تجاوزنا مرحلة الصدمة والدهشة والحيرة ودخلنا مرحلة الغضب الحارق ثم مرحلة الحيرة و"استغراش" الفاتح جبرة قبل أن تستقر الحالة في مرحلة "الطُمَام" المُصاحب للعبة "ديرة ديرة" التي أدخلنا فيها النظام منذ يونيو 1989. وديرة ديرة – لمن لا يعلم – لعبة من لعب الطفولة البريئة زمان قبل اختراع لعب الأطفال المستوردة، لا تحتاج لمعدات أو زي أو ملعب خاص. يدور الطفل حول نفسه حتى يفقد توازنه أو وعيه فيسقط على الأرض مُشتتا بين الغثيان (الطُمَام) والمتعة المجانية الخالصة، وربما اكتملت المتعة بقيئ حاد يشبه ما يُصاحب الإكثار في الشرب في الليلة السابقة! ربع قرن والنظام يجعلنا ندور في حلقات مُفرغة لا تنتهي واحدة إلا لتبدأ الأخرى. يُحلق بنا في أغوار سحيقة ويعود بنا دائما للمربع الأول، مربع التدليس والقمع والفساد والإفساد والإنكار في رابعة النهار، منهوكي القوى من دوخة ديرة ديرة، منهوكي القوى من استخدام عقولنا لنفهم ما يحدث، ناسين دائما حكمة الفرنجة التي تقول "لا تبحث عن منطق حيث لا يوجد منطق". كتبت من قبل أن النظام، بغرائب سياساته وأفعاله،و"خرمجته"، وأقوال أقطابه ومتحدثيه، يُنفذ استراتيجية ماكرة لجعلنا جميعا نفقد عقولنا وننضم لزمرة المجانين الذين يزحمون الطرقات، ويحصبون المارة والحيوانات الأليفة بالحجارة. ويبدو أنه أضاف لتلك الاستراتيجية ربع القرنية"برنامجا اسعافيا" يعتمد على ديرة ديرة لجعلنا ندوخ ونفقد وعينا، يُمزق أحشاءنا غثيان مريع. ولا أظنني في حاجة لتعداد الدوائر المُفرغة التي قاد فيها النظام البلاد والعودة دائما لمربع المشروع الحضاري (حتى بعد أن طُمر) والمؤامرات الخارجية، والبرامج الاقتصادية لرفع معدلات التنمية ومحو الفقر والدخول في رحاب التنمية المُستدامة. يكفي فقط الإشارة إلى ما صرح به إثنان من أقطاب النظام، ولا أدري إن كانا (هما والإخرين ممن يصرحون بالغريب كل يوم) يقرأون ما يقولون بعد خروجه من أفواههم. (قالت سامية محمد أحمد نائب رئيس البرلمان رئيسة القطاع الفئوي بالمؤتمر الوطني "أن من يروجون لفساد الإسلاميين يسعون لقتلنا معنويا" من أجل هزيمة المشروع الإسلامي، مؤكدة أن الإنقاذ أول حكومة تقوم بمراجعة وقفل الحسابات في السودان. طالبت سامية خلال مخاطبتها ورشة " مناقشة وثيقة الإصلاح والتغيير" أمس بالتفاؤل بغد مشرق وابعاد روح الإحباط التي انتشرت بين عضوية حزبها بعد إعلان بعض حالات الفساد، مؤكدة أن كشف المفسدين خطوة تدل على قوة الجهاز الحكومي الذي قالت أنه يحاسب ويعاقب من يخطئ أو يحيد عن الطريق. مشيرة إلى أن الوطني الحزب الذي قدم الشهداء في سبيل القضية والقيم السودانية لايمكن أن يغطي على الفساد في الخدمة المدنية مبينة أن من يعملون بشر والبشر يخطئون حسب قولها)! (كشف وزير الإعلام أحمد بلال أن الوزارة ستتقدم بطلب للقضاء لإنشاء حكمة مختصة بالصحافة، وقال أن انشاء محكمة مختصة للصحافى يهدف لحماية الصحفيين ومؤسساتهم الصحفية من الضرر الناجم عن بعض اٌجراءات التي تتخذ ضدهم! ..... وكشف بلال عن لقاء مرتقب يضم الرئاسى السودانية ووزارة اٌعلام والصحفيين للاتفاق حول الثوابت الوطنية! وأضاف ان الصادق المهدي سيُقدم للمحاكمة واصفا خطوة المهدي بأنها "هروب للأمام" والتفاف حول الحوار، وقال أن المهدي يعاني من إشكالات داخل حزبه! وانتقد مسلك بعض الأحزاب التي فال أنها لا زالت تتمسك في ممارسة عملها السياسي بمنهجها القديم وإملاء شروطها للتحاور. وأضاف "المعارضة ليست على قلب رجل واحد")! ماذا نقول في مواجهة مثل هذه التصريحات غير حسبنا الله ونعم الوكيل، ووقانا الله شر دوخة ديرة ديرة و"الطُمام"!