عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يتحدث مو ابراهيم عن السودان .. بقلم: خالد موسي دفع الله
نشر في سودانيل يوم 31 - 01 - 2015

بدا الصحفي الراحل عمر محمد الحاج بن مدني الساخر كتابة اليوميات منجمة علي ايام الأسبوع تحت عنوان ( ايام الله السبعة) في عقد الثمانينات من القرن الماضي، ومن ثم تبعه باحسان الأستاذان مصطفي البطل وكمال الجزولي الذي اختار الوصف الفارسي ليومياته الأسبوعية ( الروزنامة). وهانذا اتبع مسار من سبقوني في هذا المضمار اذ يقتضي تنجيم الحادثات، ان اعجم عود الأيام لتستطيب بمراجعات في التاريخ، والاوراق والكتب ، فخرجت إلينا هذا الأسبوع اسماء في فضاء الفكر والأدب والاقتصاد والمجتمع.
الأحد : ما بين عبدالله الطيب وإحسان عباس غادر الدكتور احسان عباس السودان مكرها في خواتيم عقد الخمسينات من القرن الماضي بعد ان قضي عشر سنوات في جامعة الخرطوم وقد اثري مع الدكتور محمد النويهي ريس قسم اللغة العربية الحياة الثقافية في السودان وحبرا عددا من الدراسات والكتب عن الشعر والأدب السوداني ، واعدهما مع الدكتور عبدالمجيد عابدين من أفضل من ابرزوا خصائص السودان الأدبية والاجتماعية في خارطة الثقافة العربية المعاصرة.
في كتابه (غربة الراعي) الذي حوّي سيرته الذاتية وصف الدكتور احسان عباس السودانيين بأنبل الخصال والمناقب والصفات من كرم وصدق وشهامة ، وقد احتفي بكتابه هذا عدد من المثقفين السودانيين و لعل اول من كتب عنه واستعرضه في الصحف السيارة هو الدكتور الصادق الفقيه ، ولكن في ظني تغافل بعض هؤلاء عن التعرض لأسباب مغادرته للسودان التي حملها للهرم العلمي الكبير البروفيسور عبدالله الطيب الذي خلف النويهي في رئاسة القسم بعد السودنة.ورفض احسان عباس نصيحة صديقه جمال محمد احمد بحمل الجنسية السودانية للاستمرار في التدريس بجامعة الخرطوم ، وعندما حان اوان تجديد العقد لخمس سنوات قادمة رفض البروفيسور عبدالله الطيب ذلك مخالفا رأي مدير الجامعة حينها نصر الحاج علي مما اضطره لمغادرة السودان. وقال احسان عباس ان السبب الحقيقي لذلك هو ان كاتب لبناني يدعي احمد ابو سعد كان يصدر مختارات عن الأدب العربي متسلسلا عن كل قطر عربي ، وعندما عرض نماذج من الشعر السوداني كتب عن عبدالله الطيب انه شاعر وأديب يهجو أهله ووطنه وذلك لا يليق بعباد الله الطيبين. وعندما سال البروفيسور عبد الله الطيب زميله احسان عباس ان كان قد اطلع علي الكتاب أعاره نسخته التي أهداها اليه المصنف فوقر في نفسه وظنه انه من أوحي للمؤلف بذلك. وقال احسان عباس أنهما تصادقا بعد ان استقر به المقام في بيروت بعد ذلك. وفي ذلك اتهام غليظ وتدليس فاجع اذ لم يثبت مطلقا ان شعر عبدالله الطيب قد تضمن هجاءا لأهل السودان بل مدحا واحتفاءا . ولعل أفضل من يعلق علي هذه الوقائع ويدلي بشهادته ليس من باب المعاصرة بل التلمذة هما البروفيسور الحبر يوسف نورالدايم والبروفيسور جعفر ميرغني.
