شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأي الآخر في تحكيم أبيي: القاضي الخصاونة .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 22 - 09 - 2013

عٌجت أقرأ رأي القاضي عون شوكت الخصاونة بمحكمة العدل الدولية التي جري تحكيمها في مسألة النزاع حول منطقة أبيي في السودان. وهو رأي من تلك التي توصف ب"رأي الأقلية" في مقابل "رأي الأغلبية" في المحكمة. والمعلوم أن رأي الأغلبية لم يلق قبول شعب المسيرية رعاة البقر العرب ورأوا فيه ترجيحاً لشعب دينكا نقوك الجنوبيين. واختلف شريكا إتفاقية السلم الشامل السوداني (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) بدورهما وصار استفتاء أبيي،الذي من المفروض أن يجري متزامناً مع استفتاء الجنوب ويخير أهلها بين البقاء في شمال السودان أم الانضمام لجنوبه، عقبة كأداء تلبد سماء سياسة السلم السوداني. وقد أغراني انشقاق الخصاونة بالرأي بقرءاته فعلنا نجد فيه حكمة تفض المستغلق في المسألة. فقد قيل إنك لن تفهم حتى رأيك أنت بصورة مثالية إلا إن تعتبر بالرأي الآخر. فالرأي مرآة أخيه أيضاً.
أميز ما في رأي الخصاونة رده مسألة التحكيم حول أبيي إلى أصلها في مزاعم الأطراف بالحق فيها. وهو ما عميت عنه البصائر. فهو يأخذ على لجنة خبراء أبيي، التي انعقدت المحكمة لتنظر إن كانت قد خرجت من ولايتها في المسألة، وعلى المحكمة نفسها، الخروج عن الاختصاص. أما المحكمة فحادت عن الحكم على البينة بالحق واختارت الحل الوسط بما اعتقدت أن فيه رضى الأطراف السياسية والقبائلية. والحلول الوسط عنده مخاطرة غير مأمونة العواقب. فعلى طالب السلم أن يلتزم جادة النصفة والمبدأ لا أن يحتطب ليلاً ليقع على الحل الوسط. وأما لجنة الخبراء، فللخصاونة فيها رأي سيء شامل. ولولا المحكمة التي سترت عيبها لبان خرقها.
من رأيه أن الخبراء قاموا بما لم يؤمروا به. فلم يكن تفويضهم تحديد مواقع سكن الدينكا نقوك في 1905 أو الفتوى بشأن استخدامات الأرض بجنوب كردفان. فتفويضهم اقتصر ببساطة على تحديد الدلالات المكانية بالإشارة إلى تاريخ محدد هو 1905 وواقعة محددة هي تحويل أرض مشائخ الدينكا التسعة في ذلك التاريخ من الجنوب إلى مديرية كردفان الشمالية المتاخمة (ونقول بذلك نقلاً عن القاضي عن صلاحية الخبراء. الواقع أنه لم يحدث تحويل أرض جنوبية إلى كردفان بل تتبيع دينكا على أرض كردفانية لكردفان برضائهم). وكان عليهم استيضاح كل خلط حول مفردات ذلك التفويض بالنظر إلى المأثور الإداري الإنجليزي للسودان (1898-1956) وكان ذلك متاحاً لولا أنهم تركوا تفويضهم وبدأوا لعبة من صنعهم بلا تبرير واضح. فأنتهوا إلى تحديد لدار لمشائخ دينكا نقوك التسع في أراض بحجم بلجيكا سكنها المسيرية ولم يطرقها الدينكا في 1905 ولا في أي وقت بعد ذلك التاريخ.
