[email protected] mailto:[email protected] الثقافة هي مجموعة من الأفكار والقيم لمجتمع معين؛ وهي تشمل العادات والممارسات وسبل كسب العيش، والمظهر من ملابس ومسكن وقواعد السلوك والمعتقدات والتاريخ واللغة والدين والأدب والفنون والموسيقى. وبهذا المفهوم، فإن الثقافة تعد مكوّناً أصيلاً من مكونات وجدان المجتمع سيما وأنها الوعاء الذي يحمل القيم في قوالب وأنماط مختلفة كالشعر والموسيقى، فلا غرو إذاً أن تشمل وثيقة نفير نهضة شمال كردفان فقرات تتعلق بالثقافة والفنون والرياضة والإعلام. وقد جاء في مقدمة وثيقة النهضة أن ولاية شمال ولاية متفردة من حيث الموقع الجغرافي والتمازج العرقي والثقافي؛ وهذا يكفي لإنتاج ثقافي من شأنه أن يسهم بقدر كبير في نهضة الولاية وتعميق منظومة القيم التي يراد لها أن تشيع بين الناس. وكلنا يعلم أن هذه الولاية تذخر بتراث أصيل يعد أحد أهم عوامل تماسك النسيج الاجتماعي لهذه المنطقة التي عرف عن أهلها التسامح والتواصل بغض النظر عن القبيلة أو العرق. وبما أن شعراءنا ومبدعينا قد قدموا هذه القيم في أبهى صورها، فإن من واجبنا تعزيزها حتى تأتي نهضة شمال كردفان متكاملة من كافة الجوانب المادية والمعنوية؛ لأن الثقافة تعد من أهم العوامل الأساسية التي تحقق التنمية المستدامة؛ إذ لم تعد التنمية الاقتصادية هي التنمية الوحيدة التي تشبع رغبات الإنسان العقلية، والأدبية والفنية، والروحانية والنفسية. وهذا ما توفره الثقافة للإنسان، باعتبارها أنشطة غير مادية قائمة على الإبداع والفن والدين والفكر والعادات والتقاليد والأعراف؛ وبالتالي، فهي أس التنمية البشرية المستدامة إلى جانب الأبعاد الأخرى، مثل البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، فإن من الضرورة بمكان أن يولي نفير نهضة شمال كردفان قدراً من الاهتمام بمواعين الثقافة بإحياء ما كان قائماً منها مثل فرقة فنون كردفان ومسرح عروس الرمال ومتحف شيكان وتطوير هذه الأجهزة ورفدها بكفاءات بشرية مختصة مع توفير كافة المستلزمات الحديثة حتى تضطلع بدورها بكل إيجابية وفعالية في هذا النفير القاصد. وثمة أمر آخر يمكن إسناده إلى الجهات العلمية في الولاية وأعني تحديداً البحث عن الآثار التاريخية في هذه الولاية خاصة في الأجزاء الشمالية الغربية حيث قامت حضارات عظيمة ثم بادت ولم تلتفت إليها الجهات المعنية بالقدر المطلوب حتى الآن؛ هذا مع جمع تراثنا الأدبي والفني الذي لا يزال محفوظاً في صدور الرواة ولم يجد طريقه إلى التدوين والتسجيل في الوقت الذي دونت فيه كثير من مناطق السودان تراثها وسجلته؛ وهذا يقتضي نفض الغبار عن كثير من المخطوطات الكردفانية التي لا تزال حبيسة في أضابير مكتبة المديرية والمراكز أو في دار الوثائق المركزية بالخرطوم؛ وجمع كل المقتنيات الأثرية في متحف شيكان، حتى تكتمل أركان التنمية مادياً ومعنوياً، ويا ليت أن القائمين على أمر النفير ينفذون ما ورد في وثيقة النهضة من وعود تتعلق بالثقافة مثل تعزيز البث الإذاعي وتقويته وتوفير المادة ذات المحتوى الجاذب والمفيد لربط إنسان الولاية بما يدور حوله من أحداث. وبهذه المناسبة هل يمكن أن يقام مهرجان لتراث شمال كردفان تتولاه وتنظمه إدارة الثقافة بالولاية بالتنسيق مع التلفزيون الولائي والإذاعة وبعض الجهات الأخرى ذات الصلة بهذا الشأن؟ وما هو دور جامعة كردفان في هذا الصدد، أليس من الممكن أن تكلف بعض طلابها بإجراء بحوث علمية في مجال التراث خاصة دارسي اللغة العربية والآداب، بمساعدة ودعم من حكومة الولاية سعياً لإبراز الكنوز الفنية والأدبية التي تذخر بها شمال كردفان نظراً لتفردها الجغرافي والعرقي الذي أشارت إليه وثيقة النهضة. وفيما يتعلق بالسياحة فإن شمال كردفان تتمتع بمقومات سياحية كبيرة إلا أنها لم تستغل ولم تسوق حتى الآن وهي تشمل مناطق عدة في وسط الولاية وأقصى شمالها خاصة في موسم الخريف إذ يمكن أن تكون هنالك سياحة موسمية تدر دخلاً مقدراً إذا توفرت لها بعض المعطيات الضرورية مثل البنيات التحتية المتواضعة التي ترتبط بالبيئة المحلية مثل إنشاء وحدات سكنية تتناسب مع ظروف كل منطقة مع توفير ضرورات الحياة العصرية التي يقتضيها مثل هذا النشاط؛ ولتحقيق ذلك يمكن أن تقوم مؤسسات أو شراكات ترعاها الجهات الرسمية وتتولى إدارتها جهات مختصة في مجال السياحة والخدمات الفندقية بحيث توفر لمرتاديها من الداخل والخارج كل سبل الراحة والأمن واضعين في الاعتبار أن شمال كردفان هي الولاية الأكثر استقراراً وأمناً مقارنة مع كثير من ولايات السودان. علاوة على هذا فإن إنسان شمال كردفان نفسه وبموجب ثقافته يرحب بكل قادم إليه وهذا في حد ذاته يعطي مؤشراً إيجابياً يمكن أن يخدم السياحة ويشجعها. على أية حال، إن الثقافة تعد ركناً أساسياً لأي عملية تنموية ولذلك فإن من يتحدث عن نهضة بدون إعطاء الثقافة حقها من العناية والاهتمام، يكون كمن يحرث في البحر أو كمن يحاول أن يبسط كفيه للماء ليبلغ فاه!