الاثنين: المزروعي : الفكر لا يسافر علي الدرجة السياحية حملت دعوة جامعة افريقيا العالمية للبروفيسور الراحل علي مزروعي بنيويورك في النصف الثاني من العشرية الماضية لتشريف الموتمر العالمي للجامعات الافريقية، فجاءني صوته عميقا هاديا عبر الهاتف، مرحبا بالدعوة وقائلا لعله من المناسب ان أزور السودان في هذه الفترة بعد ان استطال الزمان من اخر زيارة للخرطوم، و كان مقصده كما قال لي كذلك هو الوقوف علي التطورات السياسية والاجتماعية بعد توقيع اتفاقية السلام والشامل لا سيما وهو صاحب الرأي المشهور بهامشية السودان المزدوجة وان الاستعمار ركز علي بناء البرامج المادية الصلبة مثل المؤسسات الاقتصادية في شمال السودان كمشروع الجزيرة و عول علي البرامج الثقافية الناعمة في جنوب السودان مثل اللغة الانجليزية ونشر الدين المسيحي والثقافة العلمانية. عندما وصلت ترتيبات التذكرة من السودان رفض المزروعي الاستجابة للدعوة بعد ان وافق عليها، وبعد إلحاح علمت من سكرتيرته بالمكتب ان المزروعي لا يسافر علي الدرجة السياحية، فأحسست حينها بالحرج لسوء الترتيب والتقدير من المنظمين بالسودان. فتدخل البروفيسور حسن مكي مدير الجامعة حينها و استدرك الامر وجاء المزروعي متاخرا بعض الشيء محمولا علي الدرجة الأولي. ولعل هذا ديدن الكبار من الشعراء والمفكرين، فكان الشاعر الراحل نزار قباني لا يستجيب لدعوة لا بتذكرة علي الدرجة الأولي.
الثلاثاء: هارد توك في آلبي بي سي مع فوكوياما و علاء الأسواني اجرى برنامج هارد توك الشهير بقناة آلبي بي سي الانجليزية مقابلتين في خواتيم السنة الماضية مع المفكر العالمي فرانسيس فوكوياما حول كتابه الجديد عن النظام السياسي وتاكل المؤسسات السياسية منذ الثورة الصناعية وحتي عولمة الديمقراطية، وحلقة اخري مع الروائي المصري الدكتور علاء الدين الأسواني صاحب الرواية الشهيرة (عمارة يعقوبيان) عن آرائه السياسية المنشورة حول مالات الثورة المصرية. ولعل الفارق لا يكمن في المقارنة بين شخصية المفكر التي يمثلها فوكوياما وبين شخصية الكاتب السياسي والروائي لعلاء الأسواني ولكن المفارقة الحقيقية هي بين المثقف العربي والمثقف الغربي رغم التباين النوعي والفارق الفكري الهائل بينهما. اجاب فوكوياما بكل صدق ناقدا مقولته السابقة عن نهاية التاريخ، مشيرا الي ان الأحداث متفاعلة ومتغيرة ولكن الفكر الليبرالي مستمر ومتقدم، وفي كتابه الجديد سلط الضوء علي وظيفة الديمقراطية في تقديم الخدمات للشعوب مشيرا الي النموذج الصيني الذي قدم دولة صناعية كبري من خارج سياق تجربة الديمقراطية الليبرالية. وعندما تحدث الأسواني واجهه مقدم البرنامج كاشفا عن تناقضه وتعارض مواقفه من داعم للمسيرة الديمقراطية ومعارض لتدخل العسكر متحولا في موقفه الي مشارك ومساند لحكومة الريس السيسي، وكان يمكن ان يلتزم الحجة في الدفاع عن مواقفه ولكنه تدفق مدافعا عن آرائه بطريقة فجة ودوغمائية وتهريجية ، كأنه يتحدث في برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة. و بين هذين النموذجين يكتشف المراقب الحاذق ان المثقف العربي يمثل آس التخلف في تقبل النقد وإجراء مقاربات واعية وإدارة حوار موضوعي عقلاني ، لان احساسه الشخصاني المتضخم بنفسه وعقدة الانتصار للذات تعلو علي حرصه للانتصار للحقيقة والموقف والتاريخ. انها أزمة النخب وتيه الجماهير. فقد ارتضي فوكاياما ان يصحح نفسه مرتين الأولي عندما اعتذر عن مساندته لتيار وسياسات المحافظين الجدد والثانية عندما أعاد تفسير مقولته عن نهاية التاريخ ، اما الأسواني فانه ينكر مواقفه السابقة ويغالط سجل كتاباته الموثقة ويتحايل ويتلون، وأظهر كيف يكون المثقف العربي صادقا مع نفسه.
