معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    حكومة أبو نوبة.. ولادة قاتلة ومسمار آخر في نعش "تأسيس"    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهلا المستشار ياسر .. ما هكذا تُورد الإبل .. بقلم: عبد الدائم محمدين زمراوي - المحامي


بسم الله الرحمن الرحيم
عبد الدائم محمدين زمراوي - المحامي*
سبق أن دفعني اهتمامي بالنيابة العامة وتأثيرها على مجرى الدعوى الجنائية أن كتبت مقالين أحدهما بتاريخ 28/1/2014م والآخر بتاريخ 29/1/2014، وكل ذلك بصحيفة السوداني.
سردت في الحلقة الأولى التطور التشريعي لقوانين الإجراءات الجنائية منذ عام 1898 وحتى 1991م وبينت أهم المعالم التي ميزت تلك الفترة التي شارفت على المائة عام، وختمت الحلقة الأولى بأن ذكرت النقلة المفاجئة التي حدثت بصدور قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م وكيفية إنشائه للنيابة العامة كمشرف على مرحلة إجراءات ما قبل المحاكمة.
في الحلقة التالية ناقشت تجربة النيابة العامة وما لازمها من صعوبات كنتيجة حتمية للنقلة المفاجئة التي أحدثها القانون ومن ثم ناقشت عيبين أساسيين لازما النيابة العامة وهما عدم الاستقلالية والتوسع في الدرجات الاستئنافية، وأشرت لما قمت به أثناء عملي كوكيل لوزارة العدل بشأن هذا الأمر.
ولأن المسألة شأن عام فقد ناشدت أهل الخبرة والاختصاص من كافة القطاعات للمساهمة بآرائهم في هذا الأمر الحيوي والهام وذلك أملاً في إصلاح وتطوير نظامنا القانوني.
لم يخطر ببالي أبداً أن يتلقف دعوتي (حارقو البخور) أو (ماسحو الجوخ) كنت أحسب أن أولئك دورهم مرسوم بعناية فائقة وفقاً لتقاليد خلت منذ قرون طويلة في كتب التاريخ والسير، ولكن يبدو أن الشاعر كان أكثر خبرة وهو يُنبئنا.
أن الليالي من الزمان حُبالي يلدن كل عجيب
الفكرة المركزية في مقالتي عن النيابة العامة كانت حسبما أشرتُ آنفاً عن استقلال النيابة وضرورة خروجها من تحت عباءة وزير العدل بحسبان أن الوزير بصفته الحزبية والتنفيذية لا ينبغي أن يكون قيماً على الدعوى الجنائية وسردت تجربتي وموقفي من النيابة العامة منذ العام 2002م.
إضافة للذين أشرت اليهم آنفاً فقد انبرى مستشار يُدعى ياسر احمد محمد ليسطر رداً، ذكرني رده بالطرفة المتداولة أيام كنا طلاباً في مرحلة الدراسة الثانوية، وقتها كان يُدرس (تاريخ أوربا) ويبدو أن أحد الطلاب المتسكعين دهمته الامتحانات فقرر أن يضع (اسبوتنق)، ففي مادة التاريخ حفظ مقالة وحيدة عن سياسة (بسمارك) الخارجية ولسوء حظه طُلب في الامتحان الكتابة عن سياسة (بسمارك) الداخلية فأسقط في يده، فكتب أن سياسة (بسمارك) الداخلية معلومة للكافة فدعونا نفصل في سياسته الخارجية.
أحسب أن المستشار إياه اتبع ذات الخطة فحين أعجزه الدليل عن الكتابة فيما هو مطلوب طفق يسود الأوراق بالحديث عن العمارات والمباني وأخذ يردد أسماء قوم نحترمهم حتى قال لي صديق عزيز كدت(استفرغ) عند قراءة مقال المستشار، وكما يقول أستاذنا الدكتور البوني (أنا ما بفسر وأنت ما تقصر).
أكثر المستشار من الإشارة لعبارة (الوكيل السابق) – حتى أن كثيرين انتبهوا لذلك - وكأني به يُريد أن يرسخ في أذهان العامة أن ذاك رجل تدفعه الحسرة على المنصب فطفق يكتب ما يشين الوزارة.
