عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. الحاردلو وودشوراني عندي و عند الكثيرين أعمدة شاهقة من أعمدة الادب الشعبي في السودان، ومما يدهش في شعر هؤلاء العباقرة هو ارتيادهم لافاق بعيدة في سماء المعاني و شواردها ، سواء كانت غير مطروقة أو سبق التطرق لها من شعراء سابقين تفصل بينهم و بين شاعرينا الاف السنون. عنت لي هذه الخاطرة وانا أمر علي أبيات أبو شهاب الاكلبي الدمشقي الذي عاش في القرن الخامس الهجري والتي يقول فيها: قالوا هجرت الشعر، قلت ضرورة باب الدواعي و البواعث مغلق خلت الديار فلا كريم يرتجي منه النوال ولا مليح يعشق و أومضت في خاطري في التو مربوعة ود شوراني التي يبتدرها بقوله: نظرة المنو للقانون بقيت أتحدي فتحت عندي منطقة الغني الانسد و قبل ان أكمل تعجبي من التشابه بين افتتاحية الشاعرين علي اختلاف الازمنة والامكنة و الظروف ، وردت علي خاطري رباعية الحاردلو الاشهر: الخبر الأكيد الليلة أحمد جابو قال الوادي سال و أتقرنن تبابو كان سألونا قاعدنا شن أسبابو لا مصروف، ولا زولا بنتسالابو وردت علي خاطري هذه الرباعية و فغرت فاه الدهشة عندي ، هل يمكن ان يصل التطابق والتشابه الي هذه الدرجة و بمحض الصدفة؟ أم ان الشاعر اضطلع علي أبيات أبي شهاب الاكلبي!! أم أن الشعراء ينهلون من نفس المنبع ويأخذون قبسهم من نفس النار!!! عنترة العبسي قبل ما ينيف علي الالف سنة أعلن نهاية دولة الشعر و نضوب بحر المعاني: هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم و أبو نواس دعي الي تجديد أغراض الشعر و لم يخف سأمه من تكرار المعاني نفسها و اعادتها من شاعر الي شاعر: دَعِ الوقوفَ على رَسْمٍ وأطْلالِ ودِمْنَة ٍكسَحيقِ اليَمْنَة ِ البالي و بعدهم ظن الناس أن شمس الشعر قد غربت و ان معانيه قد استنفدت، حتي أتي الشاعر الاسباني لوركا فنفخ فيه الروح و اعاد اليه الأجنحة و السماء الفسيحة. عباس العقاد أكد علي سطوة الشعر و جبروته و انه يستمد سحره من عوالم بعيدة لا تنتمي الي عالمنا: الشعر من نفس الرحمن مقتبس و الشاعر الفذ بين الناس رحمن أما الحاردلو فيدعي ان الشعر العظيم يكون علي قدر قامة (ما) و (من) يستحقه و يبعثه من مراقده: طول بالعسين قانص بدور كلبي مالقيت مستحق نمي ونوادر قلبي و يضيف ان الظرف الموضوعي من دعة و راحة بال هو ما يجلب الشعر من عيون المها والا كان (نمة مربوقة): أكت في جقدلة و فاقة و شوية روقة لي الدنية باسمة، العندي مي ممحوقة شن معناها هسع نمتي المربوقة كان يا الليلة في قيد الحياة ود دوقة نما مو ملتق كان بجدعو فوقها. سواء تطابقت المعاني أو تواقعت وقع الحافر علي الحافر، المؤكد ان الشعراء في دمشق الفيحاء او في البطانة الخضراء او في قرطبة الزهراء سيغزلون المعاني علي أضواء النجوم البعيدة و يخصبون الغيوم بقلقهم و توقهم الي كشف الحجب حتي تمطر و تنبت أزهار الحب و الحنين و تشعل في نفس الوقت الاماكن بلهيب الاسئلة الحارقة.