تمخض جبل مؤتمر جوبا فولد مشروعاً معارضاً صغيراً. وقد وصفه الأستاذ عثمان ميرغني بأنه مما ظلت تستخدمه الحركة الشعبية لاستنزاف المؤتمر الوطني والضغط عليه بأثقل ما تيسر. لايعني هذا أن بيان جوبا خلا من المعان الحسان. فهناك التحول الديمقراطي أو "لا سيما التحول الديمقراطي" كما تجري عبارة أربابه. لكن يطعن في جدية الأحزاب الشمالية في هذا التحول أنهم ظلوا يغفلون عن ممارسة الناس له. فقد طلبوه من الحكومة في جوبا للمرة الدشليون بينما لم يتفضلوا مثلاً حتى بانتداب محام منهم للدفاع عن معتقلي بلدة المسيد الذين احتجوا على انقطاع الكهرباء بطول شارع مدني. والله دا تحول تاني! وحتى في جوبا استمعوا عن سكات إلى السيدين سلفا كير وباقان أموم يخرجان الأحزاب الجنوبية التي انسحبت من المؤتمر من ملة الوطنية الجنوبية. وتذرع كير لمطعنه لها بأن الحركة حاربت نظم الشمال بينما تخلفت أحزاب الجنوب عديمة الوطنية. ورضيت أحزاب المؤتمر بهذا التبخيس ليوساب وغيره والخمسة قوق الاتنين وكأن مساهمة تلك الأحزاب الموبخة في التجمع الوطني الديمقراطي في المهجر عبث بلا طائل. وهل في شرع التحول الديمقراطي اتهام المخالف بالهرطقة السياسية؟ ولماذا استنكرتها الأحزاب من المؤتمر الوطني حين اتهمهم بخدمة أجانب مشبوهين جيوبهم كبيرة؟ احتشد البيان الختامي لمؤتمر جوبا بمعان حسان حقاً. ولكن من فرط تكرارها بغير ممارسة أصبحت من نوع الكوم بقرش. فقد دعا المؤتمر رئاسة الجمهورية بتكوين "لجنة مستقلة للحقيقة والمصالحة تكون مهمتها تقصي الحقائق في كل التعديات والانتهاكات لحقوق الجماعات والأفراد منذ الاستقلال وإتحاذ الإجراءات اللازمة لرد المظالم والحقوق سواء كان بالمحاسبة القانونية أو التعويض المادي المعنوي مما يعينه على التعافي وإزالة المرارت من النفوس وإبراء الجراح." ولم ينس البيان أن يقول إن تحقيق كل هذا رهين ب "لا سيما التحول الديمقراطي". هذا الدعوة للتعافي المسئول تخر عسل. ولكن لماذا بقيت بعد 4 سنوات من نيفاشا التي وطنتنا على التعافي الوطني في حالتها المطلبية": لجنة تعافي ياريس! لجنة للتحول الديمقراطي!" هل تقدم نواب الأحزاب في المجلس الوطني بمشروع لقيام هذه اللجنة ولم تجد نصيراً؟ وهل تكون بين هذه الأحزاب كيان أهلي يضغط في اتجاه التعافي الوطني ملهماً العقول والأفئدة لتسكن إلى هذا الروحانية بالصورة والصوت والحرف لتفرض نفسها فرضاً على رئاسة الجمهورية؟ وبعدين عشان ما تاكلوا راسنا ساكت: إنت سلفا كير دا ما في رئاسة الجمهورية؟ يطرشنا ما سمعنا أنه طالب بمثل قيام هذه اللجنة وأرتد خاسئاً حسيرا؟ لدي أكثر من طرفة عن مفارقة أن يكون تحقيق المطلب أقرب إليك من حبل الوريد ثم "تشحده شحدة". كنت في عطبرة في آخر الثمانينات وقد عاشت المدينة أزمة خبز رديء. وطالعت بياناً من الجبهة الإسلامية القومية للناس يحتج على رداءة الرغيف. فقال لي أخونا الفكي طه" "صاحب المخابز في المدينة زعيم في الحبهة الإسلامية بتاعة البيان دا ذاتو. ولله لو خالوه مخالاة بحكاية الرغيف الكعب دا كان اتصلح. بلاش خوته". أما الطرفة الثانية فقد كان الصحفي الشاب يحرر صفحة طغت فيها رسائله إلي حبيبته. ثم تزوج من ابنة زميل له في الجريدة. فقال صحفي ماكر لم يكن يستلطف الصفحة العاشقة: "بالله لو أخونا دا علق رسائلو دي على كم جلابية ابوها مش كان وفر ورق وحبر وقراء؟" وقال المتنبيء (الذي لا مفر منه في استفظاع المحقة) بيتاً مشهوراً عن عجز القادرين عن التمام. ونتوقف غداً عند جانب آخر لمؤتمر جوبا كحالة من حالات الهرج السياسي ضارب الأطناب في البلاد. [email protected]