وكالات / قال "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، إن السودان الذي يشهد احتجاجات منذ عدة أسابيع اندلعت في البداية ردًا على رفع أسعار الخبز وانتهت إلى المطالبة بالإطاحة بالرئيس عمر البشير ينتظر عدد من السيناريوهات لتحديد مصيره. وشهدت الاحتجاجات أعمال عنف أسفرت عن سقوط 19 قتيلاً، حسب آخر إحصائية أعلنتها الحكومة، فيما تقول منظمة العفو الدولية إن عدد الضحايا بلغ 37 قتيلاً. وقال تقرير ل"معهد واشنطن" معلقًا على التعامل الحكومي مع الاحتجاجات: "من جانبه تعامل نظام البشير بالكتالوج المعتاد، قمع في الشوارع ومصادرة للصحف وحديث لا ينقطع من جانب إعلام الدولة عن المؤامرات الخارجية، وهو ما لم ينجم عنه سيطرة الحكومة على الوضع، بل على العكس تزداد الأمور تعقيدًا يومًا بعد يوم كما لم تنجح قوى المعارضة حتى الآن في استثمار الانتفاضة الشعبية وتحويلها إلى ثورة حقيقية تطيح بالنظام، وربما يعود ذلك لتركيبة المعارضة المتناحرة نفسها". ولاحظ التقرير أن "أحد إشكالات المعارضة السودانية أنها منقسمة ومتناحرة، حيث تدهورت العلاقة بين التحالفين المعارضين الأكبر في البلاد (تحالف نداء السودان) و(تحالف قوى الإجماع الوطني)، وذلك على الرغم من تعاونهم سابقًا". لذا فقد رأى أنه "من غير المرجح أن تتمكن حركات المعارضة الرسمية السودانية، رغم كونها قديمة، من العمل معا بشكل فعال لبلورة تلك الاحتجاجات في جبهة موحدة ضد النظام الحالي، خاصة في ظل الاختلافات بينهما حول قضايا مثل جنوب السودان وحول كيفية مشاركة أحزاب المعارضة في الحكومة الحالية". ومع ذلك، أشار إلى أنه "لم تمنع تلك الاختلافات قادة المعارضة من دعم الاحتجاجات من حيث المبدأ: فقد طالب حزب نداء السودان، على سبيل المثال، صراحةً بتنحي البشير في ضوء هذه الانتفاضة". فيما لفت إلى موقف جماعة "الإخوان المسلمين" التي ساندت عمر البشير خلال انقلاب عام 1989، قائلاً: "فلا يمكن تحديد بدقة إذا ما كانت داعمة للنظام أم معارضة له، فقد تأرجت مواقفها بين المشاركة في الحكومة والمعارضة لها، فضلاً عن الجماعة ذاتها مثلها مثل باقي التنظيمات بالسودان تعاني من الانشقاقات الداخلية، التي بدأت في أعقاب توقيع "الترابي" وثيقة المصالحة الوطنية مع "النميري" عام 1977 التي فتت الجماعة إلى ثلاث كتل، الكتلة الأساسية و"حركة الإخوان المسلمين و"الجبهة الإسلامية القومية". واعتبر أنه "مما يزيد من تعقيد الدور الذي تلعبه المعارضة السودانية المنظمة في الاحتجاجات، هو قيام البشير باستخدام المعارضة المسلحة كفزاعة تهديد عرقي لدعمه في مواجهة تلك الاحتجاجات. على الرغم من أن هذه الجماعات المسلحة التي تتمركز في دارفور (غربا) ومنطقة النيل الأزرق (جنوبا)، لا تمثل خطرًا على النظام، فقد دأب الرجل تاريخيا على تسويق فكرة أنه الضامن والحامي الأوحد للعرب من تلك الجماعات العرقية المسلحة". وأوضح التقرير أن "هذه التركيبة المفتتة للمعارضة، جعلت من الصعب أن يظهر شخص أو فصيل "يقود" الشارع ويبلور مطالبه إلى نقاط محددة يفاوض عليها، وعلى الرغم من أن هتافات المتظاهرين قد خلقت ضغوطات تطالب بتنحي البشير، إلا أنها في نفس الوقت قد ساهمت في توحيد صفوف مؤيدي البشير". وازاء ذلك، رجح "معهد واشنطن"، أكثر من سيناريو بخصوص الوضع في السودان: "تمثل السيناريو الأول في احتمال تحرك أحد الجنرالات للإطاحة بالبشير من خلال انقلاب عسكري، وهناك اسمين يمكن توقع ذلك منهما حال حدوث ذلك، الأول الجنرال "كمال عبد المعروف" رئيس الأركان، والذي عرف لدى السودانيين بعد دوره في تحرير مدينة هجليج الغنية بالنفط، والواقعة على الحدود الجنوبية، وذلك بعد أسابيع من احتلالها بواسطة دولة جنوب السودان، وقد عُرف عنه