«الأولاد يسقطون في فخ العميد».. مصر تهزم جنوب أفريقيا    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر الشهيرة "ماما كوكي" تكشف عن اسم صديقتها "الجاسوسة" التي قامت بنقل أخبار منزلها لعدوها اللدود وتفتح النار عليها: (قبضوك في حضن رجل داخل الترام)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرع طريقة لإسقاط النظام! (ج1) .. بقلم: عبدالرحمن علي
نشر في سودانيل يوم 23 - 12 - 2016

عواطفنا الهوجاء: اغتيال السفير الروسي .. وفكرة الخروج على الحاكم!
عبدالرحمن علي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
- جهل العوام بمعنى الانتماء "لأهل السنة والجماعة"
- اختراق الخوارج لمجتمعات أهل السنة عبر عشرات التنظيمات والجماعات
- ضياع المسلمين بين ضلالات "الإسلاميين" وأباطيل "اليساريين"
بسرعة تناقلنا الخبر .. وتم "تشيير" (تبادل) الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي (واتساب، فيسبوك، تويتر إلخ.) .. تم اغتيال السفير الروسي بالرصاص أمام الكاميرات، وردَّد قاتله التركي صيحات التكبير وخطب في الحشد المذهول بأن ذلك انتقام لما يتعرض له المسلمون من إبادة في حلب. وكان هذا بالطبع كافياً لكي ينبري أصحاب التعليقات، مباركين ومشيدين بهذا العمل الإجرامي. إنها عواطفنا الهوجاء الجاهلة التي جعلت العوام – في غياب العلم والعلماء- يفرحون بما جرى، ويعتبرون القاتل شهيداً، متجاهلين الوعيد الشديد الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام لمن قتل المُسْتأمَنين والمُعَاهَدين (غير المسلمين الذين دخلوا البلاد بالأمان) إذ قال: "من قتل مُعاهَداً لم يَرِح رائحة الجنة، وإن ريحها تُوجد من مسيرة أربعين عاماً" [رواه البخاري]. وفي ظل الحنق والرغبة في الانتقام لمجازر حلب، فإن كل من يدين قتل السفير ويعتبره معصية لله وفعلاً محرّماً، قد يتهمه الجاهلون العاطفيون بالتخاذل، بل وبالعمالة للروس في عدوانهم على السوريين.
وهذا ليس النموذج الوحيد لتقديم عواطف العوام وأهوائهم على نصوص الكتاب والسنة، فقد أيَّد العوام أحداث سبتمبر 2001، عندما قام عدد من شباب الخوارج (تنظيم القاعدة) قبل أكثر من 15 عاماً بدخول الولايات المتحدة بالتأشيرات (وهي مواثيق أمان بين الدولة والزائر من الناحية الشرعية) والغدر بالعهد من خلال استهداف وقتل الأنفس المعصومة في برج التجارة العالمي و كذلك في الطائرات التي قادها الخوارج، الذين استغلهم "المدبرون الحقيقيون" لضرب الإسلام والمسلمين، واحتلال بلادهم.
دائماً تسيّرنا عواطفنا، والبرمجة الإعلامية التحريضية، دون أن نسعى للعلم بالحكم الشرعي في النوازل التي تقع في حياتنا، وأحياناً حتى بعد أن يبلُغنا الحكم الشرعي بالدليل من الكتاب والسنة، يعارض البعض تلك النصوص الواضحة لأنها لا تتفق مع هواه، وعاطفته، ونظرته للأمور.