لا يدري المسكين أن تلك العبارة (تزين هامتي) فلم أخرج معزولاً- وإن كان ذلك حق مشروع لمن يُعين، ولم أخرج تطاردني اللعنات من مال عام أصبت منه شيئاً بغير وجه حق، أو نُسب لي شيٌ مما يشين المرء في عرضه وأمانته- كلا وإنما سطرت خطاب استقالة من ثلاثة أسطر قدمتها في 26/3/2011م.
فحبسها السيد رئيس الجمهورية في مكتبه ثلاثة أسابيع ولم يفرج عنها إلا بعد وساطة كريمة من السيد رئيس القضاء السابق، فقبل السيد رئيس الجمهورية تلك الاستقالة مشكوراً في 13/4/2011. ثم تلقيت محادثة هاتفية من السيد وزير مجلس الوزراء آنذاك السيد/دكتور محمد مختار في ذات الليلة وهو ينقل لي شكر وتقدير السيد رئيس الجمهورية على ما قمت به إيان عملي كوكيل.
هل يود السيد مدعي جرائم دارفور أن يعرف لماذا قدمت استقالتي؟
ولكن دعونا نبدأ بالطرائف والعجائب التي ساقها المستشار الهمام، وأبدأ بما أشار إليه في مقالته الأولى وجاء فيها ما يلي: (فلا أتصور أن أي قاض يمكن أن يسبب قرار الشطب بموجب المادة 141 (1) بعدم توفير البينة المبدئية كما ذهب كاتب المقال).
وقد جاءت هذه المقولة رداً على ما ذكرته من أن القاضي الذي نظر قضية الأوقاف قد علل شطبه للدعوى الجنائية بعدم توفر البينة المبدئية.
ولكي أقرب الفهم لمن هم ليسوا من أهل القانون سأسوق مثلاً، فلو قام ابن بضرب أبيه فقرر القاضي تبرئته استناداً على قول الله عز وجل (ولا تقل لهما أفٍ) وقال القاضي إن الولد لم يقل أف وإنما ضرب وتلك غير منصوص عليها، - بالله ماذا سيكون رأيك في هذا القاضي؟
المادة 141(1) تقرر أنه على القاضي بعد سماع بينة الاتهام واستجواب المتهمين شطب الدعوة إذا لم تكن البينة كافية لإدانة المتهمين.
أفليس من حقه شطب الدعوى إن لم تتوفر البينة المبدئية ابتداءً؟
لكن لكي ألقم هذا المستشار حجراً أريح به الناس من تهريجه أنقل نص منطوق الحكم الصادر بالنمرة غ أ/710/2013 بتاريخ 5/1/2014 جاء في الفقرة الثانية مايلي:-
(شطب الدعوى الجنائية في مواجهة المتهمين الطيب مختار الطيب وخالد سليمان وأزهري التجاني عوض السيد وفقاً لنص المادة 141(1) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 لانعدام البينة المبدئية التي تبرر توجيه تهمة لأي متهم في تلك المرحلة..)
القاضي الموقر لم يقل لعدم توفر البينة المبدئية بل قال (لانعدام البينة المبدئية التي تبرر توجيه تهمة لأي متهم).
هل عرف المستشار لماذا ناديت باستقلال النيابة، وهل عرف سيادة المستشار لماذا قلت في مقالي (وحتى لا أغمط حق رجال، فقد سبق أن أوصى ثلاثة من وكلاء النيابة بشطب الدعوى).
لكن أذكر القارئ الكريم أن مقالي ذاك لم يكن موضوعه النيابة العامة، وعندما كتب المستشار رده في الحلقة الأولى وكان بتاريخ 24/1/2014 لم تكن مقالتي الأولى قد رأت النور، لكن تعالوا نرى ماذا كانت (هضربة) السيد المستشار. قال (وسنواصل النقاط التي أشرت إليها تباعاً، وإن كان من نصيحة هي أن الإصلاح القانوني لا يتم عبر الصحف وإنما عبر المؤسسات وأن مايصل الى علم من يكلف بخدمة عامة من معلومات ذات طابع رسمي لا تقبل شهادته إلا إذا أذنت السلطة المختصة ولا يقبل القانون إفشاء أسرار المهنة ولو بعد تركها. هذا أمام المحاكم فما بالكم على صفحات الصحف راجع المواد 25و 32 من قانون الإثبات).
