يقول وزير المالية السوداني أن الولاياتالمتحدةالأمريكية فشلت في اسقاط النظام في الخرطوم عن طريق العقوبات الإقتصادية بيد أنه يقول في نفس الوقت أن هذه العقوبات مدمرة للقطاع الاقتصادي والمصرفي بالبلاد.. وببساطة يعني أن موقف العلاقات بين البلدين يسوده الجمود الكامل والخاسر هو المواطن السوداني الذي بلغ حدا بعيدا من شظف العيش والفقر المدقع.. آخر الاحصاءات المفزعة تقول أن أكثر من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية. المعضلة هي أنه لا الحكومة الأمريكية حسمت أمرها بشأن النظام، ولا النظام يهمه تدمير اقتصاد البلاد. سياسة العصا والجزرة التي أعلنت عنها واشنطن من قبل لم تنجح في ترويض نظام الخرطوم كما أن واشنطن لا يهمها مواطن العالم الثالث بقدر ما يهمها تنفيذ استراتيجياتها الخارجية التي تجعلها تغض الطرف عن ممارسات الأنظمة المستبدة، فإن تركنا جانبا عدم شرعية اسقاط الأنظمة الديكتاتورية تحت أي مسوغ عبر وسيط خارجي؛ فإننا نجد أن واشنطن تمكنت من تنفيذ استراتيجيتها تجاه السودان وحصلت على مساعدة قيمة غير مدفوعة الثمن من نظام الخرطوم حين وافق على فصل جنوب البلاد.. جون كيري وزير الخارجية الأمريكي له قصة ذات دلالة وعبرة مع الخرطوم عندما كان رئيسا لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي في العام 2011 عام الانفصال؛ فالشهور التي سبقت الاستفتاء على الانفصال شهدت زيارات مكوكية للرجل للخرطوم وحين ذاك أسرف في الاطراء على مواقف الحكومة السودانية.. كانت مهمة كيري تخدير الخرطوم بوعود التطبيع ورفع العقوبات حتى يمر الاستفتاء بسلام وتصمت الخرطوم.. لقد كان مدهشا حقا أشادة كيري بحكمة الرئيس عمر البشير ملوّحاً برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ومن ثمّ رفع العقوبات الاقتصادية عن كاهله.. عندما كان المشفقون يتحدثون عن ضمانات لاستفتاء حُر ونزيه تقوم قيامة واشنطن وتتهم من يطالب بذلك بعرقلة الاستفتاء والتنصل منه.. ذلك الجو الارهابي كان أحد أهم أدوات تزوير الاستفتاء الذي نتج عنه الانفصال جنوب السودان. إن التدهور الاقتصادي المريع تسبب في نزيف غزير للكوادر السودانية في سائر التخصصات وتشير الاحصاءات الرسمية إلى أرقام مخيفة خلال الأعوام القليلة التي أعقبت الانفصال أما غير الرسمية فحدث ولا حرج، مما دعا بعض المسؤولين السودانيين إلى تقديم مقترح بتقييد هجرة الاطباء للخارج بأمنية مالية كبيرة.. لكن السؤال الملح هو: من يقيد ذمة المسؤولين الفاسدين ناهبوا أموال الشعب؟.. وبلغ الفساد درجة لأن يتبادل المسؤوليين الحكوميين الاتهامات علنا؛ فقد أثار تقرير المراجع العام الأخير عن أرقام الفساد حفيظة وزير المالية متهما المراجع العام بالتناقض، وعندما يتبادل المسؤولون الحكوميون الاتهامات علنا يعني أن خللاً كبيراً قد أصاب مفاصل السلطة. ومن مؤشرات التدهور الخطيرة تحوّل السودان من دولة مصدرة للنفط الى دولة مستوردة، ويؤكد وزير النفط النقص في المواد البترولية والاتجاه لتكملته بالاستيراد. صحيح أن الجنوب ذهب بأكثر من (70%) من عائدات النفط، لكن الحكومة السودانية ظلت تكابر في غمرة البحث عن مبررات لتفريطها في الجنوب وتقول أن البلاد في الشمال بها مخزون نفطي كبير سيعوض ما ذهب أدراج الانفصال.. في مارس الماضي قال مسؤول بشركة سكر كنانة وهي شراكة حكومية مع مستثمرين عرب أن البلاد في حالة إغراق من سلعة السكر وليت الإغراق كان بسبب وفرة الانتاج المحلي، بل كان بسبب استيراد كميات كبيرة تفوق حاجة البلاد.. ملايين الدولارات تحولت لشراء واستيراد سلعة متوفرة أصل في البلاد بينما نعاني من شح في الأدوية المنقذة للحياة بل شح خطير في كثير من الضروريات الأخرى بسبب شح عملة الدولار، ويعترف ذات المسؤول بأن: "عدم وجود سياسات واضحة بشأن صناعة السكر أضر بعمليات توزيع الانتاج المحلي. والاخفاقات الاقتصادية شهد بها وزير مالية أسبق، حين ذكر في كتاب أصدره قبل عامين بعنوان "منهجية الاصلاح الاقتصادي في السودان"، منتقدا ما سُمّي بمسيرة الاصلاح الاقتصادي في البلاد، وقال أن السودان اضاع على سبيل المثال فرصة القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في الكويت في العام 2008م، لأنه لم يقم بأعداد وتقديم مشروعات للغذاء العربي مما أفقد البلاد فرصة الحصول على الموارد المالية لتنفيذ مشروعات النهضة الزراعية التي يقعد بها نقص الرساميل اللازمة في حين أن القمة خُصصت لمواجهة أزمة الغذاء في الوطن العربي، وبالطبع هذا اهمال فاضح لا تسأل عنه العقوبات الأمريكية. حين لا نعفي واشنطن من تدهور الاقتصاد السوداني لا يعني أننا نعفي الحكومة بل نحملها مسؤولية كبيرة تجاه الوطن الذي أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى بالزوال والتشظي.. نعم لقد حرمت العقوبات البلاد من الاستفادة من التطور التكنلوجي في كل المجالات الضرورية لصيانة الاقتصاد من كابوس الانهيار الشامل فضلا عن أن هذه العقوبات الموجهة ضد المواطن الضعيف أكثر من كونها موجهة لاسقاط النظام البلاد من تلقي المساعدات والقروض سواء من الولاياتالمتحدة أو من الدول الأوروبية ومؤسسات الأممالمتحدة. الخبراء يؤكدون أن المقاطعة أدت وتؤدي إلى كثير من العسر في التعاملات الاقتصادية الخارجية في التجارة والتحويلات المالية وكافة أشكال التعاملات المصرفية العالمية، الأمر الذي انعكس في نقص كبير في متطلبات مشروعات البنية التحتية. يذكر أن هذه العقوبات المشؤومة مرت عليها (17) عاما حين طبقت في العام 1997 بعد قرارات أمريكية بالمقاطعة الاقتصادية للسودان وتحجيم جل وسائل التعامل الاقتصادي الذي شمل دولا كثيرة تبعا لواشنطن. [email protected] mailto:[email protected]