ومن رأيه أن الخبراء قد أخذتهم صيحة نظرياتهم وسداد تطبيقها عن مهمة تحديد الأرض موضوع الخلاف. فقد انشغلوا كثيراً بضبط الحقوق الأكابر من الحقوق الأصاغر دون النهوض بالتبعة المملة في رسم الأرض والدقة الواجبة لتلك الغاية. وعليه صار تحديد الموقع أضعف حلقات عملهم مما يتعذر الدفاع عنها. فأنتهوا إلى رسم الحدود بخطوط مستقيمة علماً بأن حدود القبائل قل أن تتصف بتلك الاستقامة. ولم يسبقهم الإنجليز الأعرف بالأرض إلى مثل هذا الرسم المستقيم للحدود.
وتعرض الخصاونة لمباديء الخبراء حول الحقوق في الأرض بتفصيل. فوجدهم لم ينكروا أن للمسيرية حقاً قديماً في الأرض. فقضوا بأن حقوقهم فيها مع ذلك ثانوية بالنظر إلى أسلوب حياتهم الرعوي (الذي لا يختلف مع ذلك عن نظم حياة النقوك). وهي شراكة انصرفت بها المحكمة، تأسياً بالخبراء، إلى جعل الدينكا النقكوك اصحاب الحق الأكبر فيها والمسيرية أصحاب حق أصغر. وأعلى الخبراء من مفهوم الحقوق الأكابر والأصاغر حتى جعلوه الفيصل في تحديدهم لأرض الدينكا النقوك. وقال الخصاونة إنه لم يقطع أحد شك أن هذا المفهوم لملكية الأرض تقليد متبع في كردفان. واحتكام الخبراء لقانون أفريقي لاستخدام الأرض غير مجد لأن أفريقيا واسعة وقوانين أرضها شتى. فالاحتكام إلى قانون أرض أفريقي جامع مانع فاسد مثل احتكامنا إلى قانون أرض آسيوي مثلاً.
ونظر الخصاونة، مثل ما فعلت المحكمة والخبراء، في نظم الأرض في السودان فلم يجد للمفهوم أثراً. فالحقوق في الأرض، وفي ولاية كردفان بالذات التي هي موطن الخلاف، أجملها القاضي البريطاني هيز في تحكيمه المشهور بين باديتي عرب الكبابيش والهواوير عام 1953. فبعد استماعه للأطراف وتحري أعراف الأرض حكم هيز للكبابيش بوصفهم أهل الدار وجعل الهواوير تٌبَّع لهم. وهي علاقة تجعل للجماعة صاحبة الدار حقوقاً سيادية عليها لا تقل عن تلك التي للدولة-القومية. فمن بين تلك الحقوق السيادية مثلاً أن الجماعة سيدة الدار وحدها المسموح لها بضرب نحاسها القبلي (رمز سيادي). أما نحاس التبع فلا. ويفرض ناظر القبيلة ضريبة تسمى "الشِراية" على زراعة أهلة وضيوفه التبع.
ولم يثبت أن علاقة الأكابر-الأصاغر في الانتفاع بالأرض قد سادت بين المسيرية والدينكا نقوك. فإيان كنينسون، الذي بارحنا إلى دار البقاء منذ أسابيع ونشر كتاباً عن المسيرية بعد عمل أنثربولجي ميداني في سنوات آخر الخمسينات، لم يقل بهذه العلاقة. فقد شهد المسيرية والنقوك عند بحر العرب شركاء في الماء والكلأ. وقال كنينسون في شهادته خلال التحكيم: "لم ألاحظ أبداً أن المسيرية استاذنوا النقوك ليأتوا للبحر ولم يروا أنفسهم زواراً له. بل يعد المسييرية المنطقة داراً لهم". وسبقه هاول (1951)، الإداري والأنثربولوجي البريطاني، إلى القول إن المسيرية يعدون تلك المنطقة دارهم. بل استشهد الخصاونة بأفكار اقدم لدوقلاس جونسون، أحد خبراء أبيي المضرين، للتدليل على أن علاقة الأكابر-الأصاغر لا مكان لها في إعراب نظم الأرض في جنوب السودان الذي منه الدينكا. فخلافاً لجماعات شمال السودان فالجنوب خلو من مفهوم الدار كماشرحناه. فقد جاء في مقال لجونسون (1982) إن حدود الأرض بين الجماعات في الجنوب سلسة. فالحد منطقة إنتقالية تتواشج نظم العيش فيها (زراعي، رعوي) وينسرب واحدها في الآخر. فالحد بينهم ليس منتهى الشيء ولا فاصلاً.
