بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطبيع مع واشنطون ونبوءة المشي علي طريق كوبا .. بقلم: خالد موسي دفع الله
نشر في سودانيل يوم 19 - 02 - 2015

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عندما كانت طائرات الشحن الأمريكية C130 تنقل أطنانا من أسلحة الدمار الشامل ومعدات التخصيب لمشروع السلاح النووي الليبي الذي كان في طور الطفولة من طرابلس ومواقع أخري لمنطقة نيفادا بالولايات المتحدة في إطار الصفقة السياسية بين القذافي وواشنطون في العام 2003 وهي التطبيع مقابل تفكيك أسلحة الدمار الشامل، ومعالجة ملف لوكربي، كانت جنداى فريز مساعدة وزير الخارجية للشئون الأفريقية في عهد الرئيس بوش الابن ترفع صوتها في الإجتماعات وتقول علي السودان ان يتبع خطي ليبيا للتطبيع مع واشنطون. ولم يكن للسودان مخزونا من أسلحة الدمار الشامل يمكن مساومتها لتطبيع العلاقات مع أمريكا. ولكن كانت واشنطون تريد ثمنا سياسيا، وكان يعني دفعه لمتخذي القرار في الخرطوم هو نزول الإنقاذ علي سلالم أنيقة كما كان يقول المحبوب عبدالسلام. وأخيرا ذهب القذافي وبقيت بعده أسلحة الدمار الشامل الليبية في صحراء نيفادا.
بعد خمسين عاما من العقوبات والحصار علي كوبا، ومع إعلان الرئيس أوباما رفع العقوبات عن هافانا يري البعض أن نموذج كوبا هو الأقرب للتحقيق مع السودان. ولكن مدينة ميامي وهي تفيض بأمواج اللاجئين الكوبيين طيلة العقود الخمس الأخيرة استطاعت ان تحتوي أكبر كتلة ضغط داخل الحزب الديمقراطي، وهي التي نشطت في إحداث التحول انتهازا للحظة التاريخية ومع بدء حمي التحضير للإنتخابات التي تلوح رايتها في الأفق مما يجعل أصوات كتلة الكوبيين الأمريكان وغيرهم من أقليات أمريكا اللاتينية تصب لصالح مرشح الرئاسة الديمقراطي. ولكن أزمة السودان جد مختلفة، و هي أن الحزبان الجمهوري والديمقراطي يتشاركان نفس الرؤي والتحليل ويتفقان علي ذات المخرجات بشأن الأزمة في السودان.يعضد ذلك توافر مصالح متشعبة من منظمات مدنية وجمعيات كنسية تتلقي الأموال والمكاسب بإسم الدفاع عن الضحايا والعراة والجائعين من أهل السودان.
ولعل السؤال هو: هل يمشي السودان علي خطي كوبا في مقاربته للتطبيع واشنطون؟
كانت إليزابيث دياز محررة مجلة (تايم) وهي تدلف الي غرفة وزير الخارجية علي كرتي في فندق هيلتون في واشنطون بداية هذا الشهر أثناء فعاليات صلوات الافطار تحمل في ذهنها سؤالا واحدا، وهو ما جعلته عنوان تحقيقها عن السودان وهو ( الحرب المنسية)، رغم أن وزير الخارجية قال لها بكل حنكة ولباقة إن تعاليم المسيح تصلح ان تكون أساسا قويا للسلام في السودان. و بعد أسبوع من هذه المقابلة أصدر رئيس منظمة ( متحدون لإنهاء الإبادة) وهي منظمة تأسست نتيجة لإدماج منظمتي ( تحالف إنقاذ دارفور، وشبكة التدخل ضد الإبادة) خطابا الي الناشطين من عضويته ومؤيديه يزف إليهم نبأ استجابة وزارة الخارجية لإلغاء مقابلة وزير الخارجية جون كيري مع مساعد رئيس الجمهورية ابراهيم غندور. ولكن ما لا تعلمه المنظمة أن غندور وكيرى تبادلا الرسائل والتفاهمات رغم شراسة الحملة المناهضة للزيارة. وقالت المنظمة في خطابها إن الهدف الجمعي