قال الزول الساي ، الما بقعد ساي ، وما بسكت ساي : نبدأ بالانجلش بوكيت! قابلت كثيراً من الخواجات في مطاعم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز، هارديز وكنتكي في السعودية وقطر والامارات، أحياناً كان الخواجات يعرفون بعضهم البعض ويتبادلون التحايا والابتسامات والحوارات وقد يبدو وكأنهم يعملون في نفس الجهات ولكن عندما تحين لحظة الأكل ، يأكل كل واحد من الخواجات منفرداً وحينما تحين لحظة دفع الفلوس، يدفع كل خواجة ثمن الوجبة التي أكلها من جيبه الخاص في صمت، الخواجة يدفع لنفسه ويتجاهل الآخر ببرود حتى لو كان الآخر أخاً أو قريباً أو صديقاً أو حبيباً أو زوجاً! نفس السلوك يتكرر من الخواجات في البصات ، دور السينما وأي مكان آخر! كل خواجة يدفع ثمن ما استهلكه من سلعة أو خدمة من جيبه الخاص ولا تُوجد مجاملات دفع ، ولا يُوجد خراب ميزانيات، يعني كل خواجة ياكل نارو! هذا هو الانجلش بوكيت! نأتي للسودانيز بوكيت، أغلب السودانيين الذين يعرفون أو قد لا يعرفون بعضهم البعض عندما يتقابلون في المطاعم والبصات ، يصرون على أن يدفعوا لبعضهم البعض وهم يصيحون بأعلى صوت: على الطلاق ما تدفع يا زول! يازول على الطلاق أدفع أنا! يا زول ما تشيل منو! وقد تحدث مهاوشة أو تدافع بالايدي بين الأزوال وقد يتخيل الأجنبي أن مشاجرة سودانية حامية الوطيس قد وقعت لتوها بين السودانيين لسبب مجهول! وقد تقع إحراجات مالية وقد يحدث خراب ميزانيات للأزوال أو الزولات، لكن هذا كله لا يهم ، المهم هو أن يثبت الشخص السوداني أنه أكرم من الآخر سواء أكان الآخر سودانياً أو غير سوداني، هذا هو السودانيز بوكيت! من المؤكد أن الانجلش بوكيت أفضل من السودانيز بوكيت من الناحية المنطقية البحتة فالانجلش بوكيت يتيح للافراد والجماعات تفادي الاحراجات المالية وتخريب الميزانيات الشخصية، ولكن يُمكن القول إن معظم السودانيين ، رجالاً ونساءاً ، يرفضون الانجلش بوكيت رجالة كده! حكى لي أحدهم حكاية واقعية مفادها أن بنت سودانية قد فسخت خطوبتها عندما قام خطيبها السوداني في مناسبتين مختلفتين بشراء ساندوتش وببسي كولا لنفسه فقط وراح يستمتع بالأكل والشرب في حضورها دون أن يعزمها ويشتري لها ما اشتراه لنفسه! عندما كنا في جامعة الخرطوم ، كنا نذهب لسينما النيل الأزرق ، الصديق العزيز توفيق عبد الرحمن ، المشهور ب (توتو) والمعروف بخفه دمه ، كان يقول أمام شباك التذاكر: انجلش بوكيت! كل واحد يدفع حقو براهو! كنت شخصياً أشعر بدهشة مركبة من هذا السلوك ، فقد كنت من انصار السودانيز بوكيت ، كنت مصنفاً من الطلبة الفقراء واتقاضى مساعدة مالية شهرية (bursary) من الجامعة ، كنت أصرف مبلغ المساعدة كله على سكان الغرفة 9 في داخلية عطبرة (أ) في ليلة واحدة عملاً بمبدأ انفق مافي الجيب ، يأتيك ما في الغيب ، وبالمقابل كنت ادخل يدي في جيب أي واحد من سكان الغرفة 9 أو أولاد الدفعة بكلية القانون وأخذ ما أشاء من القروش (إن وُجدت)! لكنني كنت لا أقبل قروش من أي بنت بأي حال من الأحوال، ذات مرة عزمتني طالبة مريشة لدخول السينما وتناول العشاء ، وكنت مفلساً وليس في جيبي جنيه واحد، فاضطررت للهروب إلى حي كرور بأطراف أمدرمان قبل موعد العزومة واختفيت بحي كرور لمدة ثلاثة أيام بلياليها تفادياً للحرج المالي وتجنباً لقول الشامتين: (بالله شوف الود الخايب ده، البت دفعت ليهو)! في الوقت الحاضر ، وبعد أن أصبحت رب عائلة سودانية مقيمة في الدوحة القطرية، ما زلت من انصار السودانيز بوكيت لكنني اكتشفت أن زوجتي وأولادي هم من أكبر أنصار الانجلش بوكيت، فكثيراً ما اضطر للاستدانة منهم في آخر الشهر لتغطية النفقات المنزلية، لكن ما إن أصرف الماهية حتى يقف الدائن العائلي أمامي ويقول لي بجدية متناهية: انجلش بوكيت ، انكت يا زول ، أدينا حقنا! وطبعاً لا أملك إلا أن أديهم حقهم وبالزيادة كمان ، فهاشمية السودانيز بوكيت ترغمك على التصرف بجنون والدفع أكثر من المطلوب حتى عند تسديد الديون! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.