"رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    دعوات لإنهاء أزمة التأشيرات للطلاب السودانيين في مصر    د. معاوية البخاري يكتب: ماذا فعل مرتزقة الدعم السريع في السودان؟    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    الاجتماع التقليدي الفني: الهلال باللون باللون الأزرق، و جاموس باللون الأحمر الكامل    يا ريجي جر الخمسين وأسعد هلال الملايين    الشعبية كسلا تكسب الثنائي مسامح وابو قيد    وجمعة ود فور    مراقد الشهداء    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    كامل إدريس يدشن أعمال اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعاً عن الدِّين الإسلامي .. بقلم: أبوبكر محمّد– ماليزيا
نشر في سودانيل يوم 01 - 08 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علّم بالقلم، وعلّم الإنسان ما لم يعلم، وأصلِّي وأسلِّم على نبيّنا محمّد بن عبد الله، معلّم الناس الخير، ومخرجهم من الظلمات إلى النور، نبيّ الرحمة والهدى الذي جعل المجاهدة بالقرآن والتفكّر في آياته المعجزة من أعلى وأعظم أنواع الجهاد وأسماها، واعتبر الساحة الفكريّة هي ساحة الحوار الحضاريّ، وهي المعركة الحقيقيّة بين الدِّين الإسلاميّ وأعدائه، قال تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ 0لْكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدْهُم بِهِۦجِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52].
من الملاحظ في الآونة الأخيرة أنَّ هناك هجوم عنيف على الدِّين الإسلامي، وذلك بسبب فشل مفكري الأنظمة الإسلامية في تقديم نموذج يحتذى في نظام الحكم والسياسة والفكر، حيث لم تستطع هذه الأنظمة والحركات أن تبني نظريات واضحة المعالم في الاقتصاد الإسلامي، والنظام الاجتماعي والسياسي، لتعالج مسائل التخلف، والفقر والبطالة، وغيرها من المشكلات التي استوطنت العالم الإسلامي. وقد تعثّرت معظم التجارب الإسلامية التي قامت في العالم الإسلامي لغياب المنهج العلمي المقنع الذي يقوم على أسس البحث العلمي السليم لحل المشكلات الإنسانية المختلفة، ومع ذلك يمكننا القول بأنَّه يمكن أن يتحقَّق النجاح متى ما صدقت النوايا، وقويت الصلة بالله سبحانه وتعالى، وتوسَّع الناس في الاجتهاد والبحث العلمي الجاد في كتاب الله، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[ العنكبوت: 69].
دفاعنا في هذا المقال عن الدين الإسلامي، وليس عن أفكار واجتهادات البشر وتصوراتهم، فأي اجتهاد بشري يكون قابل للخطأ والصواب، ولست مدافعاً عن أي طائفة من الطوائف الإسلامية التي يتحدّث عنها دائماً الأخوة العلمانيين، ودعاة اللبرالية، حيث أنَّ دعاة الدِّين اللبرالي يحمّلون الدِّين الإسلامي، وهو الدِّين الحق – يحملونه - أخطاء، وتطبيقات هذه الطوائف واجتهاداتهم. إنَّ تلك الأخطاء التي نجدها لدى مختلف الطوائف والحركات الإسلامية هي في الغالب الأعم ناتجة من أخطاء في الاستنباط، وفي الفهوم المختلفة للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وهي التي قادت إلى التناحر بين مختلف الطوائف الدِّينية، وهي إن دلَّت على شيء فهي تدل على أن المنهج الإسلامي الذي يجب أن يُنظِّم الحياة البشرية ويوحِّدها ما زال غائباً ولذلك فهو يحتاج للبحث والاجتهاد والتنقيب، وهو واجب كل مسلم يؤمن بالله ورسوله، ويعرف اللغة العربية ويفهمها، ويمتلك أدوات البحث في القرآن الكريم، فالقرآن كنز بين يدينا، ينتظر إفراغ الجهد والوسع لإنقاذ البشرية من الضياع. ويجب علينا أن نرتقي إلى مستوى