هو إيقاف اي نوع من الإجتماعات رفيعة المستوى، إلا ان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية أكد علي نجاح زيارة غندور وجديتها واتفاق الطرفان علي تبادل الزيارات وإعادة الاندماج في مسار تحقيق السلام في السودان. واحتجت منظمة ( متحدون لإنهاء الإبادة) التي تعتبر أكبر قاعدة تجمع للمنظمات المناهضة للسودان، مع منظمة (كفاية) التي يرأسها جون بريندرقاست، علي تصريحات وزارة الخارجية الامريكية بشأن جديتها في الحوار ورغبتها في اتخاذ خطوات تشجيعية لتطوير العلاقات. وبلغ غضب المنظمة ذروته وهي تنقل عن إلياسون نائب الأمين العام للأمم المتحدة عند استقباله للبروفيسور غندور في نيويورك ابتداره تحيته بالسؤال ( كيف صحة الرئيس البشير؟)، وطالبت المنظمة بتكثيف الحملة علي نواب الكونغرس والأمم المتحدة ، ورفع وتيرة عمل منظمات حقوق الانسان لإستبقاء قوات حفظ السلام بعد مطالبة الحكومة رسميا بالإتفاق علي استراتيجية خروج لأنها أصبحت عبئا علي عملية السلام، ومصدرا لإمدادات التمرد لهروبهم من اي مواجهة رغم تخويلهم القانوني لحماية المدنيين.
لذا لم يكن غريبا علي تجمع صلوات الإفطار في واشنطون الذي حضره أكثر من ثلاثة ألف شخص أن يتحدثوا خلف الأبواب كما يفعل الدلاي لاما وغيره من القيادات الدينية والإجتماعية الأخري عن تعاليم المسيح والسياسة في الشرق الأوسط وكرة الثلج المتدحرجة في أوكرانيا، وكانت مجلة ( التايم ) ترصد تململ البعض من حديث القلوب المفتوحة كما وصفها وزير الخارجية علي كرتي لرفع العقوبات عن السودان. ونجحت جهود المعادين في إقناع السيناتور بوب كيسي الرئيس المناوب لتأجيل مبادرة ( فيلوشب فاونديشن) بتنظيم مقابلات إضافية مع وزير الخارجية جون كيري الذي كان في ذات الوقت يشارك في مؤتمر الأمن الدولي السنوي بمدينة ميونخ بألمانيا.
شبكة المنظمات الناشطة في السودان تعاني من مآزق جمة تهدد بقاءها وعملها، وذلك لأنها ظلت تجمع التبرعات والأموال من المواطنين والكنائس والمنظمات المانحة ولكن تستخدمها في زيادة أوار الحملة وليس لتقديم مساعدات للنازحين والضحايا والمتضررين في دارفور، وهذا ما جعل البروفيسور محمود ممداني يصفها من قبل بأنها غارقة في حملة إعلانات بذخية ضد السودان. وقد كشفت المعلومات حينها ان رئيس منظمة تحالف إنقاذ دارفور السابقة كان يتقاضي مرتبا اعلي من مرتب الرئيس باراك اوباما بأكثر من مئة ألف دولار. كما واجهت الحملة تحديا آخر، وهو بروز مناطق ساخنة في العالم مما غيب قضية دارفور عن رادار صانعي السياسة في واشنطون، اذ ظلت تطورات الحرب في أوكرانيا ، وإستيلاء الحوثيين علي الحكم في اليمن والأوضاع في سوريا وليبيا ومحاربة تنظيم الدولة وداعش تحظى بالأولوية في اهتمامات البيت الأبيض. لذا كان هدف هذه الحملة هو إعادة تسليط الأضواء علي دارفور بإعتبارها حربا منسية كما حاولت ان تبرزها مجلة ( التايم) هذا الأسبوع، خاصة وأن كل الشواهد تدل علي ان الهزائم العسكرية المتلاحقة لحركات التمرد في دارفور ستقلل من فرص بروز القضية من جديد في أروقة السياسة الدولية إلا بالتركيز علي بعدها الإنساني وتجديد تلفيق الاتهامات بالنزوح والإغتصاب وغيرهما.