انضباطه وسيطرته داخل الجيش، وقد كانت هناك شكوك حول دوره في محاولة الانقلاب الفاشلة التي حاول العميد "ود إبراهيم" القيام بها في نوفمبر 2012″. أما المرشح الثاني للقيام بتلك النقلة – كما يذكر "معهد واشنطن – "هو الجنرال "صلاح قوش" رئيس جهاز المخابرات الذي ترأس جهاز الأمن لخمس سنوات، قبل أن يطيح به البشير من منصبه ويلقيه في السجن على خلفية اتهامه بالضلوع في محاولة الانقلاب. وفي حين فاجأ الرئيس الجميع في عام 2018 بإعادة قوش إلى رئاسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، والمتوقع أن ولاء قوش للرئيس لن يمنعه من المشاركة في أي محاولة انقلابية مستقبلية إذا ما توفرت الظروف المناسبة للقيام لذلك". وقال إنه "لو تحرك أحد الرجلين – وهو احتمال وارد- فالراجح هنا أننا لن نشاهد سيناريو شبيه بسيناريو "سوار الذهب" الذي سلم السلطة للمدنيين،عقب قام بانقلاب عام 1985، إلى القيادة المدنية المنتخبة المتمثلة في "الصادق المهدي"، وذلك بعد الإشراف على الانتخابات الديمقراطية. بل غالبا اننا سنشاهد نسخة ثانية من تجربة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تحرك في أعقاب مظاهرات شعبية عارمة شهدتها مصر، انتهت بانفراده التام بالسلطة". أما السيناريو الثاني – الذي يرسمه التقرير – "وفيه يسلم البشير السلطة لحزب "المؤتمر الوطني" الحاكم ويتولى أحد قيادته الحكم لفترة انتقالية لحين ترتيب الأوراق، والمرشح الأول للقيام بهذا الدور حال حدوثه هو "معتز موسى" رئيس الحكومة نظرا لقرابته وقربه من البشير. فلا يعقل أن يسلم البشير السلطة للأجنحة المعارضة داخل الحزب الحاكم سواء جناح "على عثمان"، النائب السابق للرئيس، أو جناح "نافع على نافع" المؤسس لجهاز المخابرات والأمن الوطني، فكلاهما غير موثوق بيهم من قبل البشير لضمان خروج آمن له ولأسرته". بيد أنه قال إن "هذا السيناريو مرتبط بالظروف الإقليمية والدولية، فلكي يتنحى البشير طوعا يجب أن يكون هناك قرار دولي بذلك – مثل حالة مبارك – وهو الأمر الغير متحقق هنا، فعربيا البشير بدخوله حرب اليمن ضمن دعم السعودية والإمارات له، وبإعطائه جزيرة "سواكن" لتركيا تدريها ضمن رضاء أردوغان، وأخيرا هو الذي اغلق مراكز حزب الله في السودان ويشاع أنه سلم قوائم المتدربين فيها للمخابرات الأمريكية فضلا عن كونه صمام أمان ضد الهجرة غير شرعيه لأوروبا، وعليه فحتى الآن لا يوجد قرار دولي بحتمية رحيله". ورجح أنه "بالنظر إلى الدعم الدولي الضمني الذي يتمتع به النظام السوداني حاليا، وبالنظر إلى شخصية البشير نفسه، يبدو السيناريو الثالث هو الأقرب لتركيبه البشير، وذلك على الرغم من الضغوط الداخلية المطالبة باستقالته". وقال: "فحتى الآن الرجل ينكر وجود مشكله أصلا، ويتعامل مع الأحداث بصفتها مؤامرة من قله مندسة وأنه قادر على تجاوزها، فالبشير يراهن هنا على تفتت القوى المعارضة، وعدم قدرتها على الحشد لعصيان مدني عام، وهو ما يعني شلل الدولة والوصول للنقطة صفر حال حدوثه". فيما أشار إلى أنه "من جانبها تراهن المعارضة على أن عوامل غضب الناس مازالت قائمه وبالتالي حتى لو خفتت تلك الانتفاضة فتفور قريبا مرة أخرى، ويؤمن قياداتها أنه حال الوصول للنقطة صفر – حيث الشلل التام للدولة- فلن يكون أمام البشير إلا الرحيل قسرا". وخلص التقرير إلى أنه "سواء نجح البشير في الالتفاف حولها أم نجحت هي في الإطاحة بيه، فالمؤشرات الأولية تشير إلا أن بقاءه في السلطة أصبح غير مضمون، وأنه حتى وإن تجاوز تلك الهبة الشعبية، فمن الصعب جدا الأن تعديل الدستور في 2020 والسماح له بالبقاء في السلطة لفترات أخرى"، متوقعًا أن "الاحتجاجات الحالية ستؤثر على فترة بقاء البشير في السلطة بطريقة ما أو بأخرى". شارك