مصطلحات القرآن الكريم كما يجب علينا أن نسعى إلى تحرير المعرفة المتعلقة بهذا الكتاب العظيم من التصورات البشرية فهي ليست مُلزمة وليست خالدة، أما النص فهو الباقي وهو القادر على أن يستوعب الزمان والمكان. فعلى سبيل المثال الديمقراطية ليست الشورى كما يظن البعض، فالشورى التي يستخف بها دعاة الديمقراطية هي أسمى وأرقى من كل الديمقراطيات، وهي في أبسط معانيها تعني الاستشارة، والاستشارة تعني مشاورة أهل الاختصاص، فضلاً عن أصحاب الأمر الذين يمسَّهم موضوع الشورى، فالشورى تتيح لكلِّ أهل الديانات المختلفة، والملاحدة وغيرهم من أهل الهوى، فرصة المشاركة متى ما كانوا أهل خبرة، فالشورى للتخصص ولا ترتبط بالعقيدة، وإلا لما كان مرشد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - للطريق يوم الهجرة من المشركين. أمَّا في مجال التشريع فالحكم لله وحده ودورنا ينصب في الاجتهاد لاستنباط الاحكام والدستور الذي ينظِّم مسيرة حياتنا، وهو متاح لكل من أمتلك أدوات البحث في القرآن العظيم، وحُكم الله هو منتهى الحرية والعدالة، ولا يكون إلا بكتاب الله الذي يمكنني أن أسميه الرسول الذي يسعى بيننا لما له من روح، ولسان عربي مبين. وبناءً على ذلك دائماً أتساءل هل ترك الله سبحانه وتعالى عملية تنظيم الحياة البشرية لأهواء البشر، وهو يعلم أنَّ الإنسان خلق جهولا؟ بالطبع كلا وألف كلا، فإذا كان الخالق سبحانه وتعالى قد وضع قوانين تنظيم الأسرة وحدّد فيها لمن تكون الرئاسة وكيف تسير هذه العلاقة، ومن يتحمَّل الإنفاق وإدارة شؤون الأسرة؟ فإذن كيف يترك الأمر الأهم والأكثر خطورة وهو نظام الحكم والسياسة، والمال والاقتصاد لأهواء البشر؟ يقيني أنَّ قوانين تنظيم البشر على المستوى العام، وقوانين تنظيم الشؤون المالية، والسياسية توجد في هذا الكتاب العظيم، وهي في انتظار من يكتشفها من خلال نصوصه بالبحث العلمي الجاد.
هنالك مسلّمات يجب أن نتذكرها ونحن نتحدَّث عن قضايا تتعلق بالإنسان وشؤون تنظيم حياته، وهذه المسلّمات هي حقائق لا يمكن القفز من فوقها، بل يجب أن تكون حاضرة في كلِّ لحظة نتحدّث فيها عن شؤون الإنسان، وطرق تنظيم حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن أهم هذه الحقائق الآتي:
أولاً: لا يمكن لأي مخلوق في وجه الأرض أو غيرها أن ينكر حقيقة أنَّ هذا الإنسان مخلوق لله سبحانه وتعالى، حيث لم يدّعِ أحد من البشر أو الجن أو غيرهم بأنَّ له خلية في شعرة رأس فرد من خلق الله.
ثانياً: لا يمكن لأي مخلوق أن ينكر أنَّ القرآن الكريم كتاب منزل من عند الله سبحانه وتعالى، وهو بصياغته اللغوية من عند الله سبحانه وتعالى، ومحفوظ بعنايته من التبديل والتحريف، وقد أنزله الله سبحانه وتعالى من أجل إرشاد الإنسان وهديه إلى طريق الله القويم، ومن أجل تعليمه كيف ينظِّم حياته بأكملها، فهو (catalog) هذا الإنسان إذا صح التعبير. وهو شامل ولم يُفرِّط منزله في أي شيء يحتاجه البشر، حيث ذكر فيه كل شيء، قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾[الأنعام: 38]. وينصب دور الإنسان في كيفية الاستنباط، ومقدرته على التعرَّف على مراد الله من الآيات المنزلة.
ثالثاً: لا يمكن لأي مخلوق أن ينكر أنَّ الخالق الذي خلق هذا الإنسان هو أحقّ من يضع منهج لتسيير وتنظيم حياة من خلق وأبدع، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك: 14]؛ ولذلك فإنَّ أي منهج بشري لا يستمد معرفته من كتاب الله ويسعى لتقديم قوانين ونظم لتنظيم البشر - مهما كان – فهو منهج قاصر، ومتطفل، ويعدُّ ذلك تدخلاً فيما لايعنيه.