لهذا لم يكن غريبا ان يتزامن صدور تقرير منظمة ( هيومان رايتس ووتش) الذي جددت فيه المزاعم بالإغتصاب الجماعي في قرية (تابت) مع الزخم الإيجابي الذي احدثته زيارتي كرتي و غندور الي واشنطون. وقصد الناشطون بهذا التوقيت محاولة محو وإزالة آثار الزيارتين، وما ترتب عليهما من وعود ستضع الحوار حول العلاقات في مساره الصحيح، سيما وأن الإتفاق في جملته كما كشفت تصريحات المسئولين يعمل علي إعادة إدماج الولايات المتحدة في مسار السلام مقابل تحسن في مسار العلاقات الثنائية. وتعد هذه الخطوة حصاد لثمار تأجيل السودان النظر في إعادة دور المبعوث الأمريكي في قضية السلام الذي ظل يتحدث في كل شيىء ما عدا العلاقات الثنائية.، كما أنها تتناسب مع التوقيت السياسي في واشنطون، اذ لم يعد للرئيس أوباما أي تخوفات من إتخاذ إجراءات في بعض ملفات السياسة الخارجية الساخنة وهو في النصف الأخير من فترة رئاسته النهائية مثلما يفعل في ملف إيران وتفضيله للحل الدبلوماسي علي عكس خيارات الجمهوريين المتعاطفين مع إسرائيل والذين وجهوا الدعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ليخاطب الكونغرس بغرفتيه مجتمعا دون المرور ببوابة البيت الأبيض أو استئذانه في عملية تحد سياسي واضحة إنقسم الناس إزاءها الي فسطاطين.
كان المشهد غريبا، فمع رشفات الشاي الأخضر، ومحررة ( التايم) إليزابيث تواصل حوارها مع وزير الخارجية علي كرتي أخرجت هاتفها من طراز ( آي فون) وعرضت علي الوزير صورا زعمت أنها لضحايا القصف الجوى في جبال النوبة، وقالت إمعانا في تعزيز المزاعم أن هذه الصور إلتقطها الدكتور الامريكي ( جون كاتينا) الذي يدير مستشفي خيري في جنوب كردفان، و ذلك علي هامش مزاعم منظمة ( أطباء بلا حدود) الفرع البلجيكي الذي أعلن في 20 يناير الماضي عن إنسحابه جزئيا من المنطقة لإنعدام الأمن.
هذا السيناريو يشابه تماما ما فعلته ( تحالف إنقاذ دارفور) عندما بعثت في العام 2006 ضابط المارينز السابق بريان إستيدل الي دارفور متخفيا في دور عمال الإغاثة الدوليين، وقام بإلتقاط صور فوتغرافية وتسجيلات فيديو، ومن ثم تم نشر جزء منها في صحيفة (النيويورك تايمز) بواسطة الصحفي نيكولاي كريستوفر الذي كتب سلسلة مقالات تحت عنوان ( إرشيف الإبادة السرية في دارفور)، ومن ثم تم نشر الكتاب تحت عنوان ( الشيطان يأتي علي ظهر جواد)، وأخيرا تم انتاج فيلم توثيقي من ذات المادة وتحت ذات العنوان عام 2007 مدته 58 دقيقة أخرجه ريكي سترن وأنتجته جين وليز، ومثله ضابط البحرية السابق بريان إستيدل.ونال الفيلم عدة جوائز منها جائزة ( سن دانس) واختارته النيويورك تايمز مرة اخري أفضل فيلم توثيقي للمأساة في دارفور.