كان ذلك ختام حلقته الأولى ووقتها لم يُنشر لي أي مقال يتعلق بالإصلاح القانونى وإنما نُشرت لاحقاً.
فيا ترى ما هي الأسرار التى ظن المستشار أنني سأبوح بها على الملأ؟ لماذا رفع لي سيادة المستشار الكرت الأحمر حتى قبل أن يطلع على حرف مما سأكتب أو يسمع به.
أقول لسيادة المستشار أنا لست ممن يُهَّز له بالبنان أو يقعقع له بالسنان، ورغم ذلك أطمئنك (وأبشر) أسراركم محفوظة.
أما حديثك عن أن الإصلاح لا يتم عبر الصحف وإنما عبر المؤسسات، فيبدو أن رجال القرون الوسطى قد حلوا بين ظهرانينا ونحن لا ندري، تلك لغة غبُرت واندثرت ياسيادة المستشار، هل ترى شغلك - اطلاعك الواسع - عن الإلمام بأثر الإعلام فى إحداث ثورات الربيع العربي وإسقاط الأنظمة الفاسدة، هل سمعت (بوتر جبيت) ومن كان وراءها؟ وهل يا ترى سمعت بمقولة الصادق المهدي عن سبب سقوط حكمه فى الديمقراطية الثالثة أم لم تبلغك عبارة رئيس الجمهورية التى غيرت المثل السائد ( الناس على دين ملوكهم) الى (الناس على دين إعلامهم).
لو انتظرت سيادة المستشار حتى تقرأ مقالتي لما تحدثت عن الأسرار والصحف بهذا الأسلوب المنتمي لحقبة ما قبل أهل الكهف.
لقد حاول المستشار جاهداً – دون جدوى – الإيقاع بيني وبين إخوتي وكلاء النيابة ولا يدري المسكين أنني ومن خلال وسائل الاتصال الحديثة قد وقفت على تشجيعهم وتأييدهم لاستقلال النيابة العامة كما هو الشأن في كل الأقطار التي تأخذ بهذا النظام.
أما ما أثرته سيادة المستشار عن انتظاري اثنين وعشرين عاماً ولم أهمس بكلمة تقييم عن النيابة ونأيت عن النيابة عندما كنت وكيلاً، حتى إنك نفيت حتى مجرد زيارة عابرة لها مني، فذاك أمر يدل على الفجور فى الخصومة وهى ليست من أخلاق المؤمنين. وأنا حقيقة أفهم أن ذاك مرده أنك كتبت حتى قبل أن تقرأ مقالتي. فقد أشرت في مقالتي بتفصيل عن خبر المذكرة التى أعددتها بعد متابعة لصيقة لأمر النيابة لمدة عشرة أشهر بدأت منذ أول يوم توليت فيه المسؤولية وبينت كيف أن تلك المذكرة تتضمن رأيي فى نظام النيابة العامة وعيوبها وكيفية إصلاحها وذكرت أنه لما لم توافقني قيادة الوزارة الى ماذهبت إليه من رأي، طلبت تعديل القانون ومن ثم خرجت من منظومة العمل الجنائي. كان ذلك يا سيادة المستشار في بداية العام 2003م.
لم أكتب رأياً بعد عشرات السنين كما ذكرت، أنت تعرف طبعي، أنا أقول رأيي جهاراً نهاراً وقت الحدث ومراعياً فى ذات الوقت آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ليس من شيمتي ادعاء البطولات الجوفاء أو محاولة لفت أنظار المعجبين لما أقوم به.