رابعاً: كون لم يستطع العالم الإسلامي أن يستنبط منهجاً واضحاً لتنظيم شؤون الحكم والسياسة، ولتنظيم شؤون المال والاقتصاد – لا يعني ذلك أنَّ مثل تلك القوانين غير موجودة، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[النحل:89]. وهنا يأتي دور كلّ مسلم، وواجب كل من يقول إنَّه يؤمن بهذا الدين. إنَّ كلّ الأمة المسلمة غير معفية من هذه المسؤلية، ويجب على من يقوم بالنقد للمطروح من الأفكار الإسلامية أن يصحب نقده بالبديل العلمي المنطقي المستمد من دليل هذا الإنسان وهو الكتاب المنزل من عند الخالق، كما يجب عدم تحميل أخطاء البشر لدين الله، فالحركات والطوائف الإسلامية المختلفة قد تكون فشلت في تقديم منهج واضح ومنطقي لتنظيم الحياة، لكن يحمد لهم أنهم يعملون بقدر فكرهم وفهمهم، ولا يمكننا أن نُلغي جهدهم، إلا إذا قدّمنا لهم البديل الموضوعي المستخلص من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، على أن يَفرُض هذا البديل المطروح نفسه بما له من ايجابيات، فالكهرباء، والهاتف الزكي، والسيارة، كل هذه الأشياء وغيرها فرضت نفسها بما قدمته من حلول لمشكلات الإنسان، ومزايا ممتازة لمجابهة كل ما يحتاجه الإنسان في تسهيل أمور حياته، وهذا ما نريده للمنهج الإسلامي، حيث يجب أن يفرض نفسه بقوة طرحه الفكري الذي يتصدى للمشكلات التي تواجه الإنسانية جمعاء، ولا نرضى أن يُفرض المنهج الإسلامي بقوة السلاح، أو بالعاطفة، مضى زمن العواطف، والخطب الرنانة، وإجبار الناس على شيء لا يريدونه. فالمعروض من الفكر يُلزم الناس بتقبله متى ما كان إيجابياً ويحلّ مشاكلهم.
خامساً: يجب أن نعلم بأنَّ كلّ من يقدِّم منهجاً لتنظيم حياة البشر من غير الاهتداء بهذا الكتاب المنزل من عند الله – سبحانه وتعالى - فهو يقدِّم ديناً آخر غير الدِّين الإسلامي، فالشيوعية، والعلمانية، والشعوبية، والإنسانية، والديمقراطية، كلّها أديان بشرية وضعية، وهذا بشهادة علماء الأديان، ولبيان هذه الحقيقة سأقدِّم ملخصاً عن مفهوم الدِّين.
مفهوم الدِّين:
يقول الدكتور الشرقاويّ في كتابه بحوث في مقارنة الأديان أنَّ مادة (دين) في اللغة تدور على معنى: "(اللزوم، والانقياد)، فهناك إلزام، وإلتزام، ومبدأ يُلتزم به"، وكذلك يقول: "الدّين ظاهرة إنسانيّة عامّة وشاملة، وحيثما وجد الناس يسكن الدِّين" . وكذلك توصّل أستاذ الأديان بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، الدكتور أنيس مالك طه، في استخلاصه لمعنى الدِّين، بأنَّ مصطلح الدِّين يشمل جميع الأديان، والمذاهب، والأيدلوجيّات الحديثة مثل: الشيوعيّة، والإنسانيّة، والعلمانيّة، والوطنيّة أو القوميّة، وغيرها - ورد ذلك في كتابه التعددية الدِّينية، رؤية إسلامية (من منشورات الجامعة الإسلامية العالمية – مليزيا).
ومستصفى القول إنّ تلك التعريفات المختلفة لمصطلح الدِّين تمثِّل الدليل الكافي على أنّ أيّ منهج يُقدِّم أُسس، ونُظم لتنظيم البشر يُعتبر دينًا، فإذا كان هذا المنهج في أصوله ومنطلقاته الفكريّة بشري، عندها يكون هذا الدِّين من صُنع البشر وهو منهج قاصر ومتطفل ولا يستطيع أن يضع تصورًا شاملاً لمنظومة بشريّة كاملة؛ لأنّه لا يستطيع أصحابه الإحاطة الكاملة بأيّ جانب من جوانب المنظومة البشريّة في أيّ مكان أو زمان.
وإذا كان ذلك المنهج هو من عند الله يقيناً، كما في المنهج الإسلاميّ فهو دين الله، وهو المنهج الحقّ الذي يجب العمل به والتسليم والانقياد له. إنَّنا بحكم إيماننا بهذا الدِّين نعدّ أي طرح في شأن تنظيم المجتمع لا ينطلق من أصول العقيدة الإسلاميّة - نعدّه - طرحًا لدينٍ آخر غير الدِّين الإسلاميّ، مثل: العلمانيّة، والشيوعيّة، والشعوبيّة، والديمقراطيّة، وغيرها من المذاهب الفكريّة التي تمثِّل في مجملها أديان بشريّة تريد أن تفرض رؤيتها؛ ولهذا فهي تحاول الدخول من أبواب شتى تتعلق بشؤون تنظيم حياة الإنسان، مثل: حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، والديمقراطيّة. وكما يقول الدكتور أنيس: فهي في توجهها ونواياها تسعى للقضاء على الأديان السماوية، وفي مقدمتهم الدِّين الإسلاميّ.