كانت مستشفي الدكتور الامريكي ( جون كاتينا) تعمل لعلاج جرحي المتمردين والمرضي المدنيين، وحسب سجلات القوات المسلحة وإفادة الناطق الرسمي العقيد الصورامي خالد سعد فان الجيش لم يقم بطلعات جوية يوم 20 يناير ، وكل الأدلة التي قدمت هي وجود مقذوفات فارغة من مدفعية طويلة المدي لا تدل علي قصف طيران ، وتمتلك قوات التمرد ذات النوع من قذائف المدفعية.
وجد وزير الخارجية نفسه وهو يحدق في الصور التي عرضتها عليه محررة ( التايم) من جهاز الموبايل ، ان يعيد علي السيدة إليزابيث نفس نتائج تحقيقات القوات المسلحة، وهي أن الجيش لا يستهدف المدنيين، ولا يقتل مواطنيه بل يحارب المتمردين. وهم يلجأون الي مثل هذه الحيل كثيرا ، إذ يستهدفون مواقع مدنية ويرسلون الصور للإعلام العالمي لتجريم الحكومة. ولكن للمبعوث الخاص الامريكي دونالد بوث الذي استطلعته المجلة رأي آخر، إذ يقول إن إستخدام العنف هو سبب استمرار العقوبات علي السودان. ولكن الحكومة ترفض هذا التوصيف والمصطلح فهي تستخدم في رأيها القوة الشرعية المخولة للدولة لمجابهة التمرد وليس العنف.
عندما أصدرت (هيومان رايتس ووتش) تقريرها المنتظر زعمت أنها وثقت لكل مزاعم الإغتصاب مشيرة الي ان 221 امرأة تم اغتصابهن خلال 36 ساعة. والناظر الي منهج التحقق الذي اتبعته المنظمة لا تخطيء عينه الثقوب والتحايل المريب، فقد ذكرت المنظمة انها تحدثت مع الضحايا عبر الهاتف وعن طريق مترجمين محليين. و لا أحد يضمن بالطبع دقة الترجمة او دوافع المترجمين الذين تدفع لهم المنظمة من أجل تحريف الأقوال، هذا إضافة الي التشكك في حقيقة الذين تم استطلاعهم عبر الهاتف، هل هم فعلا ضحايا أم ممثلين أدوا ما عليهم وقبضوا الثمن؟. وهذا قريب من رواية وزيرة الخارجية الامريكية كوندليزا رايس في كتاب مذكراتها ( ليس شرفا أعلي) عندما تم جمع عشر نساء في أحدي المعسكرات بالفاشر، وكلهن ادلين بذات الرواية حول مزاعم الاغتصاب وتشابهت الرواية التي تقول:( خرجت لأجمع الحطب وهجم علي الجنجويد ورموني أرضا ومزقوا ثيابي، ثم تنخرط في موجة من البكاء، فتقول كوندليزا رايس في كل مرة، نعم فهمت لا داعي لإكمال القصة).
لم ينس المبعوث الامريكي الأسبق أندرو ناسيوس اثناء فترة الرئيس بوش الدرس الذي تلقاه من النائب الامريكي الراحل دونالد بين ورفاقه في جلسة الإستماع في الكونغرس وهم يملون عليه الاجابات لإدانة الحكومة وهو يرتعد ويعدد لهم بالإسم المتهمون بالإرهاب بعد أن تمنع عن الإجابة لمدة عشر دقائق. ودفع ثمن اجتهاداته السياسية عندما طلب من السلطات الفرنسية إنهاء إقامة عبدالواحد محمد نور وطرده من فرنسا، فإتصلت مساعدة وزير الخارجية حينها للشئون الافريقية جنداي فريزر علي السلطات الفرنسية لإلغاء هذا الطلب مؤكدة انه لا يمثل رأي الادارة. فأضطر الي الإستقالة مكرها. فتعلم الدرس وهو أن الوسيلة الوحيدة للبقاء في الملعب السياسي في واشنطون هي معاداة السودان، فأخرج كتابه الشهير تحت عنوان (السودان جنوب السودان ودارفور: ما يجب أن يعرفه كل أحد) وهو كتاب يطفح بالمسيئات ولا يتناسب مع المنصب الأكاديمي المرموق الذي يتقلده الآن بعد أن ترك المنصب الحكومي، وهو مدير معهد اسكوكروفت للشئون الدولية الذي يحتم عليه الحياد العلمي والموضوعية.
