وضع المؤتمر الوطني – الحركة الاسلامية سابقا – السودان منذ انقلاب يونيو 1989 في موقع شديد الشذوذ في العلاقات الدولية. فقد اصبح وزن الخارج أكثر قوة في تحديد مجمل سياسات البلد الداخلية والخارجية.وقد تاتي هذا من صميم فكر الحركة التي تري أنها تنتمي إلي أمة اسلامية أكثر من انتمائها إلي وطن يسمي السودان.وقد سمعت أحد القياديين الاسلامويين يقول في إحدي الندوات حين سئل عن المواطنة،بأن الله يوم القيامة سوف يسأله عن دينه وماذا فعل به وليس عن وطنه! لذلك اعتمد الانقلابيون في فترتهم الاولي علي الاعلام الاسلاموي والقومجي في الخارج لتمرير وتلميع انقلابهم ،والترويج له كثورة اسلامية معادية للامبريالية.ودفعت اموال طائلة مكنت بعضهم من انشاء قناة فضائية من اموال اليتامي السودانيين.واكتمل هذا الاتجاه بتأسيس المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي في الخرطوم والذي ضم جورج حبش الي جانب الشيخ الزنداني.واهتم النظام – عموما – بصورته في الخارج أكثر من رأي مواطنيه في ادائه وسياسته.ولكن مع انحسار الحماس الاسلامي والعروبي للنظام بعد أن تكشفت عدم مصداقيته،استمر النظام في التعويل علي الخارج علي اصعدة اخري ولاسباب جديدة.فقد استمات النظام في ايجاد القبول في المجتمع الدولي والذي ادان الاسلوب الانقلابي حتي وان لم يقم به اسلامويون.وبما إن نظام الانقاذ اعلامي بامتياز وكثير من قيادات النظام درست الاعلام وتدربت في الولاياتالمتحدة وكندا واوربا.فقد قام النظام بعملية تقسيم عمل للبقاء وكسب القبول:جهاز الامن في الداخل والاعلام في الخارج،فالمواطنون لا يحتاجون الي اقناع وحوار سلميين"فالسيف أصدق انباء ".ومن ناحية اخري هدف من الانفتاح علي الخارج،ابعاد المعارضة من أي نوع من المشاركة معه في حل القضايا السودانية. كانت نتيجة هذه السياسة والمخطط ان كل المسائل الهامة والحيوية تم الاتفاق عليها خارج السودان. فقضايا النزاع في الجنوب ودارفور والشرق تنقلت في نيفاشا ونيروبي وابوجا وانجمينا والدوحة وطرابلس واوسلو.وحتي الاتفاقات مع المعارضة كانت تحمل اسماء خارجية:اتفاق جيبوتي(حزب الامة)واتفاق القاهرة(التجمع الوطني الديمقراطي).ولكن لان كل شئ يحمل ضده في داخله، فقد فلت الامر من يد المؤتمر الوطني وحكومته،وصار في حالة هرولة مستمرة الي الخارج يستدعي الوساطات والتدخل،بالذات من امريكا التي كان يردد ضدها شعارات :امريكا قد دنا عذابها.ففي يوم الخميس الماضي(3/12/2009) استدعي وليس دعا الجنرال قرايشن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الي واشنطن للعمل علي الاسراع في حمل الخلافات العالقة.سبق ان كتبت كثيرا عن غياب السيادة الوطنية السودانية في التعامل مع الادارة الامريكية.وهذا السلوك السياسي يقوم به حزب مازال يصر علي أنه معاد للامبريالية ويستضيف قادة حركة حماس ويساند شافيز.وكثيرا ما اتساءل هل يمكن أن يحدث مثل هذا الاستدعاء لمسؤولين ايرانيين؟لقد فرط النظام رغم الشعارات في سيادة الوطن،وهذه من خصائص الدولة الفاشلة فهي لا تستطيع بناء علاقات متوازنة ومتكافئة مع الدول الاخري.وفي نفس الوقت تتعرض باستمرار للضغوط الخارجية.ويمكن اعتبار ان وصول السودان ممثلا في الرئيس السوداني،الي المحكمة الجنائية الدولية،هو احد النتائج الطبيعية التي لم يحسبها النظام جيدا.فالنظام في هرولته للخارج ،سمح للعالم بالتدخل في كل تفاصيل الشأن الدارفوري.كذلك اعتمد علي الاغاثة الدولية في ابقاء اهل دارفور احياء.ثم يأتي النظام في النهاية شاكيا من تجسس منظمات الاغاثة في دارفور وانها زودت المحكمة الجنائية بمعلومات مضللة.رغم ان الوجود الكثيف لمنظمات الاغاثة الاجنبية في دارفور هو من مظاهر التدويل التي اختطها النظام. تعتبر المحكمة الجنائية احدي التحديات الخطيرة التي واجهت السياسة الخارجية السودانية. ورغم ان المحكمة لا تملك الوسائل العملية لتنفيذ قرارتها،الا ان حكم المحكمة الجنائية سبب الكثير من الاضرار علي سياسة السودان الخارجية ووضعه في موقع المدافع باستمرار ونزع عن السودان القدرة علي المبادرة.وقد حرم القرار السودان من مشاركات قمم هامة غاب عنها رئيس الجمهورية تحسبا من حدوث مفاجآت وتواطؤ.وهذه وضعية مضرة،وجاءت مبادرة حكماء افريقيا كمخرج ولكن دخلت في سراديب المماطلات والمناورات السودانية،ولم نفهم هل قبلها السودان أم رفضها.ومن مصلحة السودان افرقة موضوع دارفور والمحكمة،وهذا ما سعي اليه السودان في نزاعه مع الاممالمتحدة حول القوات الهجين وليست دولية.ووجد السودان في ذلك الحل مخرجا حفظ له ماء وجهه.والآن يمكن للمبادرة الافريقية ان تقلل من مضار قرار المحكمة الدولية الجنائية. واتمني الايحاول السودان اللعب بالزمن أو الصهينة،فهذه سياسة تؤجل وتجمد الامور ولكنها تبقيها بلا حل.ويبدو ان هناك من يعتقد بوجود معجزات ،لذلك يميلون للتأجيل. توجد اكبر سقطات السياسة الخارجية السودانية في الاممالمتحدة.وبئس من كان ممثله أو المدافع عنه من فصيلة ممثل السودان الحالي،فهو بالتأكيد خاسر كل قضاياه وفاقد لأي عطف دولي . فالممثل يصر علي لغة ضلت طريقها الي الدبلوماسية والمحافل الدولية،فهي لغة اماكن اخري لا تحتاج للثقافة والذوق وحتي الحس العام.فالصهاينة يخاطبون ياسر عرفات أو محمود عباس بصفة "مستر"،يصر ممثلنا علي "هذا الرجل"أوالمدعي في مخاطبة اوكامبو.ولا استبعد أن يكون اوكامبو قد اعطي لقضيته مع الرئيس السوداني بعدا ذاتيا بسبب اسلوب الممثل السوداني.وقبل ساعات استمعت له وهو يبادر بادخال كلمة"عهر سياسي" الي اروقة الاممالمتحدة وياله من سبق عظيم ومساهمة في الدبلوماسية العالمية يفخر بها السودان. وبالمناسبة نطق الكلمة خطأ امام اعلام كل الكرة الارضية.