بالفيديو.. شاهد لحظات قطع "الرحط" بين عريس سوداني وعروسته.. تعرف على تفاصيل العادة السودانية القديمة!!!    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين الدين تواسي صديقتها المطربة إنصاف مدني وتهديها أغنية مؤثرة بعد حزنها لعدم مشاركتها أفراح شقيقها    محافظ بيتكوين تنشط بأرباح 2 مليار دولار    عَودة شريف    شاهد بالفيديو.. الفريق أول ياسر العطا يحكي تفاصيل لقائه الاول بالرئيس نميري عندما أراد الإنضمام للقوات المسلحة: قلت له سأخذ بثأر عمي هاشم العطا منك وهذا كان رده (….)    بالصور.. السلطانة هدى عربي تبهر الجمهور بإطلالة جديدة وتتفاحر بنفسها ببنرجسية عالية: (السر قدور فيها قايل وكلامه صاح والله هايل)    هل تتعمد تطبيقات التعارف عدم عثور المستخدم على الشريك المناسب؟    إنهزامية المعز    الي إللقاء مستر لقمان    رئيس الأهلي مدني يهاجم التحكيم    الهلال والزمالة في مواجهة ساخنة    المريخ في اختبار صعب أمام احمر كردفان عصر اليوم بالدامر    شاهد بالصورة.. بطريقة ساخرة أثارت ضحكات الجمهور.. وزير الصحة البروفيسور المعز عمر بخيت يرد على متابع سأله: (ح تحلف في المصحف القديم ولا في نسخة اليبورت؟)    بالصورة.. الصحفية والشاعرة داليا الياس تتغزل في نفسها: (سندالة ثابتة وسحابة رابطة واشيي علي براي)    مصر تغلق الطريق الدائري الإقليمي بعد حوادث مميتة    رئيس الوزراء يؤكد أهمية احكام العملية التعدينية وفقًا لرؤي وضوابط جديدة    الدعم السريع واستراتيجية الهروب للأمام    الاتحاد السوداني لكرة القدم يُهنئ اتحاد الدويم بتشكيل مجلس إدارته الجديد    قطَار الخَامسَة مَسَاءً يَأتِي عند التّاسِعَة!!    ريال مدريد يكمل المربع الذهبي    وزير الداخلية يتفقد دائرة القوات الخاصة بالشرطة الأمنية ويثمن تضحياتها في معركة الكرامة    تركي آل الشيخ يُوجّه رسالة للزعيم عادل إمام بعد حفل زفاف حفيده    هيئة مياه الخرطوم: بدء التشغيل التجريبي لمحطتي بيت المال والمقرن    البرهان أمس كان مع حميدتي، وقحت ضدّه؛ اليوم اتبادلوا المواقف    إيلون ماسك يعلن تأسيس "حزب أميركا"    مصر .. فتاة مجهولة ببلوزة حمراء وشاب من الجالية السودانية: تفاصيل جديدة عن ضحايا حادث الجيزة المروع    باريس يكسر عقدة بايرن ويعبر لنصف نهائي المونديال    ضوابط صارمة لإعادة التأهيل في الخرطوم    اداره المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تضبط شبكة إجرامية تنشط في جرائم النهب والسرقة بامبدة    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    حاج ماجد سوار يكتب: العودة إلى الخرطوم بين الواقع و المأمول (3)    الطاهر ساتي يكتب: لحين النتائج ..!!    السودان.. الشرطة تلقي القبض على"عريس"    السودان..مجلس الأدوية والسُّموم يوقّع إتفاقية تعاون مشترك مع إندونيسيا    صفقوا للدكتور المعز عمر بالأمس وينصبون له اليوم مشانق الشتم لقبوله منصب وزاري    والي الخرطوم يصدر توجيهًا بشأن محطة" الصهريج"    المذيعة الحسناء سالي عثمان تكتب: (شريف الفحيل إلى أين؟!!!)    إعلان خطوة بشأن النشاط التجاري بالسوق المحلي الخرطوم    محكمة بحري: الحكم بالإعدام مع مصادرة المعروضات على متعاون مع القوات المتمردة    ابوقرون ينقذ الموسم الرياضي ويقود التنمية المستدامة في ولاية نهر النيل.    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفرة الكبرى : السودان من العصر الحجري إلى العصر السيراميكى .. بقلم: عوض محمد الحسن