الاربعاء: عندما يتحدث مو ابراهيم
خصصت الدورية الامريكية ذائعة الصيت (الشئون الخارجية) عددها الأخير الصادر هذا الشهر لموضوع مبادرات ومشروعات الاعمال الناجحة في العالم، وكيف ان اكبر الشركات بدأت بافكار مبتكرة و ابداعية صغيرة و لكنها بالمثابرة والتطوير صارت من اكبر المشروعات والعلامات التجارية في العالم، وكيف ان مثل هذه المبادرات والمشروعات هي التي تحفز علي الابتكارات العلمية والمخترعات الحديثة مما يعني مزيدا من النمو الاقتصادي.اجرت المجلة مقابلات مع ستة مديري شركات عالمية منهم جيف بيزوس مؤسس شركة (أمازون) ، وتحت عنوان نداء افريقيا اجرت المجلة حوارا مع رجل الاعمال السوداني البريطاني مو ابراهيم عن تجربته في دنيا المال والأعمال وسر نجاح استثماراته وهو القادم من عمق السودان ومجاهل افريقيا. قال مو ابراهيم انه درس هندسة الكهرباء في الاسكندرية وعاد ليعمل في السودان في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية. لقد خرج مو ابراهيم وعمره 25 عاما الي بريطانيا لدراسة الاتصالات المتنقلة بجامعة برادفورد لدرجة الماجستير ومن ثم اكمل للدكتوراة في جامعة بيرمينغهام. وقال ان الشطارة وحدها غير كافية اذا لم يتوفر المناخ المناسب والفرص، مؤكدا انه لو عاد الي السودان لانتهي به المقام الي موظف في شركة اتصالات ومنزل مليء بالاطفال ومشغوليات لا تنقطع لأداء الواجبات الاجتماعية.استقال مو ابراهيم من شركة الاتصالات البريطانية عندما عجزت عن قراءة مستقبل عمل الاتصالات وانشا شركته الخاصة، وباعها لينشئ شركة سل تل في افريقيا التي وفرت خدماتها ل 24 مليون شخص ينتشرون في 14 دولة أفريقية. وفي عام 2005 أسس موسسة مو ابراهيم للحكم الرشيد في افريقيا. وعن معوقات النجاح اذا اختار البقاء في السودان قال ان المجتمع السوداني متكلس وجامد وخانق وان الحكومة تسيطر علي كل شيء ، مع انعدام التمويل والبنيات التحتية.كما ان الضغوط الاجتماعية خانقة وتدفعك للرضي بوظيفة حكومية ومن ثم الإنجاب والعيال وهكذا تنتهي دورة الحياة. و يبدو مو في حديثه متصالحا مع مقولة الطيب صالح من قبل ان السودان ليس بحاجة الي كتاب وشعراء وأدباء، بل يحتاج الي مهندسين وأطباء وعلماء للبناء والعمران، و قال عن نفسه انه نجح دون ان تكون له خلفية اقتصادية او ادارية لانه اعتمد علي الحس السليم والمنطق العقلاني، وهو الان يقدم عشرات المحاضرات في اعرق جامعات العالم عن كيف تدير موسسة اقتصادية ناجحة. لم يكتف مو بنقد طبيعة وتركيبة المجتمع السوداني التي يراها معوقة للنجاح والابتكار بل انتقد ايضا المؤسسة السياسية ووصمها بذات الفشل الذي تعاني منه الدول الافريقية الآخري.