وقال الخصاونة في صفة المسيرية والنقوك إنهما بادية. فليس المسألة في أن أحد الجماعتين "تأخذ بالرعي تتخبط في الأرض خبط عشواء في مقابل أخرى من المزارعين المستقرين". وأخذ على الخبراء أنهم بإعمالهم مفهوم الأكابر-الأصاغر في مفهوم الأرض إنما جعلوا المسيرية مواطنين من الدرجة الثانية في أرضهم لهم رعي بهائمهم فيها لا أكثر. ولم يثبت في واقع الأمر وجود مفهوم للأرض ونظمها مثل الذي اهتدى به الخبراء والذين اعترفوا هم أنفسهم بأنه كان القول الفصل في تحديدهم لدار مشائخ النقوك التسع. وخلص الخصاونة إلى وصم تحديد الخبراء لأرض النقوك بالمجازفة والخروج عن التفويض لأنه لم تثبت لاستدلالات الخبراء مقدمات في نظم الأرض في كردفان.
بعد نقضه قرار الخبراء من جهة موضوعه اتجه الخصاونة لنقضه من الناحية الإجرائية لمخالفته نص لائحة اختصاصهم. فالخصاونة يٌفَرق بين لجنة ترسيم حدود أبيي المكونة وفق اتفاق نيفاشا ( 2005) وبين جماعة الخبراء التي هي جزء من لجنة الترسيم (وشملت ممثلين لطرفي النزاع في الشمال والجنوب) المنوط بها تحديد منطقة أبيي بعد البحث والتحري. وقال إن لتحديد لجنة الخبراء صفة قضائية ولكنها لا ترقي لجعل الخبراء كياناً قضائياً أو تحكيماً من حيث نهائية أحكامه. خلافاً لذلك فقرار لجنة الترسيم، التي تنظر في حصيلة الخبراء، قضائي في المعني المار: ملزم ونهائي. ومتى لم تتفق اللجنة على رأي صار لقرار الخبراء، المرفوع للرئاسة في الدولة، صفة الحكم القضائي
ومن رأي القاضي أن الخبراء لم يتبعوا الطرق اللائحية في قانون لجنة ترسيم حدود أبيي ليكون لتحديدهم الإلزامية والنهائية بنص اللائحة. فقد خرقوه بتجاوز لجنة الترسيم، التي هم جزء منها ولها حق النظر في عمل الخبراء كما تقدم، وسارعوا بعرض قرارهم على مؤسسة الرئاسة. والنتيجة أن لجنة الترسيم لم تجتمع للنظر فيه بغية الوصول إلى رأي مجمع عليه. ومتى لم تتفق الأطراف في لجنة الترسيم على ذلك الرأي المجمع عليه، حسب لائحة اللجنة، يصير قرار الخبراء ملزما ونهائياً.
تغاضى الخبراء عن لجنة الترسيم وأسرعوا بقرارهم إلى رئاسة الجمهورية: البشير وسلفا. وبرر الخبراء ذلك بأن الرئاسة ربما لم تقبل بتقريرهم متى علموا ما فيه بعد مناقشة لجنة الترسيم له. ووصف الخصاونة تحسب الخبراء لسلبية الرئاسة بأنه ليس حدساً فحسب بل لم يعتبر أيضاً بحقيقة أن الغاية لا تبرر الوسيلة متى لم يستكملوا الإجراءات المنصوص عليها في لائحة ترسيم حدود أبيي.