وقد أكّدت كثير من الآيات القرآنية أنّ المنهج الإسلامي هو المنهج الحقّ الذي يجب اتّباعه، وهو المنهج الذي يحرِّر الإنسان من العبودية لغير الله، فيكون الناس سواسية في مستوى واحد يتطلَّعون إلى ربٍّ واحد، يتلقون منه الشرائع، والقوانين، والقيم، والموازين. ولا يتّخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله. فالدِّين الإسلامي هو الدِّين الوحيد الذي يقدِّم الأحكام القويمة لتنظيم حياة البشر، ويعدُّ القرآن هو دليل الرحلة للإنسان في هذه الحياة، وهو المصدر الذي يمدّه بالمعرفة التي تخرجه من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾[ الأنعام:57]. فالمنهج الإسلامي يقول:( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )، والديمقراطية تقول الحكم للأغلبية من الشعب، وهنا يأتي الاختلاف، ونتفق مع هذه الأديان الوضعية في قولهم بحق الحرية والعدل والمساواة بين الناس، والقسط لهم، وتأتي الحرية في المنهج الإسلامي عن طريق إسناد الحكم لله، ومن ثم تنظيم العلاقات الإنسانية في شتى النواحي وفق المنهج الإلهي، ويشمل ذلك تنظيم الشؤون المالية، وكل ما يتصل بالحياة الإنسانية، ولا يعني ذلك عدم الاستفادة من الأدوات التي توصَّل إليها الفكر الإنساني طالما أنَّها لا تمس الحقائق الدينية التي تيقنا من صحتها.
إنَّ القرآن الكريم هو الإطار المرجعيّ للناس جميعاً، وهو الدليل الهادي الذي يقودهم إلى صراط الله المستقيم، ولذلك فإنّ أصول القوانين التي تنظِّم الاجتماع الإنسانيّ هي إلهيّة المصدر، ويجب استنباطها ليتم تطبيقها في المجتمع، ويكون ذلك بالتسليم الكامل للسيادة والسلطة الإلهيّة المطلقة، والتي لها السيادة العليا في التشريع ووضع المعايير التي عليها يقوم المجتمع وينتظم. لقد كانت مهمّة الرسل توجيه الخلق وإرشادهم إلى خالقهم، وإخضاعهم لأمره سبحانه وتعالى، ويمثّل القرآن الرسالة الخاتمة لإرشاد البشريّة وهديها إلى صراط الله المستقيم، وهو الدليل الذي يحمل مرشدات يهتدي بها المسلم إلى الخير والصلاح والسعادة في الدارين. وهو صالح لكل زمان ومكان.
رفضنا للعلمانية لا يعني رفض للحرية، وعدم احترام الرأي الآخر، ولا يعني ظلم الناس، وعدم القسط لهم، فالإسلام هو دين الحرية، ودين العدل، وهو الذي ينقل عبودية البشر إلى الله وهذا ما يحقق العدالة، فالله هو الحاكم، وهو المشرِّع، وما يقع من أخطاء في فهم الدين واستغلاله لتنفيذ مصالح شخصية لا يعني العيب في الدِّين وإنما العيب في ذلك الذي اغتصب الدِّين واستولى عليه لتنفيذ سياساته، وحربه تكون بهذا الدِّين وبالفكر وليس بعرض دين آخر مثل اللبرالية والشيوعية وغيرها من الضلالات البشرية القاصرة. إنَّ الطريق إلى الحرية يكون بتحرير الدِّين من التصورات البشرية، وإعادة حق التشريع وإصدار الأحكام لله سبحاته وتعالى خالق البشر.
إنّ الإسلام دين من عند الله وما عداه أديان بشرية لا تسمن ولا تغني من جوع، أو أديان سماوية حُرِّفت ففقدت الروح السماوية لتصبح أديان بشرية أقرب للخرافة، أما الدِّين الإسلامي يكفيه أنَّ كتابه القرآن العظيم يقف شاهداً على أنه الكتاب الكوني الوحيد الذي تكفَّل الإله بحفظه، ولذلك يجب علينا أن نجتهد لنقدِّم للعالم ثمار هذا الكتاب كما قدموا لنا ثمار كتاب الكون.
وبهذا تسقط مقولة فصل الدِّين عن السياسة، فالدين هو منهج الحكم، وفي الإسلام الحاكم هو الله سبحانه وتعالى، فهو وحده الذي يحق له وضع دستور يحكم الحياة الإنسانية، لتَسير منسجمة مع هذا الكون الذي يسير وفق الدستور الذي وُضِع له، ولا يجوز لكائنٍ من كان أن يتحدَّث عمَّا يُسمى فصل الدين عن الدولة من دون أن يُعرِّف لنا ماذا يعني بالدين، ولا يجوز لأحد أن يدعونا لتطبيق المنهج الإلهي دون أن يبعد تصوراته البشرية عن منهج الدين الإسلامي حتى لا يلتبس الأمر، ويجب على النَّاس أن يتأكدوا من كل ما يقال لهم وأن لا يتقبلوا أي شيء من غير أن يتبيَّنوه أحق هو أم لا؟
أبوبكر محمّد – باحث إسلامي، الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا.1 - 8 – 2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.