لذا لم يكن غريبا علي ناسيوس ان يرد علي سؤال مجلة ( التايم) ليقول إن ما تفعله الحكومة في دارفور هو تكتيك قديم تستخدمه منذ عقود ، أما بالنسبة لوزير الخارجية علي كرتي فإن تجدد مزاعم الإغتصاب في تابت يعني محاولة إبقاء معسكرات النزوح ليستمر عمل المنظمات وجمع الأموال. لأن تابت بالنسبة للحكومة قرية نموذجية للعودة الطوعية مولت قطر كل بنياتها الأساسية وتم وضع نقطة عسكرية لحمايتها، وبالتالي فإن هزيمة هذا النموذج للعودة الطوعية يهزم خطط واستراتيجيات هذه المنظمات التي تجهد للإبقاء علي معسكرات النزوح مفتوحة ومتزايدة لأنها الدليل للعالم علي إستمرار المأساة والحرب مما يعني مزيدا من العمل والأموال لهم.
كتب الصحفي نيكولاس كريستوف في النيويورك تايمز عام 2008 عشية فوز أوباما بالرئاسة ( إن السودان موعود للمرة الأولي منذ سنوات أن تتم الإطاحة بالرئيس البشير من كرسي الحكم)، وذلك لأن الناشطون وضعوا ثقتهم في الرئيس المنتخب حينذاك، الذي بذل وعودا كثيرة بالتغيير أثناء حملته الإنتخابية منها إنهاء ما اسماه الإبادة في دارفور، كما أنتقد حينها الرئيس بوش في عجزه عن إيقاف المأساة، وكان أوباما قد صوت لصالح ( قانون سلام ومحاسبة دارفور) أثناء عضويته في مجلس الشيوخ، كما ألقي خطبة في ميدان المول عام 2006 مع الناشط اليهودي أيلي ولسلي الناجي من المحرقة عن ضرورة التدخل وإنهاء مزاعم الإبادة، وقد انتهز بعض الناشطين السودانيين السانحة والتقطوا الصور التذكارية مع السيناتور أوباما ووضعوها علي عناوين صفحاتهم في مواقع التواصل الإجتماعي.
لذا يطل السؤال: بعد أكثر من ست سنوات علي رئاسة أوباما ماذا حدث في السودان وأين وعوده السابقة؟. وعندما غادرت كوندليزا رايس منصب وزير الخارجية قالت انها لم تترك لإدارة اوباما الجديدة ملفا مقلقا ومؤرقا مثل السودان. وقالت جنداي فريزر مساعدة وزير الخارجية للشئون الأفريقية في عهد بوش إن وصيتهم الوحيدة لفريق الرئيس أوباما خلال فترة التسيلم كان هو الحفاظ علي ذات السياسة تجاه السودان، وهذا يعني الحفاظ علي منظومة العقوبات وسياسة الضغط والعزلة الدولية والتحفيز الوهمي أي ما يعرف بسياسة ( العصا والجزرة). لذا لم يكن مستغربا ان تصرح سيمانثا بور المندوب الدائم لأمريكا في الأمم المتحدة وهي تشيد بتقرير (هيومان رايتس ووتش) مؤكدة أن إستمرار منظومة العقوبات ضد السودان هام وضروري. والدكتورة سيمانثا بور ليست غريبة علي ملف السودان، وهي أول من زعم ان ما يحدث في دارفور جريمة تطهير فمنذ صدور كتابها الأول عن أزمة الضمير تجاه الإبادة في رواندا قامت بزيارة دارفور عام 2005 وعادت بتقرير مفصل نشرته مجلة ( نيويوركر) في سبعة عشر صفحة قالت إن ما يحدث في دارفور هو تطهير عرقي.
