نظمت جمعيةُ حماية المستهلك محاضرةً عن سياسة التحرير الاقتصادي، ألقاها الأخ عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق أمس (السبت)، في مقر الجمعية بأركويت في الخرطوم. وكان اللقاء محضوراً ومشهوداً، حيث أمه العديدُ من المهتمين بقضايا الاقتصاد، لا سيما بعض منسوبي الوسائط الصحافية والإعلامية. وانبرى حمدي كعادته شارحاً بشيءٍ من التفصيل برنامج التحرير المتعلق بالمؤسسات المالية والاقتصادية، مؤكداً أن السودان يعتبر من الدول الفقيرة التي لا تستطيع أن تعتمد على مواردها الذاتية في بناء نهضة اقتصادية منشودة، لأن ذلك يتطلب قدراً كبيراً من الأموال من الخارج، والمعلوم أن هنالك مُضاغطات اقتصادية ومالية من الغرب، لا تساعد في انسياب مثل هذه الموارد المالية إلى البلاد. ومؤخراً لم تقتصر هذه المُضاغطات من الغرب فحسب، بل امتدت إلى عددٍ من الدول الخليجية. كما أن معدل الادخار القومي لا يتجاوز ال2 أو ال3%، مقراً بأن زيادة الضرائب من أكبر الأخطاء التي هزمت سياسة التحرير الاقتصادي. وأحسبُ أن أقوى ما جاء في هذه المحاضرة، هو استنكار الأخ عبد الرحيم حمدي لانشغال حكومة المؤتمر الوطني بالحوار الوطني والمجتمعي، بينما انصرفت الحكومة عن القضايا المعيشية التي تشغل الناس لسبعة أشهر أو يزيد، وتركت قضية العمل على زيادة الإنتاج، وتغافلت عن البحث عن حلول حقيقية ومعالجات واقعية للأزمة الاقتصادية. وفي رأيي الخاص أن ما أورده الأخ عبد الرحيم حمدي في ما يتعلق بالبترول، من أنه عبارة عن ديون متراكمة، واستدانة مسبقة، حيث إن شركات البترول المختلفة أسهمت في استكشافه وإنتاجه، على أن تُسدد الكلفة المالية من صادر الإنتاج، ولذلك لم يُعول كثيراً على مداخيل البترول في التنمية، واستصحابه في زيادة الإنتاج من خلال دعم المؤسسات الإنتاجية الموجودة، بينما يرى بعض الخبراء أن ما أورده بعض الحقيقة، والبعض الآخر أن هنالك مبالغ دخلت خزانة حكومة السودان بما يقارب 70 مليار دولار من تاريخ الإنتاج في أغسطس 1999 إلى انفصال الجنوب في يوليو 2011، كان يمكن أن يستفاد منها في دعم المشروعات القومية، كمشروع الجزيرة والرهد وحلفا الجديدة، ومشروعات صناعة السكر وغيرها. أخلصُ إلى أن صحيفة "التغيير" كانت حريصةً طوال هذه المحاضرة لمعرفة المعالجات المقترحة، والحلول المتوقعة عبر هذه المحاضرة القيمة، فسألت عن ذلك، فأجابها الأخ عبد الرحيم حمدي مشكوراً قائلاً: إن الحل والمعالجات تكمن في تنفيذ هذه المعالجات بالسرعة المطلوبة، لرفع الرهق المالي والاقتصادي عن كاهل المواطن. بدءاً طالب بضرورة تحرير قطاع الاقتصاد الخارجي بترقية وتعزيز سعر الصرف، حتى تتمكن الدولة من تشجيع التحويلات الخارجية، وهي أكبر تحدٍّ يواجهه اقتصاد البلاد. وطالب بضرورة العمل على زيادة الإنتاج. ودعا إلى عدم رفع الدعم عن السلع الضرورية، ما عدا البنزين، وتحديد أسعار السلع وليس مراقبتها، والاستدانة من الجمهور بدلاً من الديون الخارجية. وأكد أن من أهم العوامل لنجاح سياسة التحرير الاقتصادي نأي الحكومة عن القطاع الخدمي ودعم القطاعات الإنتاجية، ومن المهم أيضاً خروج الحكومة من القطاعات الاقتصادية، وتشجيع القطاع الخاص للدخول بديلاً لها في هذه القطاعات، وأنه من المهم العمل الجاد لمكافحة الفساد وإرساء تشريعات وقوانين لحماية المستهلك. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ". وقول الشاعر أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ: وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