ثم ماذا فعل الحزب الشيوعي ؟، وما هو الخطر الذي يمثله الحزب الشيوعي ، هو أقل الأحزاب إلحاقاً بالضرر لهذا الوطن المنهوب ، ماذا فعل الشيوعيون ؟، هل نهبوا المال العام؟ ، أليس من نهبوا أموال الشعب أوْلي بالمحاربة والتصدي والتكفير ، لماذا لا يعلن هؤلاء المتأسلمون الحرب علي الثراء الفاحش ، أم أنهم يسعون إلي نفس الثراء بالتقرب من النظام ، الشيوعيون قوم مساكين ، يجمعون المال بشق الأنفس لفتح دار هنا أو مركز هناك ، بينما يجمعه غيرهم بقتل الأنفس لبناء القصور المنيفة وإمتلاك العربات الفارهة ونكاح الحسناوات مثني وثلاث ورباع ، إن ساحات الحرب الحقيقية مفتوحة الجبهات ، خالية الأجواء ، حيث يغتني الأثرياء ، ويُثري الأغنياء ، تُنهب البلاد ويُظلم العباد ، يتآمر فيها المتغلبون ، (وطنياً) و (شعبياً) ، يعيثون في الأرض فساداً ، في وطن ذي مسغبة ، وشعب ذي متربة ، يهلِكون مالاً لُبَدا ، لا يخشون عقبة ، ولا يفكون رقبة ، كأن لن يقدر عليهم أحد ، تلك معركة التواصي بالصبر وبالمرحمة ، فإلي تلك المعارك يجب أن تُعد القوة وأن تشد الرحال ، وأن تجهز جيوش العُسرة. أما ما يحدث الآن فمعركة في غير معترك ، أتركوا الحزب الشيوعي في حاله ، فهو لا يحتاج إلي يد عمرو لمحاربته ، فقد أعلن الحرب علي نفسه منذ عقود ، وما زال يجتهد في هزيمة نفسه بنفسه ، بيده لا بيد غيره . أما مصيبة الحزب الأخري فتتمثل في أعضائه السابقين ، خوارج الحزب ، كان ذلك الخروج من تلقاء أنفسهم أو مفصولين ، كان ذلك الفصل إعتسافاً أو محقاً ، فهم في كلا الحالين يشعرون بالفراغ الكامل بمجرد خروجهم من باب الحزب ، وفوراً يبدؤون في إكتساب شهرتهم المرجوة بالهجوم علي الحزب وأعضائه ، رفقاء الأمس ، يخرج أحدهم من دائرة الحزب ، وبعد أسبوع واحد يبدأ في بناء مجده النضالي الجديد بالقول في الحزب ما لم يقله مالكٌ في الخمر ، فجأة يصاب الواحد منهم بإفتقار فكري ، وإرتباك عقلي ، وخواء أدبي ، ويصاب بأنيميا حادة يتحول معها إلي كسيح سياسي لا يتمكن من الوقوف والثبات علي رأي ، ولا يتمكن من مغادرة ظل الحزب الشيوعي ، فيقف هناك ، ينظر بعين إلي باب الحزب ، ويتطلع بالعين الثانية إلي أبواب أخري ، في ظاهرها الرحمة ، ولكن أين له أن يعرف ماذا في باطنها ، وعندما يحاول إستعدال لسانه من أقصي اليسار في فمه إلي الوسط ، أو أن يميل به ناحية اليمين قليلاً ، فلا يستطيع الحديث بعيداً عن أدب الشيوعية والحزب الشيوعي ، ولذلك يبقي ضيق الصدر ، قريب الإنفعال والتشنج ، يثور بأتفه الأسباب ، يصل في خصوماته مرحلة فاحشة ، وبدلاً من إظهار إيجابيات إنتمائه الجديد ، وإقناع الناس بما جذبه في هذا التوجه ، يقضي أحدهم الوقت وهو ينشر سلبيات حزبه السابق ، ويحوّل أصدقاء الأمس إلي أعداء لدودين لا أمان لهم ، ويخلق منهم مرامي ، يصوّب إليها سهامه السنينة ، التي تدرب علي رميها داخل (ميدان) الحزب ، حتي أشتد ساعده ، فرمي الحزب ، ثم أنه ، وبصورة عنيفة ، يشخصن المسائل ، وربما إنتهي به الحال إلي الخوض في مسائل لا علاقة لها بالسياسة ولا بالفكر ولا بالنضال ، وهكذا تمتلأ الساحة بينه وبين أعضاء الحزب ، الذين لم (يتخارجوا) بعد ، بمراشقات بغيضة ، يُتبادل فيها الإتهامات من كل شاكلة ، فلا يُفيد ولا يستفيد ، أما ما يحدث بينه وبين الآخرين من غير أعضاء حزبه فيثير الشفقة ، إذ يتعمد البعض إلي إثارته بكلمة هنا أو جملة هناك ، فيندفع كالسيل ، دون تأني ولا تبصر ، ويطلق الأحكام يميناً ويساراً ، أحكام تتسم في غالبها بالعجلة والإبتسار ، فاقدة للدقة والتحري ، وربما لخص صاحبنا أسباب مغادرته لصفوف الحزب بالقول بأن الحزب يدار بطريقة دكتاتورية ، ودوغمائية ، وأنه أي الحزب لايقبل النقد والنقد الذاتي ، وأنه يمارس إغتيال الشخصية ، وأنه هو أي صاحبنا لم يترك سبيلاً للإصلاح من داخل الحزب ، وأنه قال وقال ، وفعل وفعل ، ولما أعيته الحيلة ترك الحزب غير آسف ، يقول كل ذلك ، ثم تجده أكثر الناس رفضاً للنقد ، وضيقاً بالرأي الآخر ، وأنا هنا بالتأكيد لا أعمم ، ولا أشمل بكلامي كل من ترك الحزب ، أوفصله الحزب ، فمنهم الأسوياء الأقوياء العاقلون ، الذين لا تهزهم المواقف ، ولا يصيبهم التغيير بهزال ، إنما أعني نموذج معين ، يفشل في أن يكون ناقداً فيكون عدواً ، وإن المرء ليتساءل ، كيف يعيش الإنسان جل حياته مؤمناً بفكر ، مدافعاً عنه ، متحدثاً بإسمه ، مقتنعاًً به ، داعياً إليه ، ثم فجأة ينحرف 180 درجة فيقف في الجانب الآخر ، ويكيل السباب لفكره الذي نشأ عليه ، وإقتات من غذائه العقلي حيناً من الدهر ، ويصف أعضاء حزبه (السابق) بكل موبقة سياسية وأخلاقية وإجتماعية ، ولا ينتبه الي أنه في كل ذلك يتحدث عن نفسه بالأمس القريب ، فمن المستحيل أن يتمكن الإنسان من إعادة صياغة كيانه كاملاً في أسبوع ، أو شهر ، أو حتي سنة ، إلاّ إنها عقدة الحزب الشيوعي ، التي تتملك أعدائه وأعضائه ، والغريب أن بعض خوارج الحزب ، منذ صاحب الخطي ، رحمه الله ، بمجرد مغادرتهم مقاعد الحزب ، يتنصلون من تاريخهم ، ويرمون به علي عاتق القدَر ، ويعتبرون ذلك التاريخ الطويل ، خطيً كُتبت عليهم ، هكذا ، ومن كُتبت عليه خطي مشاها . مسكين ، الحزب الشيوعي السوداني . Mohamed fageer [[email protected]]