على أن المعارضين للكتاب والسنة ليسوا فقط من العوام الجهال، بل فيهم كثير ممن يُسمَّوْن ب"الإسلاميين" سواءً كانوا من السياسيين أو من الدعاةً/الوعّاظ المتحمّسين والمتعالِمين، الذين لا يختلفون كثيراً عن العوام في تعاطيهم الأحمق مع الأحداث. وهؤلاء الذين يُسمَّوْن ب"الإسلاميين" فيهم المخلص الأبله، والساذج الجاهل، و"المغفّل النافع لأعداء الإسلام"، الذي هو أقرب "للدبة التي قتلت صاحبها"، وفيهم كثير من أصحاب الأغراض الحزبية والدنيوية الضيقة ممن "يتاجرون باسم الدين"، لتتحول انحرافاتهم وفضائحهم إلى رصيد يتاجر به "تجار اللادين المتاجرين بتجار الدين"، وهم العالمانيون (دعاة العالم الدنيوي اللاديني) واليساريون الذين خدعوا الجماهير بشعارات "الحرية" و"الديمقراطية" و "حقوق الإنسان".. تماماً كما خدع "الإسلاميون" الناس بشعارات "تحكيم الشريعة" و "الحاكمية".
لقد قالها الزعيم الإخواني الدكتور حسن الترابي (1932-2016) بكل بصراحة منذ السبعينيات: " من حسن حظنا في السودان أننا في بلد ضعيف التاريخ والثقافة الإسلامية الموروثة، وقد تبدو تلك لأول وهلة نقمة، ولعلها ببعض الوجوه نعمة! إذ لا تقوم مقاومة شرسة لتقدم الإسلام المتجدد" [كتاب قضايا التجديد - نحو منهج أصولي، نقلاً عن محاضرة "تجديد أصول الفقه"].
فلماذا إذاً نستغرب نجاح الترابي و"الحركة الإسلامية" في خداع السودانيين واستغلال عواطفهم الدينية، تماماً كما فعلت الطرق الصوفية التي تاجرت بحب السودانيين لدينهم، في غياب أو انقراض النماذج الصوفية السُنيّة المشرقة من طراز عبدالقادر الجيلاني (1078-1166م)؟
وفي ظل غياب العلم، وغياب الصوفية من أمثال عبدالقادر الجيلاني، لماذا نندهش من جرأة الطرق الصوفية السودانية على تسويق مفاهيم شيعية خطيرة – لا نجدها حتى في بعض صوفية البلاد الأخرى- مثل القول بأن الله أعطى أحد الأولياء ملكية الكون لمدة 33 عاماً: " ومنهم الشيخ الطيب بن البشير رضي الله عنه، رّبنا ملّكه الكون ثلاثة وثلاثين سنة لم يضّيع فيه جناح بعوضة" [كتاب مفتاح البصائر، الفصل الأول: ص 12 من الطبعة التي حققها د.كمبال]؟
ولماذا إذاً نستغرب انضمام بعض الشباب ل"داعش" (إحدى مجموعات الخوارج المعاصرة) وسط كل هذا البحر من الجهل؟ إن المناهج الدراسية، وخصوصاً مناهج التربية الإسلامية لا يخرج الطالب منها بفكرة واضحة عن معنى "لا إله إلا الله" ناهيك عن نواقضها، بل ولا يعلم شيئاً عن الضوابط الشرعية الصارمة التي تمنع فوضى الإكفار (التكفير) المنتشرة اليوم. كما إن المناهج الدراسية لا تُسعِف المسلم لمعرفة الفرق الذي يميّز "أهل السنة والجماعة" عن الخوارج الذين خالفوا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم في مسألتين أساسيتين هما: "تحريم الخروج على الحاكم الظالم المسلم" و"عدم تكفير مرتكب الكبيرة غير المستحل"؟
ونظراً لأن الخوارج – خلافاً للشيعة - يعيشون وسط مجتمعات السنة، ويشبهونهم في طريقة الصلاة وقواسم مشتركة كثيرة، فإن غالبية الناس يظنون بأن أتباع التنظيمات والجماعات الإخوانية المتشبعين بفكر "سيد قطب" التكفيري [جماعة الإخوان الأم وبخاصة التنظيم الخاص، والسروريون (إخوان بالنكهة والشعارات السلفية)،و حزب التحرير، و جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)، والجماعة الإسلامية المصرية، وتنظيم الجهاد، وتنظيم القاعدة، وجبهة النُصرة، وتنظيم داعش، وحركة الشباب الصومالية، وحركة "بوكو حرام" النيجيرية وغيرها]، يظنون بأنهم مجرد سنيين متطرفين ولا يدركون بأنهم ينتمون لطائفة الخوارج التي انشقَّت ببدعتها قبل انشقاق الشيعة.