وأخذ الخصاونة على لجنة الخبراء عقد اجتماعات بهلتون الخرطوم بأفراد من الدينكا النقوك مما لا يستقيم ولائحة تنظيم شغلهم. وزادوا باجتماعهم بدبلوماسي أمريكي لينصحهم حول ما غمض عليهم عن مهمتهم. وتذرعوا بأنه لا شذوذ في اجتماعهم بالدبلوماسي الأمريكي لسبقهم الاجتماع ببروفسير إيان كنينسون مثلاً. فرد عليهم الخصاونة بإن الرجوع إلى كنينسون واقع ضمن صلاحيتهم لمعرفته بحقائق التاريخ الذي تداوله الخبراء خلال شغلهم. أما نشدان النصح من دبلوماسي امريكي فمستغرب. فمتى غمض عليهم شيء في اختصاصهم كان الواجب أن يستفتوا أطراف إتفاقية نيفاشا وبروتكول أبيي وهما حكومة السودان وحكومة جنوب السودان.
ولم يقبل الخصاونه بالصفة القضائية التي أسبغتها المحكمة على لجنة الخبراء. ومن ضمن اعتراضاته على هذا الترخص في منح تلك الصفة للخبراء طعنه في مصداقية أحدهم وهو دوقلاس جونسون المختص بتاريخ السودان. ونبه الخصاونة إلى تورطه في السياسة المحلية مما يجعل حياده موضوع شبهة. فهو باعترافه سبق له نصح الحركة الشعبية حول حدود شمال السودان وجنوبه كما أخذ عليه قوله لجريدة السودان تربيون (29 مايو 2006) إنهم اعتبروا في تحديدهم لمنطقة أبييّ حصول الجنوب على حقول النفط. وكان من رأي الخصاونة أن يخضع تقرير الخبراء، متى كان للسياق اعتباره في تقليب الأدلة، لنظر فاحص من المحكمة.
قال الخصاونة إن المحكمة تجاوزت اختصاصها وأربت في انقطاعها عن حقائق التاريخ والحاضر. ووصف المنطق من وراء قرارها بأنه غير مقبول بلا منازع (ناهيك أن يكون مقنعاً) يناقض نفسه لأنه جنح نحو بلوغ نتيجة ما مهما كلف الأمر. ووصمه بالإهمال في أحيان كثيرة، والنقص من جهة ملكة النقد للبينات وإقامة الدليل.
من رأى الخصاونة أن قرار المحكمة هو نفسه قرار الخبراء إلا قليلا. فلم يدفعها شكها في سداد تحديد الخبراء للحدود الشمالية لأرض النقوك (10خ دقيقة 22 ثانية) إلى أن تنهض بتحديد مستقل للحدود وقوفاً مع المبدأ بل خرجت بحل وسط. ولما اعترفت المحكمة بأن بعض أرض أبيي مشتركة بين المسيرية والدينكا قسموها بينهم عملاً بنظرية "القسمة السوية للموارد الطبيعية المشتركة". وقال الخصاونة إنه لم يسمع بالنظرية قبلاً. وأحلت المحكمة الحد عند 10 دقائق 10 ثواني شمالاً. وهو خط لم يقل به أحد ولكنه الخط الذي قال الخبراء إن عنده تنتهي حقوق النقوك الأكابر في الأرض. وكذلك شككت المحكمة في تحديد الخبراء للأرض من جهة الشرق والغرب. وكان على المحكمة، وقد شككت في تحديد الخبراء شمالاً وشرقاً وغرباً، أن تخلص إلى نتيجة لا مهرب منها وهي أنه لم يبق من تقرير الخبراء سوى نظريات من علم الاجتماع والجغرافيا البشرية. وكان واجبها بعد ذلك أن تحكم بفشل الخبراء في مهمتهم. ومن حقها، متى ما أبطلت تقرير الخبراء، أن تشرع هي في التحديد على ضوء دفوعات الأطراف ومحاميهم.
