
و وقاكم الله شر كل داء. ونواصل بإذن الله
عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
أستاذ مشارك، كلية الطب، جامعة أوبسالا ، السويد
استشاري باطنية وأمراض الكلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.