[email protected] (يا تري هل بقي شئ من مشروع الاسلاميين)؟ السؤال طرحه حبيبنا القيادي الجمهوري والمثقف الأشهب الدكتور النور حمد، بل اتخذ منه عنواناً لمقاله الذي طرزت به (الرأي العام) احدى صفحاتها السبت الماضي. والاجابة عند النور بالنفي، فقد هوى المشروع من حالق وأصبح هشيماً تذروه الرياح! اكملت قراءة المقال ثم قفزت الى ذهني على الفور صورة متخيلة لواحد من الاسلامويين يهب ليهتف في وجه النور مردداً المثل السائر: (لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك)! سقط المشروع الاسلاموي، نعم. ولكنه لم يكن الوحيد في كشف الراسبين. وانما كان مجرد تلميذ في مدرسة (لم ينجح أحد). اذ سقط قبله المشروع الجمهوري، مثلما سقط المشروع الماركسي، والمشروع الاشتراكي، والمشروع القومي العربي، والمشروع البعثي. حتي مشروع الجزيرة سقط! وقد قيل أن زمن المشروعات (الحضارية) الكبرى قد انتهى، ولم يعد هناك من يبحث عن رؤى ذات مفاهيم نهائية، أو ينقب عن مصادر جديدة للهوية. وأن شعوبنا اليوم لم تعد تعرف غير المشروع ثلاثي الأضلاع: الحرية والكرامة والخبز! وفي يومنا، وفي عالمنا، هذا فإننا لا نعرف مشروعاً ظفر وظهر، وكانت له الصولة، بخلاف المشروع الرأسمالي الغربي. والله يعلم ان نجاح ذلك المشروع لم يكن بدافع من مناعته وكماله وارتفاع هامته الاخلاقية ومباركة السماء له. وانما بفضل جبروته النووي الذي قضي على اليابان، وسطوته العسكرية التي دكت دريسدن الألمانية على رؤوس أهلها دكا. وهو المشروع الذي يجسد نهاية التاريخ في رأي فرانسيس فوكوياما. ونحن بطبيعة الحال نخالف فوكوياما رأيه من منطلقنا العقيدي. لأن الله، خالق الشعوب وواهب الحريات، قال لنا في تنزيله المجيد (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء 105]. ولا أظن ان فوكوياما واحد من اؤلئك العباد الصالحين! لا يهمني في هذه اللحظة إن كان المشروع الاسلاموي قد سقط بسبب العلل البنيوية المندغمة فيه، كما ذكر النور، أوبسبب أخطاء التطبيق وانحرافات الأفراد، كما يزعم الاسلامويون. الذي استأثر باهتمامي وشد انتباهي هو تصورات المخرج والبديل التي طرحها المقال، ووضعها بين يدي الاسلامويين للبحث والتأمل، وربما التبني، في اطار دعوةٍ جامعة الى كلمةٍ سواء. وضع النور أحبابنا الاسلامويين أمام خيارين لا ثالث لهما. اما أن يكونوا جمهوريين أو علمانيين. ثم أضاف: "ولستم وحدكم، فنحن الجمهوريين ليس أمامنا، سوى أن نقف وراء خيار الدولة العلمانية. فتحقيق دولة عصرية محققة للعصرانية، ومبتعدة عن اخفاقات النموذج الغربي، ومتشبعة بالروحانية، يحتاج وقتًا، وجهدًا، وأساساً لم نقم ببناء دعائمه بعد. فعلمانية الدولة هي الضامن الوحيد لحرية الضمير، ومن ثم للتربية الرشيدة ". وفي هذا التوصيف النوعي الذي ذكّرنا بأستاذ علم اجتماع الأديان ماكس فيبر، يضع النور البشر في قائمتين: القائمة الجمهورية، التي تضم نحواً من ألف شخص متناثرين حول العالم، والقائمة الثانية التي تضم بقية البشرية، وهي القائمة العلمانية! ولما كانت العلمانية هي الطريق الذي اختطه النور للجمهوريين، أو بالأحرى اختطته فيما يبدو مجموعات عريضة داخل الجماعة الجمهورية لنفسها، فإنه لم يعد هناك في تقديري ثمة مسوّغ لعرض العقيدة الجمهورية كبديل أمام الاسلامويين. طالما انها، في نهاية المطاف، قد استحالت الى قنطرة تؤدي الى العلمانية. اللهم الا أذا أراد الدكتور النور أن يذل الاسلامويين أولاً، ويرغم أنوفهم، ويدعكها في التراب، قبل ان يتحولوا معه الى العلمانية. وهو ما لا اعتقده، فالنور الذي أعرفه أنسان مفضال كريم النفس! والله يا اسلامويين حالكم يحنن، وبقيتوا تصعبوا على الكافر. وإذا كانت هذه هي نماذج المخارج التي يضعها أمامكم من عُرفوا بالرزانة والرصانة وسمو الاخلاق بين معارضيكم، فكيف يكون حالكم لو وقعتم بين يدي (الشديد القوي)؟! ولكننا ننظر حولنا فنرى العجب. لقد تهاوت وانسخطت كل المشروعات الآيديولوجية، وتحولت الى اشباح وهياكل عدمية. ولكن ها هم اصحابها من شيوعيين وقوميين وغيرهم يسدون عين الشمس ويبرطعون في كل ميدان. ألم تسمع بممثل حزب البعث، فرع بغداد، الذي هدد بفصل الامام الصادق المهدي من تحالف قوى الاجماع الوطني؟! يا اسلامويين: هونوا عليكم. ولا تأسوا ولا تحزنوا، كون ان مشروعكم تهاوى وانهار. فلستم اول المتهاوين، ولن تكونوا آخر المنهارين. ومن لم يكن (مشروعه) متهاوياً ومنهاراً فليرجمكم بحجر! إذهبوا في حال سبيلكم فأنتم الطلقاء! نقلاً عن صحيفة (الرأى العام)