وللأسف، فمع انتشار الجهل، فضلاً عن المعلومات المُضلِّلة والمغلوطة التي ينشرها التكفيريون عبر الفضائيات، فإن الكثير من عوام أهل السنة لا يعلمون بأنهم من حيث لا يشعرون يشاركون الدواعش (أحدث فروع الخوارج المعاصرين) في الاعتقاد بجواز الخروج للإطاحة بحكام المسلمين الظالمين. وهذه المسألة تحديداً من الحدود الفاصلة بين أهل السنة والجماعة ومذهب الخوارج التكفيريين. وللأسف فإن معظم عوام أهل السنة - وهذا يشمل المثقفين وخريجي الجامعات وأصحاب الدرجات العليا- ليست لديهم أدنى فكرة عن تحريم الخروج على الحكام ولا يعرفون بوضوح معنى انتمائهم لأهل السنة والجماعة.
تحريم الخروج: قضية سياسية في كتب العقيدة
وقد نقل العلماء انعقاد إجماع أهل السنة والجماعة على عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم مهما بلغ ظلمه، وحتى لو اغتصب السلطة بدون رضا الشعب، وذلك بناءاً على عشرات الأحاديث النبوية التي تحرِّم الخروج والثورة. بل وأصبحت هذه القضية الفقهية السياسية الفاصلة بين أهل السنة والخوارج من المسائل المُبَوَّبَة في كتب عقيدة أهل السنة والجماعة كما في "متن العقيدة الطحاوية بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" للإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي (853-935م) الذي قال:
"95-ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا،
ولا ندعوا عليهم،
ولا ننزع يداً من طاعتهم،
ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية،
وندعو لهم بالصلاح والمعافاة". [ص 27-ط. ابن حزم] ، وقد وصف الإمام السبكي متن العقيدة الطحاوية بقوله : "جمهور المذاهب الأربعة على الحق يقرؤون عقيدة الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفاً وخلفاً بالقبول " [معيد النعم ومبيد النقم، ص22].
وفي سياق بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي (الشهير بلقب "مالك الصغير"):
" والسمع والطاعة لأئمة المسلمين وكلِّ من وَلِيَ أمر المسلمين،
عن رضا أو عن غَلَبة،
واشتدَّت وطأته من برٍّ أو فاجر،
فلا يُخرَج عليه،
جار أو عَدَل"، ولكي لا يشك أحد في أن تحريم الخروج من عقيدة أهل السنة والجماعة وأنه مذهب الإمام مالك قال القيرواني: "وكلُّ ما قدمنا ذِكرَه فهو قول أهل السنة، وأئمة الناس في الفقه والحديث على ما بيّناه، وكلُّهُ قول مالك، فمنه منصوص من قوله ومنه معلوم من مذهبه".
إجماع أهل السنة بتحريم الخروج
وقال الإمام أحمد بن حنبل: «أجمع سبعون رجلاً من التابعين وأئمة المسلمين وأئمة السلف وفقهاء الأمصار، على أن السنة التي توفي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وذكر الإمام أحمد أن منها: «والصبر تحت لواء السلطان على ما كان منه من عدل أو جور، ولا نخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا» [مناقب الإمام أحمد للجوزي، ص 228؛ جلاء العينين للألوسي، ص226].
بل ووصف الإمام أحمد بن حنبل من يخرج على الحاكم المسلم بأنه مبتدع خارج عن السنة، إذ قال: "ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين،
وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة،
بأي وضع كان، بالرضا أو بالغلبة،
فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين،
وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فان مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
ولا يحل قتال السلطان،
ولا الخروج عليه لأحد من الناس؛
فمن فعل ذلك فهو مبتدع،
على غير السنة والطريق" [أصول السنة، ص 45]
وأما الإمام الآجُرِّي فقد وصف مبدأ الخروج على الحاكم المسلم بأنه مذهب الخوارج حيث قال: "قد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج
ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عز وجل الكريم عن مذهب الخوارج،
ولم يرَ رأيهم،
وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء،
ولم يخرج عليهم بسيفه،
وسأل الله العظيم أن يكشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين،
ودعا للولاة بالصلاح وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين،
وصلى خلفهم الجمعة والعيدين.
وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم؛
وإن لم يمكنه اعتذر إليهم،
وإن أمروه بمعصية لم يطعهم،
وإذا دارت بينهم الفتن،
لزم بيته،
وكف لسانه ويده،
ولم يهوَ ما هم فيه،
ولم يُعِن على فتنة.
فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله تعالى" [الشريعة للآجري، ص 42]
ومهما بلغ ظلم الحاكم، حذّر الإمام الآجُرِّي من الانضمام للخوارج عليه، او حتى التحريض على الخروج فقال: "من أُمِّر عليك من عربي أو غيره، أسود أو أبيض، أو أعجمي،
فأطعه فيما ليس لله عَزَّ وَجَلَّ فيه معصية،
وإن ظلمك حقًّا لك،
وإن ضربكَ ظلمًا،
وانتهكَ عرضك،
وأخذ مالك،
فلا يَحملك ذَلِكَ عَلَى أنه يَخرج عليه سيفك حتَّى تقاتله،
ولا تَخرج مع خارجي حتَّى تقاتله،
ولا تُحرِّض غيرك عَلَى الخروج عليه، ولكن اصبر عليه" [الشريعة للآجري، ص 40]
قال الإمام أبو الحسن الأشعري: «الإجماع الخامس والأربعون:
وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين،
وعلى أن كل من ولِيَ شيئا من أمورهم،
عن رضى أو غلبة،
وامتدت طاعته،
من بَرٍّ وفاجر،
لا يلزم الخروج عليهم بالسيف، جار أو عدل»
[رسالة لأهل الثغور للأشعري، ص 168].
قال الإمام النووي الشافعي رحمه الله: «أما الخروج عليهم،
وقتالهم،
فحرام بإجماع المسلمين،
وإن كانوا فسقة ظالمين.
وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته،
وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق،
وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضا،
فغلطٌ من قائِله،
مخالفٌ للإجماع.
قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه» [شرح صحيح مسلم للنووي، ج 12/ص 229].
كما نقل الإجماع الحافظ ابن حجر العسقلاني إذ قال: "وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب، والجهاد معه، وأنّ طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء" [فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، ج 13/ص 7].
مرض الهوى وراء ظاهرة "اعتقد ثم استدل"
كل هذا الإجماع لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة الامتثال للعشرات من أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الصريحة في تحريم محاولة إسقاط الحاكم المسلم مهما كان ظلمه (عدّها البعض بأكثر من 100 حديث). ومن الملاحظ أنه لا يوجد حديث واحد يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً بالخروج على الحاكم المسلم الظالم. وكل الأحاديث الواردة في الباب يصف فيها النبي واقع الحكام الظلمة وفسقهم، ونهبهم للأموال (الأثَرة) في المستقبل، فيسأل الصحابة نبيهم عما إذا كان بوسعهم الخروج على الحكام الظلمة، فينهاهم النبي عن ذلك الخروج ويقيده بأن يروا من الحاكم الكفر البواح الذي لهم فيه من الله برهان. ويمكن للقارئ العثور على كثير من تلك الأحاديث في صحيح مسلم، ضمن "كِتَاب الْإِمَارَةِ- بَاب فِي طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَإِنْ مَنَعُوا الْحُقُوقَ". ومن الأمثلة ما يلي:
حديث حذيفة (رضي الله عنه) يتنبأ فيه رسولنا الكريم بظهور نوعية منحرفة من الحكام يستعينون على مظالمهم برجال "كالشياطين". ولنتأمل الوصية النبوية للتعامل مع تلك النوعية من الحكام الظَلَمَة ..
