لعيد الاضحى المبارك، عيد الفداء، معان كبيرة ومضامين وقيم عظيمة، تتجلى فيها عظمة الايمان وقوته والتسليم لله الواحد الأحد والطاعة العمياء له ولما أمر به العباد مما فيه صالحهم ومصالحهم. وعلى الناس ان يتدبروا ويعوا تلك المعاني والقيم التي تتجلى في قصة سيدنا ابراهيم، عليه السلام مع ربه من جهة ومع ابنه من جهة أخرى. أين نحن من تلك المفاهيم، قد أفرغنا المناسبة من محتواها ومعناها السامي فصارت مجرد (ذبيحة) نتباهي بها اجتماعيا وبدلنا العبادة بالعادة، فأصبحت تقليدا و(كشخرة) ومفخرة، هذا جلب (خروفا) كبيرا وذاك أكبر منه، وذاك لم يستطع فاستدان ثمن الخروف حتى يتجنب (غضب) أم العيال. صحيح ان الظروف قاسية، ولكن ينبغي الا تدعنا نفرط في تلك الدروس والعبر المستفادة من قصة الفداء والأضحية. وعلى الذين لا يستطيعون ان يضحوا بالدم أن يتذكروا ان المصطفى قد ذبح عنهم بالوكالة، فلا يحزنوا، بل عليهم أن يبشروا بالخير ويحمدوا الله على انسانية رسولهم الكريم الذي قد احس بآلامهم وأوجاعهم وليكن ايمانهم قوي ويدعون ربهم أن يزيل عنهم الهم والغم ويفرج كربهم ولا يأتي العيد القادم الا وهم احسن حالا وأوفر مالا وأعظم شأنا وأقدر على ما لم يقدروا عليه بسبب ضيق ذات اليد. ومن هدي المصطفى اشراك الفقراء الذين لا يقدرون على الأضحية وذلك بتوزيع ثلث لحوم الأضحية عليهم، فالغرض تقوى الله، (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم). وهذا ينسجم مع القيم السودانية الأصيلة التي تحض على التراحم والتعاون والتألف بين كافة شرائح المجتمع، ففي الماضي كانت الظروف مواتية للعديد من المواطنين، وكان ثمن الخروف لا يشكل (عائقا) ومتاحا، هل تعلمون أن راتب العامل كان يمكن ان يشتري ما لا يقل عن ثمانية (خرفان)، اذ كان ثمن الخروف الواحد لا يتعدى مائة وخمسين قرشا (يعني جنيه ونصف، وهو ثمن بيضة دجاجة واحدة اليوم !!!!!!!!)، نعم حديث خرافة ولن يقبل به عقل أي شخص اليوم ومن حقه أن يحكم على من يقول ذلك بالجنون و (الهبل)....... والعيد كمناسبة اجتماعية ايضا قد افرغ من محتواه التي كانت سائدة في ذلك الزمان (أيام زمان)، واختفت تلك الصورة الاجتماعية المصاحبة للاحتفال بالأعياد، وقد لا يحس الشخص بذلك الاحساس الذي تعودنا عليه ونحن صغار وتعالوا نطلع على فقرة مما كتبت سابقا تصف تلك المناسبة، كيف يحتفل بها اجتماعيا: ((وعقب الصلاة يبدأ المصلون في تبادل تهاني العيد، وتجد نفسك أمام حشد كبير من الناس ويلتقي الأصحاب والاصدقاء وتكون صلاة العيد بمثابة مؤتمر كبير يهرع له كافة أهل الحي ويعود من كان منهم مسافرا لطلب الرزق أو العلم في الخرطوم أو في أي من أقاليم السودان المختلفة، وكانت فرصة يجتمع فيها شمل العائلات والأسر، فيعود الخال أو العم الغائب منذ أمد بعيد ويعود الطلاب الذين اضطرتهم ظروفهم للدراسة خارج نطاق المدينة التي تسكن فيها أسرهم وذويهم، وربما قابلت غائبا لسنوات في صلاة العيد أو خلال أيام العيد. ومن المصلى تنطلق مجموعة من المادحين وهم ينشدون المدائح النبوية.... صلاة الله مولانا على طه الذي جانا.....