صدر مؤخراً عن دار سندباد للنشر بالقاهرة كتاب بنات الخرطوم للصحفية سارة منصور المقيمة بالولايات المتحدةالأمريكية. و يحكي الكتاب, الذي يقع في 110 صفحة من القطع الصغير, حفنة قصص معظمها عن الخيانة الزوجية والانحرافات الجنسية لفتيات وسيدات سودانيات يقمن في مناطق مختلفة من السودان والعالم. شكلت هذه القصص الركيزة الأساسية التي بنت عليها الأستاذة سارة منصور فرضيتها بتداعي المجتمع السوداني الذي نخره الفساد الأخلاقي من الداخل حتى أصبح على حافة الانهيار. و هذا قول مردود خاصة أننا في بلد لا يعرف الإحصائيات الدقيقة التي تعطي المؤشر الصحيح لدراسة و علاج الظواهر العامة. كما أن واقع الحال في الشارع السوداني, على علاته, يناقض هذه الفرضية التي تجنت إلى حدٍ كبير على السودانيات اللائي مازلن يضربن المثال في الاستقامة و لا يضيرهن إعوجاج البعض. هذه القصص لا سند لها, فهي مجرد حكي شفاهي. و لا يملك القاريء إلا أن يصنفها في خانة الإثارة التي هي هدف طالبي الأضواء. نحن لا نعيش في مجتمع فاضل و يمكن علاج أخطائنا بطرق أخرى تنأى عن الإثارة و التشويه و تكون أكثر نجاعة. هذا الكتاب يمثل إهاناتٍ ثلاث. الأولى إهانة لوطنٍ لا يُشينه جنوح ثلة من السافرين ارتضوا لأنفسهم الزلل و عيش العطن و التمرغ في وحل الآثام. و الثانية إهانة لفطنة القاريء الذي خدعه عنوان لايعبر عن القصص المسرودة بين دفتي الكتاب و الثالثة إهانة للكاتبة التي ارتضت أن تعبيء قلمها حبراً لتخط به عبارات لا تملك إلا أن تقرأها سراً بعد أن تتلفت يمنةً و يسرة خشية أن تخدش حياء من هم حولك. فلغة الكتاب الموغلة في العامية تكشف عن رداءة الصنعة و ركاكة المحتوى الذي مال تارةً إلى التلميح الذي يشي دون الحاجة إلى ذكاء كبير بالملمَّح به, و التعريض الصريح تارةً أخرى بأسماء من وصمتهم بما هو أنكى من ضرب الرقاب, و إن حدث. فمن ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الآخرة. و هي سترة غير مجزوءة و لا تحدها شروط. ربما مست يد الإيقاع المتسارع لهذا العصر بعض ملامح قيمنا و تقاليدنا التي هي تاج على رؤوسنا بالتغيير فانعكس ذلك على الشارع العام الذي شانته بعض المظاهر السلبية, و هي مظاهر نشاز و ليست سائدة. و مع ذلك فالخرطوم تبقى هي الأنقى و الأطهر مقارنةً بمدن يتبعك فيها القوادون من صالة القدوم و حتى يوم المغادرة. فسائقو التاكسي يعرضون عليك ما لديهم من بضاعة هي الأقدم في التاريخ بعد عبارات الترحيب مباشرةً مصحوبة بعرض السكن و صور الغواني. فإن افلحت في الافلات منهم, يلقاك أحدهم في الطريق هاشاً باشاً حتى تظن أنك في إحدى قرى السودان حيث يكثر السلام الذي يزيد المعرفة ثم يلمزك بعبارات تثير الغرائز. فإن خلجت نفسك لبرهة عاجلك بالبوم الصور الذي يحمله في جيبه الخلفي موضحاً أنه يحتوي على فتيات بعمر الزهور و من جنسيات مختلفة. أما إن لذت بشقتك و غلَّقت الأبواب, تأتيك طوارق الليل و النهار بالحجة تلو الحجة كي تنال منك مبتغاها. و في مدنٍ أخرى تحجب النساء باسم العفة في البيوت و تعرى أخريات في شاليهات بنيت جهراً لطالبي الهوى. و هؤلاء يرتدون مسوح النفاق و هو أخزى. أين الخرطوم من هذه المدن؟ يكفي أن خطايانا مستترة, و هي سنَّة واجبة. و يكفي أن ما هو منشور من غثنا في اليوتيوب و صفحات النت يتضاءل إلى حد الاختفاء بين ركام الآخرين الذي يزكم الأنوف. و يكفي الخرطوم أنها ليست قبلةً لطالبي المتعة الرخيصة في مواسم العطلات حين تتنافس العواصم بل قل القواصم في التزين لطالبيها و نحن براء. مازالت العفة تكسي نساء بلادي, وحدها عين السخط تتبدى لها المساويء و تغفل عن فضائلٍ هي الغالبة في مجتمعنا و لله الحمد.