فقد جاء في حديث حذيفة -رضي الله عنه – قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي،
ولا يستنون بسنتي،
وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس،
قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟
قال: تسمع وتطيع للأمير،
وإن ضرب ظهرك،
وأخذ مالك؛
فاسمع وأطع". [صحيح مسلم: رقم 1847]
وعن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه، قال:
"سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال:
يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟
فأعرض عنه.
ثم سأله فأعرض عنه.
ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس،
وقال: " اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم "
[صحيح مسلم: رقم 3439]
هذان الحديثان نموذج لطائفة من الأحاديث المماثلة. وكان من المفترض أن يكون كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) الصريح كافياً لإخراس الاعتراضات، ولكن النفوس التي فيها مرض الهوى، أو التي تقدّم العاطفة والرأي الشخصي على نصوص الوحي لا يكفيها ألف دليل لأنها لا تتعامل مع النص بذهن مفتوح بل تأتي بفكرة مسبقة ثم تحاول تبريرها (ظاهرة: اعتقد ثم استدل)، من خلال تحريف النصوص أو البحث عن ثغرات ركيكة كالأقوال الشاذة للمتأخرين أو محاولة الاستدلال بأحداث تاريخية مبتورة عن سياقها – منسوبة لصحابة أو تابعين- لتُعارِض بشبهاتها أوامر النبي الصريحة القاطعة وإجماع أهل السنة والجماعة على دلالتها.
نادي عشاق الثورات والخروج على الحكام
بسبب الجهل، والعاطفة، والمُسَلَّمات الخاطئة، فإن أوامر النبي (صلى الله عليه وسلم) بتحريم الخروج على الحكام الظالمين مرفوضة ومستفزة جداً لأصناف من الناس مثل:
1- عوام الناس المنجرفين خلف عواطفهم وخلف كل ديماغوجي ناعق، دون علم بالأحكام الشرعية، في ظل استفزاز المظالم، والأوضاع المعيشية الخانقة، والتحريض من الصنفين الآخَرَيْن أدناه.
2- أصحاب العقائد والأيديولوجيات اللادينية ذات الجذور اليهودية الماسونية، لأن تلك العقائد تؤمن بأن فكرة الثورة على الحاكم مبدأ مقدس إذا كان الحاكم من خارج حزبهم اليساري (الشيوعي، أو القومي إلخ.) أو العالماني أو الليبرالي. وأما إذا كان الحاكم من حزبهم وجماعتهم فإنهم يبيحون سحق الشعب وإبادته، كما نرى في تعاطف البعثيين اليوم مع ما يقوم به بشار الأسد في سوريا، أو ما قام به الشيوعيون قديماً من سحق للثورات المناوئة لديكتاتورياتهم. لقد اشتهر اليهود تاريخياً بأمرين "رأس المال" و "إشعال الثورات"، ولذلك فقد أشعل اليهود الثورة ضد الخليفة عثمان رضي الله عنه (عام 35ه: 656م)، كما أشعلوا الثورة الفرنسية (1798) بالتعاون مع عبيدهم الماسونيين، كما أشعلوا وقادوا الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا (1917)، وقبلها أطاحوا بالسلطان عبدالحميد (1908) سلطان الدولة العثمانية بانقلاب عسكري تعاون فيه اليهود والماسون، وانتهى بإلغاء الخلافة عام 1924.