ولم تنكر مجلة ( تايم) نجاح الدبلوماسية السودانية في احداث إختراقات ملموسة منها مخاطبة علي كرتي ليوم الأمم المتحدة للسلام في مدينة شارلوت في ولاية كالوراينا الشمالية ومقابلات مع وزيري الخارجية هيلاري كلنتون وجون كيري وإجتماعات متعددة مع أعضاء الكونغرس، ومشاركات في مناسبات عديدة تخص تجمعات اليمين الديني للبحث عن السلام في السودان.
عشية وصول غندور الي واشنطون والذي تصادف مع صدور تقرير ( هيومان رايتس ووتش) عن مزاعم الاغتصاب في قرية تابت قال المبعوث الخاص دونالد بوث ان غرض الزيارة هو ( فتح حوار جاد مع السودان)، وقال غندور بعد وصوله للخرطوم ردا علي اسئلة الصحفيين: (دون الحديث عن جدية وعدم جدية أمريكا،أقول إن هناك رغبة من البلدين للدفع بالعلاقات الي آفاق جديدة ، لكن نحن لا نتحدث عن حوافز او عقوبات بقدر ما نتحدث عن علاقات طبيعية) .
وبعد أسبوع من عودة غندور الي الخرطوم، أعلن دونالد بوث المبعوث الخاص، وفي حضور ممثلين عن وزارتي التجارة والخزانة عن رفع جزئي للعقوبات في مجال الإتصالات التي تشمل الهواتف الشخصية والبرمجيات وأجهزة تحديد المواقع، وقال في الإعلان الصحفي أن الهدف هو تسهيل الإتصالات الشخصية مما يتيح فرصة أكبر لحرية التعبير. و لا يتدبر المراقب الحصيف أهمية التوقيت الذي يوحي بأنه جاء بعد زيارة غندور كأنه تشجيعا لمخرجات الحوار وإلتزامات السودان خاصة إعادة إدماج واشنطون في عملية السلام والوساطة السياسية، بما في ذلك عودة المبعوث الي الخرطوم. وقد تم هذا الرفع الجزئي من قبل لكل من إيران وكوبا رغم وجودهما في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ولكن في الضفة الأخري من نهر البوتامك الذي يفصل واشنطون عن فرجينيا يقبع مكتب المحامي بارت فيشر الذي يكابد منذ عام 2011 لرفع العقوبات عن السودان، ولكن رفض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية منحه الرخصة للترافع التجاري ورفع العقوبات التجارية عن السودان، وهو الآن يحاول ان يقدم دفوعات للسماح بإستيراد أجهزة وآليات تخص مصنع سكر النيل الأبيض. والسيد فيشر يقول للصحف الأمريكية إن السودان أوفي بجميع إلتزاماته تجاه المجتمع الدولي والولايات المتحدة بما في ذلك إجراء الإستفتاء الذي سمح بإنفصال جنوب السودان، لذا فإنه لا يوجد ما يبرر استمرار هذه العقوبات أو ما يجوز بقاءها.
ولعل السيد فيشر أكثر حظا من سابقيه، فقد سير بعض الناشطين مظاهرة عام 2006 الي منزل أحد الحاصلين علي رخصة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) للترافع عن السودان ونثروا علي حديقة منزلة عدد من الجماجم البلاستيكية، فقالت له زوجته أنت تعرض مستقبلك المهني للخطر، وتضع علينا ضغوطا اكثر من اللازم، ومن ثم تم سحب رخصته من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية وتم اتهامه بالعمل دون تفويض قانوني، و تعرض لحكم قضائي قضي بحبسه عدة أشهر.