نشر في سودانيل يوم 11 - 03 - 2015

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
سجّل السودان فى العقد المنصرم رقماً قياسياً جديداً فى مجال التطوّر البشرى يُضاف الى أرقامه القياسية الأخرى ( أكبر البلدان مساحة فى أفريقيا، وفى العشرة الأوائل فى ترتيب أكثر الدول فساداً، والعشرة الأواخر (الطّيش) فى ترتيب الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية، وفي حرية الصحافة، وفي طيب المعيشة وغيرها) ، إذ قفز (أو فى الحقيقة طَفّر) فى مجال العمارة من العصر الحجرى (الجالوصى/القشّى/ الفخّارى) إلى العصر السيراميكى (الرخامى/الألومنيمى وربما الفسيفسائى قريباّ - ولعلّه بين ظهرانينا ونحن لاندرى). وانظر حولك فى سماء الخرطوم، وفى قلبها الذى سكت عن الخفقان ليلاً، وأطرافها المترهلة، وأحيائها الجديدة والقديمة، الفاخرة والبائسة، المُخطّطة والعشوائيّة، ترى البروج السامقة والصروح المُشيّدة من الفولاذ والزجاج والرخام والألومنيوم، التى نَمَتْ كما ينمو الفطر السام فى الغابات العَطِنَة، لامعةً مزهوّةً بنفسها ومُستفِزّة، تُطلّ على المدينة الغبشاء المترامية الأطراف من عَلٍ، وتَمدُّ لها ألسنتها الزجاجية البرّاقة. هذه هى مقار وزارات الحكومة ومؤسساتها وقوّاتها المسلّحة وأجهزة أمنها وشرطتها، ودواوين زكاتها، وبيوت العاملين عليها، ومساجدها، وجامعاتها، وشركاتها العامة، والشركات"الهجين"، والشركات "البروس" التى لا نَسَب لها، والشركات الوهمية التى تدمغ على جباهها ومؤخرات سياراتها الفارهة "استثمار"، والمصارف محلّيُّها وأجنبيّها، وترى قصور أغنياء حرب ما خمَدتْ الّا لتَسْتعِر، وأغنياء السلام، وأغنياء الخصخصة، وأغنياء "الإنفتاح" على المال العام.
ما يُثير العجب فى هذه الطفرة الكبرى وحلول عصر السيراميك والرخام، أن هذا العصر السعيد يتزامن - ولا أقول يتعايش- مع العصر "الجالوصى" و"القشّى" و"القصبى" الذى استمر فى معظم أنحاء البلاد حتى يوم الناس هذا. قُرون وقُرون والسودانيون يبنُون بيوتهم وأسوارهم واستحكامتهم ومساجدهم وقباب أوليائهم من "الجالوص"، يُجلّدونه بروث البهائم حمايةً وزينةً، أو يبنونها من القصب وجريد النخيل والقشِّ أو ما تيسّر فى بيئاتهم، ويصنعون من الطين المحروق ( الفُخّار) أوانى طبخهم وأكلهم وأباريق وضوئهم وأباريق قهوتهم وأزيارهم. وكان أهلى الشايقيّة رأس رمح ذلك العصر الجالوصى ومهندسِيه، بنوا (وهم حفدة بُناة أهرامات نورى) الخرطوم ومدن الصعيد وبحر أبيض والغرب الأوسط. وحين أتى العصر "الصفيحى" فى القرن الماضى، كان السمكرية حُداته وأساطينه، يستخدمون الكاوية وقضبان اللحام فى مهارة فائقة، ويصنعون من ألواح الصفيح العاطلة أعمالاً فنيّة بديعة التصميم والصنعة : أباريق الوضوء، وأكواز الماء (ذات القعر الزُجاجى الذى يُمكّنك من التأمل فى أقدامك المُشقّفة المتربة وأنت تشرب)، و"حُقَقْ السعوط" الأسطوانية الشكل، ومُعدات القهوة المختلفة :"الشرَقْرَقْ"، و"الجَبَنة" - وهى كلمة أمهرية وفدت الينا من أثيوبيا مع البُن – الكبيرة للمنازل ، وا"لجَبَنات" الصغيرة "المِينى" للمقاهى (وذلك قبل غزو ستات الشاى)، وحقائب السّفَر المطليّة باللون الأخضر 66 (اللون الرسمى لجمهورية الخرتيت آنذاك)، والصفائح "القُران" التى كانت من أهم مستلزمات الحج الى بيت الله الحرام.