خلافاً لذلك اختارت المحكمة أن تحدد الأرض بخطوط مستقيمة أخرى. وشرعت في ذلك بغير تفويض لأنه غير ماذون لها بالنقض الجزئي: بمعنى أن تأخذ ببعض قول الخبراء وتترك قولهم الآخر. وعليه فالمحكمة نفسها تجاوزت اختصاصها. وقد ورطها ذلك في ما يمكن تسميته ب" الجرح والتعديل" في مصطلح علم الحديث النبوي. ومسألته: هل من اختصاص المحكمة تعديل تحديد الخبراء لدار الدينكا النقوك بعد جرحه أم أنها، متى جرّحته، أسقطته وشرعت مستقلة في ذلك التحديد على ضوء دفوع الأطراف. ويقول الخصاونة إن السكة الأخيرة هي لب اختصاص المحكمة. فليس من اختصاصها استكمال تحديد الخبراء لأرض النقوك بعد النقض الجزئي له. واستوجب هذا التضييق في اختصاص المحكمة حقيقة أن الحدود التي ستتواضع عليها ستكون في القريب ربما حدوداً لدولتين هما شمال السودان وجنوبه. فالتدقيق هنا أولى. فإن تطرق شك إلى تحديد الخبراء فالاختصاص يدعو المحكمة لإطراحه كأن لم يكن. وهو لا يري سوابق قضائية لتعديل تحديد الخبراء المجرَّح تدراكت المحاكم فيه ما نقضته جزئياً واستكملته. ومتى وقع هذا التدارك كانت له شروطه وهي أن تشتمل القضية على مطالب بوسعنا فصلها واحدها عن الآخر فصلاً سلساً. ولم يتوفر هذا الشرط في تحكيم أبيي فمسألتها واحدة لا تقبل القسمة. فالحدود التي اتفقت للخبراء لم تخضع في نشأتها لنظم سياسة أو شرعية مختلفة تأذن للنظر في أجزائها على حدة. فهي بنت نظام الحكم الإنجليزي الذي انتظمتإدارته وأدبها وحدة الغرض والتنفيذ .
من أنفع زوايا النظر لرأي الخصاونة هي صدوره من عربي مسلم. ولا اريد أن ينصرف ذهننا هنا إلى أنه حابى المسيرية نصراً لها ظالمة ومظلومة. فقد سبقنا القاضي إلى القول للشرق الوسط (30 يونيو 2009) إنه إن إعتد بعروبته وإسلامه في هذا الموقف فلأنهما ربياه على طلب العدل للناس كافة. ما أردته من ذكر هويتيّ القاضي القول بأن البداوة، على خلاف زملائه، ذاكرة قريبة منه. فقد قال للشرق الأوسط إنه لم يقبل أن يعتبر الخبراء والمحكمة المسيرية "مجرد بدو رحل لهم حقوق ثانوية في الأرض" بينما الدينكا بدو مثلهم. وانتثرت هذه الحمية للعدل للبداوة أو بين البداة في جنبات رأيه. وربما فسر هذا قسوة عبارته (كما وصفها هو نفسه للشرق الأوسط) في تقريره لغضبته من افتئيات "المضر" (الحضر) الدولي على "الوبر" (البادية) وانتقاص حقوق جماعة ما بالنظر إلى أسلوب حياتها. والخصاونة ربما كان الوحيد في أروقة التحكيم الذي به فطرة بداوة أو ذاكرتها بما حصنه من ظلم البداة. وهم جماعة من "الإنسانية الأولى" التي جعلتهم الأمم المتحدة في ذمتها حماية لهم من احتقان أهل البنادر الذين لا يرونهم، في مراحيلهم الرشيدة الدبيرة، سوى جماعة هائمة على وجهها تنكبت الاستقرار الذي عليه عماد الحداثة.
Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.