لعلك تريد شاهداً آخر يعضد ما ذكرت، لا بأس، أظنك تذكر الترقية الاستثنائية للأربعين مستشاراً فى قضية المواسير، لابد أنك تذكرها لأنك كنت واحداً منهم، هل تراني قلت أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت أم أنني بدأت بالنصيحة سراً لأولى الأمر ثم جهاراً نهاراً فى اجتماع مشهود.
أما بقية ماذكرته فى الحلقة الأولى عن حق البراءة الأصلية ومستوى البينة المطلوبة للإدانة فتلك شبيهة بسياسة (بسمارك) التي أشرت إليها آنفاً.
كان لنا معلم للغة العربية فى المرحلة الوسطى يقول دائماً لمن يرغي بما لا يعلم أو يتنطع بإيراد غير المرغوب فيه أو لا يُحسن إيراد المعلومة ويكثر الكلام ( أحشفاً وسوء كيلة).
فى مقاله الثاني بدأ المستشار بإيراد بعض العبارات التى ذكرتها ومن ثم شرع يقارن بينها وبين ما ورد فى القانون ولأن المستشار لم يطلع على ماكتبت ولأنني كنت أعلم سلفاً أن لدينا مُتنطعين يقتلون النفس ثم يسألون عن حكم دم الباعوضة، لأنني أعلم ذلك فقد قلت فى مقالي (وحتى نشرك شعبنا الكريم بحسبانه صاحب المصلحة الحقيقية فى هذا الموضوع فسأبتعد عن استخدام المصطلحات العصية على فهم العامة أو الدخول فى متاهات جدال قانوني قد يصعب على الجمهور مجاراته ولذلك ألتمس العذر من إخوتى فى المهنة إن جنحت عباراتي للتبسيط ولم تتقيد بالضوابط الصارمة التى يشتهر بها أهل القانون).
ذاك نص ماذكرته فى مقالي، لكن هلاك المتنطعين أمر معلوم فى الدين.
ثم خرج علينا المستشار ببدعة لم نسمع بها فى الأولين ولا أحسب أن المتأخرين يأتون بمثلها فقال (إن تقييم الوكيل قد جاء متأخراً لأن فخامة رئيس الجمهورية راعي العدالة فى البلاد قد سبقكم على ذلك فى مطلع عام 2013م حيث منح وزارة العدل فى البلاد والتى تمثل النيابة العامة أحد أذرعها وسام الإنجاز).
لا أدري لماذا مر بخاطري طيف الاتحاد الاشتراكي السوداني و(جوقته) والرئيس الأسبق جعفر نميري رحمه الله ومقولته الشهيرة (الثورة تُراجع ولا تتراجع) ولكن لماذا نغوص فى أعماق الماضي وقد كفانا الأخ رئيس الجمهورية فى خطابه الأخير عن الوثبة تنطع المتنطعين ومن ظنوا أنهم يحملون (حقيبة الحقيقة الأذلية).
التغيير قادم ياسيادة المستشار. تغير السياسات التى عفى عليها الدهر وتجاوزتها الأمم فى سعيها الأبدي لاستكمال نظام للعدالة مُبرأ من العيوب.
أما ما ادعيته من سلب لأيّ فضيلة إنجاز لي طيلة فترة مسؤليتي فذاك يقدح أول ما يقدح – إن صح ما ذكرت - فى كفاءة وأمانة القيادة التي منحتك نجمة الإنجاز، فكيف يتأتى لها أن تترك قيادي عاطل عن الإنجازات يستمر فى موقعه تسع سنوات ولا يغادره إلا مستقيلاً.
ثم لامني المستشار على إيرادي للتطور التشريعي فى مجال الإجراءات الجنائية لما يقارب المائة عام وذلك للفترة من 1898 وحتى 1991م ثم خلص من ذلك للقول:
(وأوضح أنه من أشد المعجبين بتلك القوانين الوضعية الاستعمارية المستوردة من المستعمرات البريطانية مثل الهند تحديداً).
واضح أن هذا القول لا يقول به إلا ذو عقل خرب لا يفقه الشرع ولا يحفل بالتجربة الإنسانية.