ثُمّ حلّ العصر البلاستيكى واضمحلّ العصر الصفيحى إلى غير رجعة. اختفت صفائح "غاز الغزالة" وصفائح بنزين "شل" و" سكونى فاكوم" حين اصبحت المواد البترولية تُنقل "بالتناكر" وتُوزّع بواسطة مضخّات البنزين اليدوية والكهربائية، واحتلت الأدوات والأوانى المصنوعة من البلاستيك الساحة وسيطرت عليها تماماً : "الجركانات" من مختلف الأحجام والأشكال تستخدم لنقل الماء، والزيوت، والعسل، وكافة السوائل المُباحة وغير المُباحة. وحين تطوّرت صناعة البلاستيك وشملت كافة احتياجات الإنسان، ظهرت فى خمسينات القرن الماضى "السفنجات" (وكانت صيحةً داويةً فى عالم الموضة قبل أن تُصبح مما ينتعل الناس فى البيوت وينتعل المساكين خارجها)، والأحذية و"الشباشب" البلاستيكية (الروقة وحدوقة للنساء، والشدّة للرجال). وحين بلغ العصر البلاستيكى أوجَه، ظهرت فى الأسواق حبال البلاستيك التى قتلت فَنْ "فتْل" الحبال من الألياف الطبيعية واستُخدِمت لتجليد الكراسى ولكل غرض آخر، ثم الكراسى والأثاثات الأخرى المصبوبة من البلاستيك، وأكياس البلاستيك المتينة لجمع النفايات (وكانت فى العصر الجالوصى تُسمى الوِساخة)، وأكياس البلاستيك الخفيفة التى احتلت مركزاً هاماً فى الحياة الإقتصادية والإجتماعية فى السودان - و لا تزال-تُستخدم لكل ما يخطر على البال : لتعبئة الفول السودانى ( المَرَرُو) عِوضاً عن عِلَبْ الصلصة المقلوبة " المَخفوجة" القُعُور، والتسالى، ومشترياتك الموزونة من البقالات البلدية (قبل انتشار السيوبر ماركتات) والبهارات، والفول المصرى والزيت، وللنقل الآمن لعصائر البلح والذُرة المُقَطّرة. ثم انتقلتْ هذه الأكياس بعد أن أدّت دورها إلى كل ركن من أركان مدن السودان وقراه، تُزيّن أسوار السلك الشائك والشجيرات والميادين بألوانها الزاهية.