كان المبعوث الخاص دونالد بوث محقا وهو يصف موقف الحكومة السودانية التي طالما اشتكت من عدم وفاء الإدارات الامريكية بالوعود، وقال انهم يطلبون منا الإتفاق علي خارطة طريق وعندما ينفذون الإتفاق يتهموننا بأننا نحول أعمدة المرمي لأنهم الأقرب لإحراز الهدف. أما المبعوث الأسبق ناسيوس فيرى أن الحكومة انجزت العديد من اتفاقيات السلام لكنها بقيت حبرا علي ورق. ولعل ناسيوس يتفق في أهدافه مع مخططي السياسة الخارجية نحو افريقيا في إدارتي بوش واوباما الذين يَرَوْن ان اي اتفاق لا ينتهي بإضعاف او إسقاط الحكومة فهو اتفاق فاشل. وناسيوس يغيظه علي الدوام ان إتفاقيات السلام الموقعة لم تنجح فقط في إسقاط الحكومة بل قوت من موقفها السياسي وشرعيتها الدستورية.
المحامي فيشر يدافع و يقول حان الوقت لطي الصفحة والنظر للأمام، المبعوث الخاص دونالد بوث يعد بمواصلة الضغط علي الحكومة والتمرد للتوصل الي سلام، والدكتور الأمريكي كاتينا الذي يدير مستشفي ( أم الرحمة) بجبال النوبة يطالب بفتح المعابر الإنسانية لإيصال الدواء. ولكن ينسي الدكتور كاتينا إن الحركة الشعبية تشترط فتح هذه المعابر علي الحدود مع جنوب السودان ليصل الدواء والسلاح بنفس الطائرة. كان علي عثمان النائب الاول السابق يقول ان قرنق إعترف له في المفاوضات بقوله لولا ( برنامج شريان الحياة) لتم القضاء علي الحركة الشعبية منذ وقت مبكّر. والحكومة تعلمت الدرس وهي أن توافق علي دخول الغوث الإنساني من داخل الاراضي السودانية ولكن ليس من قاعدة لوكوشوكي جديدة. لأن ذلك يعني إستمرار الحرب.
الوزير علي كرتي رغم التحديات إلا ان إفاداته اتسمت بالتفاؤل مع مجلة ( تايم) وهو يعرب عن قناعته ان جدية الحوار والتواصل والمثابرة ستنتهي يوما ما الي تحقيق الهدف وهو التطبيع ورفع العقوبات. وقال ان ما حدث مع كوبا بعد خمسين سنة من العقوبات والحصار يمكن ان يحدث مع السودان.
ولكن أشارت إليزابيث ان كوبا لم تحظ بإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطى، علي عكس السودان اذ ما يزال الحزبان متفقان علي سياسة كلية تجاه البلاد منها الإحتفاظ بمنظومة العقوبات تحت مظلة سياسة العصا والجزرة، لكن وزير الخارجية يري ان نظرة التفاؤل ضرورية و لا بد ان يسندها الواقع بتكثيف التعاطي والحوار البناء.ولعل هذا ما تقف عليه عتبة العلاقات بين واشنطون والخرطوم هذه المرة، وهو ابتداء حوار جدى وبناء، لكن هذه المرة فإن علامة السير تشير الي إتجاهين هما واشنطون والخرطوم، علي عكس ما كان سائدا من قبل حيث كانت العلامة المرورية تشير الي اتجاه واشنطون فقط.وهو ما سبق وأن أشار اليه السفير الدكتور بهاء الدين حنفي عندما قال إن التعاطي يعني طريقا في إتجاهين، لكن التعاطي مع أمريكا صار لعقدين من الزمان طريقا لإتجاه واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.