أقول لك سيادة المستشار أنا حفي بكل تجربة إنسانية تُقربنا من مضمار العدالة فى شتى صورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية ما دام لا تناقض نصاً قطعي الدلالة والورود وأحسب أنها بتلك المعيارية لا تناقض أصلاً شرعياً.
وهذا الذي أتبناه خلص إليه ذات المستشار بعد أن أبدى تنطعاً غير مبرر، وبعد أن وجد أن الشريعة الحقيقية تحاصره وليس شريعة الهتافات الجوفاء أو تلك التي تُساق لأجل كسب معيشة رخيصة. عاد المستشار وقال: (وعلى هذا الأساس فإن إجراءات التحري أو التحقيق أو المحاكمة تعتبر من السياسة أو المصالح المرسلة وأن الدعوى سواءً من حيث الجهة التي تتولى هذا العمل والقواعد التي تنظمها والإجراءات التي تباشرها والسلطات الممنوحة لها في سبيل الكشف عن الحقيقة ذلك كله من السياسة لا من الشرع فليس في الشريعة نصوص توجب تنظيم هذه الأمور على نحو معين......).
هذا حديث المستشار وليس قولي أنا المحب للقوانين الاستعمارية المناهض لأحكام الشريعة على حد قول المستشار.
إذا كان المستشار الهمام قد خلص إلى أن ذلك كله من السياسة لا من الشرع فلماذا يحجر علينا أن نطلب الحكمة عند المستعمرين او المجانين ألم يسمع ما ورد في الأثر (الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها).
لكن ماذا نقول عن أناس تُلغي عقولها وتمنحها إجازة لتسلق الناس بألسنة حداد.
لقد أورثني هذا المستشار وأمثاله حكمة هي أن أتحسس عقلي وقلبي كلما سمعتهم يهتفون بعبارة الشريعة أو ما شاكلها من الهتافات المدغمسة.
لكنني آليت على نفسي ألا أختم هذا المقال إلا بهدية أحسب أنها ستنال رضا المستشار وإعجابه فقد علمته معجباً برؤسائه ولذلك أوردهم اسماً اسماً في مقاله و(عوّذهم) أن تنالهم عين حسود أو حقود – كل ذلك دون مبرر- إلا التقرب من أهل السلطة.
هديتي سيادة المستشار ما ورد في اللقاء مع الأخ الكريم محمد بشارة دوسة، فمن محاسن الصدف ومن حِكم الله وكذلك فضله علينا أن تزامن ذلك اللقاء مع مقالك الثاني زماناً ومكاناً.
ففي ذات العدد الذي نشر فيه المستشار مقاله جاء اللقاء مع السيد الوزير، أجرت اللقاء الصحفية النابهة لينا يعقوب فسألت الوزير السؤال التالي:
هل لديك وضع تنظيمي أو تنتمي لحزب انتماءً تاماً؟
أجاب السيد الوزير بقوله (أنا وزير من وزراء المؤتمر الوطني والمهم هل يؤثر ذلك على أدائي المهني وأقول بصراحة إن أي وزير كلما بعد عن التنظيم والحزب سيكون أنجح لأنه جاء ليخدم الكافة).
سيدي المستشار لقد أغنتني عبارات السيد الوزير عن تكرار شرح جوهر ما ورد بمقالتي عن ضرورة الفصل بين منصب النائب العام ووزير العدل ومن ثم استقلال النيابة العامة من سطوة الجهاز التنفيذي بحسبان أن المنصب الأول مهني في حين أن الثاني سياسي بامتياز.
أحسب أن قول الأخ الوزير سينال رضاك فلذلك دعك مما يقوله زمراوي والزم ما قاله الوزير.
وفي الختام لك تحياتي سيادة المستشار وتحدثاً بنعمة الله تعالى عليّ فقد دعوت لنفسي ولك بالغفران في ركعتي فجر هذا اليوم، لأن المولى عز وجل يقول على لسان المؤمنين:
(وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). صدق الله العظيم – سورة الحشر الآية (10).
*قاضي محكمة الاستئناف الأسبق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.