ثُمّ هبط علينا فجأةً العصر السيراميكى الرخامى (ولعلّه عَبَر البحر الأحمر هو وعادات ومفردات وسلوكيات بلاد العرب البترولية)، و"فجّ" لنفسه مكاناً مرموقاً -وإن كان ضيقاً- وسط العصور المختلفة، و"تحكّر". أثار هذا التزامن والتزاحم بين العصور فضولى وقلقى، وهو تزاحم قد يقود إلا الاحتكاك والنزاع وربما "الدواس". وخشيت أن يكون في ذلك أعراض مرضٍ نفسىٍ عُضال أصاب المجتمع السوداني، لعلّه فصام الشخصية الحاد (الشيزوفرينيا)، أو ربما "تعدُد الشخصيات المرَضِى" . فللسودان الآن شخصية تعيش في العصر السيراميكي/ الرخامى، ناعمةً ناضرة ، تأكل أطيب الطعام ( وترمي معظمه)، يجرى المال في يدها جريان الماء في شلالات السبلوقة (زمان)، تسكن القصور المحصّنة، وتركب السيارات الفارهة، وتقضى إجازاتها وتُودع حساباتها في "عواصم الجمال" القديمة غرباً والجديدة شرقاً،وتُرسل أطفالها إلى أفضل المدارس والجامعات، وتتواصل مع غيرها ومع العالم بالأنترنت سريع الذوبان .وللسودان، في نفس الوقت، شخصية أخرى تعيش في العصر الحجرى، تسكن في كهوف الجالوص والقطاطى،وتأكل 'أم شِعيفَه" و"البوش" و"الدكوه" بالطماطم ( في الشتاء)، وتتواصل بالحبال الصوتية ( عووووووك! - ولامن مُغيث)، تُمضي سحابة يومها في طلب الرزق صعب المنال، وتلهث للحصول علي تكاليف الدراسة والعلاج والكهرباء والماء، وما يسدّ ألرمق . ترسل أطفالها إلى مدارس مُهمَلة مُكتظّة لا تصلح "للاستهلاك البشري"، مُهمّتها إضافة الألاف المؤلّفة إلى جيش "الفاقد التربوي" الذي يسوم هواميك الصين في الطرقات ومحطات الحافلات، ويقود عِلب الموت المسمّاة ب"الأمجاد" و"الركشه"، يكسب بها رزقه ويدهس بها خلق الله، والقلّة التي تُكمل "نصف" تعليمها في جامعات العلم المُعلّب في المذكرات ومحاضرات الأساتذة الرُحّل ، تنضم إلى جيش آخر هو جيش الخريجين الباحثين عن العمل، اليائسين ،الكاظمين الغيظ إلى حين .
إن ساورك الشكّ فى صحة تشخيصى للحالة السودانية بأنها "شيزوفرينيا" حادّة، أنظر حولك بعين فاحصة، وتأمل حالنا وأحوالنا، وسلوكنا، وسلوك حُكامنا، وسلوك صفوتنا وعَوامِنا، ومبانينا، وشوارعنا، و"يِفَطِنا"، وملابسنا، وطعامنا، وشرابنا، وموسيقانا، ورقصنا، وتلفزيوننا واذاعاتنا (وما أكثرها)، وصحفنا (وما أكثرها هى الأخرى)، ترى العصر السيراميكى/الرخامى "يتحكّر" فوق العصر الحجرى والجالوصى والقشّى و"البُرامى". وانظر – حماك الله – على سبيل المثال لا الحصر، الى طقوس أعراسنا لترى "الشيزوفرينيا" فى أبهى حُلَلِها : يصل العروسان فى "الليموزين الممطوط"، ويدخلان الصالة على قرع الطبول النوبية أو أنغام "الزفّة" المصرية (اتمخطرى يا حلوة يا زيناااا)، ثُم على أنغام "مارش" الزفاف الجنائزى وارد بلاد العجم، والأغانى اللبنانية والغربية، ليرقص العروسان الرقص البطئ، ليعقب ذلك فرقعة "الساون" -كما يدعونه – وطبلة أذنك، بأغانى الحماسة الجعلية و"العَرْضَة" بالسيوف وسياط "العنج"، وسط الزغاريد وكميات تجارية من مساحيق ومراهم وأصباغ التجميل المتنافرة دائماً، المُنفّرة أحيانا، والتى تكفى "لتجيير" بوابة عبد القيوم وتزيد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.