3- الخوارج (وكذلك الشيعة): وهم الصنف الأخطر على المسلمين – بسبب غطائهم الديني- وقد بدأ الخوارج أول ثورة في تاريخ المسلمين (عام 35ه: 656م) بتدبير من اليهودي عبدالله بن سبأ (و. 700م) مؤسس مذهبي الخوارج والشيعة. فقد نظم ابن سبأ الجيوش الثلاثة من الثائرين على الخليفة عثمان (رضي الله عنه) حتى قتلوه في ثورة يعتبرها زعيم الإخوان والدواعش سيد قطب (1906-1966م) بأنها كانت في عمومها "فورةً من روح الإسلام"! [العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص 160] ولعل سيد قطب الذي انتقل من الإلحاد والانتماء لليسارية والماسونية إلى مرحلة الحماس للإسلام قد تأثر بالرواسب الثورية لليساريين والماسونيين لكونه لم يحصل على تعليمٍ شرعيٍ منهجيٍ أو ثقافة إسلامية نقية. ولم يكتفِ سيد قطب بالتحريض على الخروج، ولكنه نشر فكر الخوارج بتكفيره لجميع المسلمين في هذا العصر، واتهامهم بالردة، بمن فيهم المؤذنون، كما جاء في "تفسيره" المسمى ب"ظلال القرآن". ومع ذلك فإن هذا الأديب المتحمّس قد أصبح أيقونة مقدّسة عند الطوائف الإخوانية، بمن فيهم من يرفعون شعارات السلفية (السروريون) أو ما يسمى ب"السلفية الجهادية" التي يعتنقها إخوانيو تنظيمات الجهاد، والقاعدة، وجبهة النصرة، وداعش، وبوكوحرام وغيرها، هذا فضلاً عن المنظمات والاتحادات الإخوانية كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وقد أدى تبني الإخوان لفكر الخوارج وأساليب الثوريين اليساريين إلى كوارث وفتن عظمى، واغتيالات، وإرهاب، وحروب هائلة في تاريخ المسلمين الحديث أُزْهِقَت فيها الأرواح، وانتُهِكَت الأعراض، ونُهِبَت الأموال، ودفع ثمنها الضحايا من عموم المسلمين فضلاً عن المُغرَّر بهم من حملة الفكر الإخواني. ويستميت الإخوان – وبخاصة الفرع السروري (ذي النكهة السنية السلفية) – في المراوغة للتهرب من عقيدة أهل السنة بتحريم الخروج على الحاكم المسلم.
ومع ذلك فإن الإخوان تنظيمياً أو فكرياً لا يتورّعون عن التناقض في هذا الباب، جرياً وراء السلطة، والمصلحة السياسية، واتباع الهوى، والعواطف، وضغط الجماهير المتحمسة، كما شاهدنا عندما أجاز الشيخ القرضاوي الخروج على الرئيس مبارك، ثم عندما أوصلت الثورة الإخوان إلى الحكم في مصر، عاد القرضاوي -وكذلك الشيخ محمد حسان- إلى استخدام أحاديث تحريم الخروج على الحاكم لتحريم المظاهرات والخروج على الرئيس الإخواني محمد مرسي، بينما تناقض ما يسمى ب"المدرسة السلفية بالإسكندرية" التي انبثق عنها ما يُعرَف بحزب النور "السلفي" فحرموا الخروج على مبارك قبل يناير 2011 ثم أجازوه بعد اندلاع الثورة، ثم عادوا وحرموا خروج الإخوان على السيسي. هذا حال من يُسمَّوْن ب"الإسلاميين"، فماذا يفعل العوام الضائعون بين مشايخ الفتنة المتخبطين وبين تحريضات اليساريين والعالمانيين؟
وبالرغم من كل الكوارث وحجم الدمار الذي نجم عن الانقلابات والثورات في تاريخ المسلمين المعاصر، بما فيها مآسي ومآلات ما يسمى ب"الربيع العربي" في سوريا، واليمن، وليبيا، و مصر وغيرها، ما زال بعض العوام - فضلاً عن النُخَب المثقفة- بعيدين كل البعد عن الاتعاظ بما جرى وإدراك الحكمة الربانية في تحريم الخروج على الحكام؛ علماً بأنه لو عاد التاريخ بتلك الشعوب المنكوبة "النادمة" لاختاروا عدم الانجراف وراء حمى الثورات المدمّرة.
ولكن يبقى السؤال المطروح في عنوان المقال حول: أسرع طريقة لإسقاط النظام، إلا أن هذه المسألة تحتاج للمزيد من التمهيد قبل عرض الإجابة في الأجزاء التالية إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.