الخميس: التوحيد و مستقبل الحضارة كتاب جديد يعترف الاستاذ محمد الحسن عبدالكريم صالح انه أنفق من عمره أربعين عاما في هندسة الاتصالات، حيث اشرف وشارك في إنفاذ العديد من مشروعات بنية الاتصالات الحديثة بالسودان ولكن يخالجه شعور بالتقصير لانه ادخر شبابه للعمل المهني وليس تحصيل العلوم الشرعية و تاخر في تسخير مواهبه وقدراته العقلية المشهودة وثقافته الموسوعية في اعادة الحيوية لمناهج الدعوة والاسهام الفكري في بناء مرتكزات المواجهة الحضارية القائمة. بعد مراجعات وتأملات عميقة اخرج المهندس محمد الحسن عبدالكريم باكورة إنتاجه الفكري الاول وهو كتاب (مفهوم التوحيد ومستقبل الحضارة:تجديد منهج الدعوة الي الاسلام) يحتوي الكتاب علي مقدمة وثمانية فصول وخاتمة. وقال ان دافعه لتأليف الكتاب هو تدهور حال المسلمين خاصة العرب منهم وتأخرهم عن الركب الحضاري. وهو في طور صياغة سواله التأسيسي يتنبه الي المساهمات الفكرية السابقة التي طغي علي بعضها الجمود الفكري والتجريد الأكاديمي والحظ الذاتي. وهو أشبه في تكييف أسئلته التأسيسية الي المودودي وهو يقول ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وهو اقرب كذلك الي سيد قطب في المواجهة الحضارية بيد انه لا يجنح الي تصنيف العالم الي عصر جاهلي وآخر إسلامي ولا يتعمد بناء قطيعة حضارية. وهو بذلك لا يخالف فرضية هنتجتون الاساسية حول حتمية الصراع الحضاري و لكنه شديد القناعة باشتعال المواجهة الحضارية بين المحور اليهودي الأنجلوساكسوني من جانب والحضارة الاسلامية من جانب اخر ولكنها حسب قوله ليست مواجهة اقتصادية عسكرية ولكنها حضارية فكرية. وفي فصول الكتاب المتتابعة يركز علي انه لا تعارض بين الفطرة السليمة والعقل والإسلام ما دام لا يلغي او يتعارض مع مفهوم الإيمان بالغيب.ويتناول الدور اليهودي الصهيوني وكذلك ملامح الفكر الغربي السائد وكذلك تيارات الفكر في العالم الاسلامي. وفي هذين الفصلين تتبدي موسوعية ثقافة المؤلف بعمق التحليل وكثافة الاستشهادات ، خاصة وهو يتتبع مقولات المنصفين من مفكري وعلماء الغرب عن الاسلام، ويكشف في مقاربته عن أساس فلسفي قوي خاصة في نقد عملية التنوير والنقد العقلي للتراث المسيحي، ولكن في ذات الوقت يشن نقدا قاسيا وشرسا علي مدرسة الإصلاح والتجديد التي حاولت اعلاء شان العقل بقيادة الافغاني الذي اتهمه بالماسونية ومحمد عبده الذي رماه بالتشكيك في بعض مسلمات الغيب، وقال ان مدرسة التنوير والحداثة الفرنسية هي من بعض داء الاستضعاف والتدهور في الفكر الاسلامي، كما انتقد ايضا ما سماه بالنزعة الغنوصية والتصوف في تيارات الفكر الاسلامي السائد و لكنه في ذات الوقت تعمد أنصاف الامام الغزالي. يعارض المؤلف ايضا منهج التجديد وقال لا بد من استيعاب منهج السلف لا تجديده حتي لا تنهدم الأصول، واشاد بتيارات التصدي للحضارة الغربية في العالم الاسلامي. وفي صياغة أطروحته المقابلة للمجابهة الحضارية يعول المؤلف علي أهمية الفنون وملامح التحول الحضاري ، ويعدد محاور الصراع مع الحضارة الغربية باعتبارها معركة بين الإلحاد والإيمان مؤكدا علي مركزية التوحيد والإيمان بالغيب.