صلوا على صلوا على ... بحر الصفا المصطفي .... صلوا على ... وآله وصحبه للوفاء..... ومجموعة أخرى تضرب النوبة وتردد الأناشيد وتمتزج أصواتهم بأصوات الأطفال ومزاميرهم وصيحات الفرح ويزفون مجموعة المادحين الى حيث موقع (الخلوة) حيث يجتمع الناس هناك لتناول طعام الافطار المكون من العصيدة وملاح التقلية أو الروب والقراصة وغيرها، وعادة ما تخرج الأسر المجاورة للخلوة صواني الفطور الذي عادة ما يكون كافيا لتلك المجموعة التي التقت في الخلوة. )). وعلى كل المواطنين في الأحياء مراعاة عملية المحافظة على سلامة وصحة البيئة وذلك بدفن كل المخلفات الناجمة عن الذبائح للقضاء على فرصة توالد الذباب والآفات الضارة التي قد تصاحب أو التي قد تجد مرتعا لها في تلك المخلفات، حتى نتجنب حدوث كوارث صحية قد تتمثل في النزلات المعوية، وحالات (الاسهال). بالاضافة الى العناية بالجلود التي تمثل ثروة قومية (مهدرة)، ويجب الاسراع بتسليمها الى النقاط التي تحددها المحليات واللجان الشعبية المختصة، حتى تتم الاستفادة الكاملة من تلك الجلود ومعالجتها بالشكل المطلوب. وهناك تصرف واجراء غير صحي يمارس في السودان بكل عفوية وهو مرتبط بعملية الذبيح، ويتعلق باعداد (المرارة) وهو أن يقوم الجزار بنفخ الرئتين (الفشفاش) بهواء الفم العادي، هذا الاجراء غير صحي وله مخاطر عدة اذا كان من يقوم بعملية النفخ يحمل مرضا معديا أو حتى وان كان سليما صحيحا لأنه ينفث (الجراثيم) و (البكتريا) الضارة التي قد تكون موجودة في ذلك الهواء (المنفوخ) داخل الفشفاش. وهناك مخاطر ايضا من تناول (المرارة)، اذ أنها تعتبر من فئة اللحوم النيئة التي قد تسبب بعض المتاعب الصحية للمواطنين. وهناك ظاهرة تناول (الشربوت) وأهمس للقارئ الكريم أنه (شر) يعتقد البعض انه لا بد منه في عيد الأضحى ويساعد على هضم اللحوم، ولكن ينبغي ألا يكون متخمرا أو أن طعمه لا يكون لاذعا حتى لا يدخل في حكم الخمر (أم الكبائر). وقبل ان اختم كلمتي اود أن أشير الى قيمة كبيرة جدا هي قيمة العفو التي يجب ان تسود في هذه المناسبة السعيدة حيث ينبغي على كل الأطراف المتخاصمة ولا سيما بين الأقارب والأرحام أو الأصدقاء ان ينتهزوا هذه الفرصة ويمدوا يد العفو لكي يمسحوا كل ضغينة ويتجاوزوا الأحزان والاختلافات، والعفو فضيلة ودرجة كبيرة من الاحسان، فليكن يوم العيد يوم التسامح الأكبر وفتح صفحات جديدة تسود فيها الالفة والمحبة والتأخي والتواصل والتوادد والتراحم. وفي ختام كلمتي هذه ازف التهنئة الحارة للقارئ العزيز، أينما وجد، والمواطنين الكرام بحلول عيد الأضحى المبارك سائلا المولى العزيز القدير ان يعيده علينا وعليكم وعلى الأمة الاسلامية باليمن والخير والسعادة وعلى السودان بالرخاء والاستقرار والسلام والأمن الدائم. و أتقدم بخالص وأحر التمنيات القلبية لصحيفة سودانايل بكامل طاقمها الصحفي والاداري والفني متمنيا لها دوام الرفعة والتطور والنماء والتوفيق في أداء رسالتها القومية الشاملة، وكل عام وانتم بخير. وبالله التوفيق.