رغم أهمية موضوع الكتاب ونبل مقصد مؤلفه وعمق معرفته وموسوعية ثقافته ومثابرته في التأليف والتصنيف وحشد الاستشهادات الا ان رسالة الكتاب الكلية تكرس لمبدأ المواجهة الحضارية مع الغرب وضرورة الاستعداد للمعركة الفاصلة، وهو قد حدد طبيعة المعركة وهي حسب وصفه فكرية حضارية وليست عسكرية اقتصادية مادية، ويري ان التوحيد هو المرتكز الاول لهذه المواجهة ضد ما اسماه الإلحاد. ولكن الباحث المدقق يكتشف ان تمظهرات الصراع مادية وليست تجريدية اي انها تتبدي في التمظهرات المادية للحضارة الغربية ، ولا يمكن الفصل بين ما هو مادي وثقافي. وحسب قانون بن خلدون فان الافتتان بثقافة الغرب وتقليد عوائده وممارساته تعود لطغيان ثقافة الغالب علي المغلوب، ولا شك ان صراع الأفكار التجريدية رغم أهميته لا يجلو غبار المعركة لكن لا بد من صياغة نموذج مادي يتمثل قيم الاسلام في السياسة والاقتصاد والعدل الاجتماعي والرفاه المادي والرقي الفني ، و سيكون الجدل محصورا في: هل نتوسل لتحقيق لذلك بتغليب تيار العقل ام احياء التراث ام التربية والإصلاح المتدرج ، ام إصلاح الحكم والسياسة وأم أصحاح العقيدة؟. عندها سندرك عمق الأزمة التي نعيشها. هذا كتاب جدير بالقراءة لغزارة مادته وسلاسة لغته وكثافة استشهاداته وترتيب موضوعاته و عمق ما يطرحه من أسئلة، سيما وان مؤلفه منفعل بقضيته صادق في نيته مكتمل في عدته الفكرية وعتاده الثقافي وهو القادم من عالم هندسة الاتصالات وفي ذلك ما يثري ويغري رغم اختلافنا معه في بعض فرضياته.
الجمعة: وزارة المالية والعداء للثقافة
بلغ ازدراء وزارة المالية بالمؤسسات الثقافية ان أسقطت من ميزانية هذا العام تمويل معهد حضارة السودان الذي يديره البروفيسور جعفر ميرغني، وذلك بحجة انعدام فائدته لولا تدخل كبار العقلاء، وفي ذات الوقت تبدو وزارة المالية سخية العطاء علي الموسسات العاملة في حماية الأمن المادي وتهمل بنيات الأمن الثقافي والحفاظ علي التراث الحضاري للسودان وهو لا يساوي قلامة ظفر مقارنة بما ينفق علي بعض المؤسسات الآخري التي لا يعرف لها اهمية تذكر، ان الأمن المادي والثقافي صنوان من حيث الأهمية، وان كانت المالية تملك الولاية علي المال العام، فإنها لا تملك حق تقييم أهمية المؤسسات الثقافية. ولعلي في هذا المقام اشيد بالجهد الثقافي والمعرفي للاستاذ الياس فتح الرحمن في استمرار دار مدارك في طباعة بعض نفائس منتجات الثقافة والفكر السوداني؛ و التمس ان تراجع جهات الاختصاص قرارها بسحب ترخيص اتحاد الكتاب السودانيين، لانه بعضا من أكسجين الثقافة الذي يتنفسه أهل السودان. وان تعيد فتح المراكز الثقافية التي أغلقتها مثل مركز الدراسات السودانية ومركز الخاتم عدلان للاستنارة وغيرهما لانه لا ديمقراطية دون حرية ثقافية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.