شغل السلوك الأمريكي ذهن السياسيين والباحثين في شؤون الاستراتيجية الأمريكية، وكان من الطبيعي أن تحدث هذه التحولات أزمة في فهم السياسة الأمريكية المرتكزة على الإرهاب كعنوان عريض لأجندتها واستطاعت من خلاله تحقيق جزء كبير من مصالحها الاستراتيجية. كثيرون قالوا: إن الإدارة الأمريكية عمدت إلى عولمة الأمن بعد الاقتصاد وخاصة أن مفهوم الأمن ارتبط برؤية طبيعة إدارة الصراعات الدولية ووضع الخطط وفق النظريات التي استهدفت صياغة مفهوم الإرهاب، فالاستراتيجية الأمريكية بدأت بصياغة مفهوم جديد للأمن منذ عقود من الزمان ثم روجت لفكرة الحرب ضد الإرهاب منذ عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الذي أيقظ مشروع الدرع الدفاعي الصاروخي بشكل متزامن مع طرح مفهوم العولمة وشهدنا أول مرة تحركاً انتهجته أمريكا عبر تحالف دولي تشكل بفعل ضغوط من الآلة العسكرية والسياسة الأمريكية التي ضغطت بكل قواها لقيادة حربين تشكلان تحولاً في مفهوم الإرهاب من الإرهاب الجماعي إلى الإرهاب الدولي ونجده ممثلاً بالتحالف الذي تم ضد أفغانستان والعراق. كما نجد أن هناك مصطلحات عديدة تطلقها الإدارة الأمريكية في موضوع الإرهاب وترتبط هذه المصطلحات عادة بمصالحها القومية وتوجهاتها السياسية، وقد بنيت مبادئ السياسة الأمريكية الحديثة في مكافحة الإرهاب على: 1-عدم تقديم تنازلات للإرهابيين وعدم عقد صفقات معهم. 2-تقديم الإرهابيين للعدالة. 3-دعم قدرات مكافحة الإرهاب لتلك الدول التي تعمل مع الولاياتالمتحدة فقط وتحتاج لمساعدة. وقد استطاعت الولاياتالمتحدة توظيف قضية الأمن القومي في حربها على الإرهاب وكان التسويق السياسي والإعلامي هما أداة الولاياتالمتحدةالأمريكية للنفاذ إلى السياسات العالمية وطريقها في حشد الرأي العام واستصدار القرارات الدولية. فالحرب الأمريكية لم تفرق بين التطرف والاعتدال وتعاملت العقلية الأمريكية مع الجميع على أنهم معادون للغرب ولأمريكا وللحليفة الإستراتيجية إسرائيل، وقد صدّعت هذه الحرب مثل ما سبقها العلاقات الدولية ونلمس ذلك في أمرين: الأول: نوع من التردد والحذر من مساندة استخدام القوة العسكرية ضد أفغانستان أولاً والعراق ثانياً. الثاني: نوع من الاتهام الضمني بأن السياسات الأمريكية العالمية مسؤولة عن إثارة العداء ضد الولاياتالمتحدة وأن على الولاياتالمتحدة أن تتأنى في حساباتها وتحركاتها حفاظاً على السلام العالمي. فالحرب الأمريكية على الإرهاب جعلت حقوق الإنسان ضحية الإرهاب، حيث سقط مئات الآلاف من القتلى في أفغانستان والعراق كما تستمر إسرائيل في قتل الفلسطينيين وتصوير النضال الفلسطيني المشروع على أنه إرهاب وبعد مرور عدة أعوام على ما يسمى حرب أمريكا على الإرهاب فلا تزال أمريكا تحتجز مئات الأشخاص في معتقلات عسكرية وإلى أجل غير مسمى ومن دون تهمة أو محاكمة, في أفغانستان وخليج غوانتانامو إلى جانب آلاف المحتجزين في العراق وفي تموز من العام الماضي أعطى الرئيس الأمريكي أوامره لل «سي آي إيه» بمواصلة برنامج الاعتقال والتحقيق سراً وهذا أحد بنود قائمة السياسات غير المشروعة التي تعتمدها أمريكا في إطار حربها على الإرهاب. ومن هنا، اتجهت الولاياتالمتحدة في أكثر من اتجاه حيث عملت على ما سمته تجفيف منابع الإرهاب من خلال طرح مبادرات تستهدف تغيير المنظومات الثقافية في المنطقة، فكانت مبادرة الشرق الأوسط الكبير بأبعادها السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها واتجهت لغزو العراق ولا تزال أمريكا تجني آثار هذه الحرب حتى الآن. كما أن الحرب على الإرهاب توسعت في الأهداف المطلوب تحقيقها من أجل استئصال الإرهاب واستخدامه في غير غاياته وأهدافه كاحتلال دول مثل أفغانستان والعراق كما أن الحرب الأمريكية على الإرهاب جعلت العالم أقل أمناً، بل يبدو وكأن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي بذاتها السبب الأول للإرهاب الذي تزعم واشنطن أنها تحاربه، حيث أدت الحرب الأمريكية على الإرهاب إلى انتشار الإرهاب في العالم والعمل الإرهابي الذي حدث مؤخراً في مطار داماديدوفا في موسكو أكبر دليل على ذلك وهو من فعل الإرهاب الدولي, ونلاحظ هنا ازدواجية المعايير الأمريكية , فأمريكا تحارب الإرهاب انطلاقاً من مصالحها القومية وفي الوقت نفسه تدين وتنتقد روسيا لمحاربتها الإرهاب في شمال القوقاز ولاسيما ارتباطه بتنظيم القاعدة وتالياً لابد من التعاون الدولي في الصراع ضد الإرهاب وتكوين آلية فعالة للإحكام عليه ومنع تمويله بهدف القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه. وقد أشار لستر ثرد في كتابه الصراع على القمة إلى أن قيادة العالم أو امتلاك القرن الحادي والعشرين ستذهب إلى الفائز في السباق بالتفوق الاقتصادي لذلك تعمل أمريكا لتطبيق سياسة القطب الأوحد ليس عسكرياً فقط وإنما لتصبح قوة عظمى اقتصادياً أيضاً حيث أكد تقرير وزارة الدفاع الأمريكية أن أهداف أمريكا في العالم ما زالت ترتكز على مسألتين أساسيتين وهما حرية تدفق النفط إلى الولاياتالمتحدة بأسعار منافسة والمحافظة على استقرار أصدقاء أمريكا وخاصة إسرائيل. ويشار هنا إلى أن الحرب على الإرهاب أنقذت الاقتصاد الأمريكي من الانهيار، وقد جرت مناقشات واسعة شاركت فيها مراكز البحث والجامعات الأمريكية خاصة ولاية كاليفورنيا أكثر الولايات نصيباً في صناعة السلاح بعد مواجهة أمريكا لخيار السلام بعد انتهاء الحرب الباردة، وكان أكبر مراكز البحث الأمريكية تأثيراً في السياسة هو معهد بروكنز الذي حدد نسبة 50% تخفيضاً في الإنفاق العسكري الأمريكي خلال حقبة التسعينيات، واتجه العديد من مراكز البحث لدراسة كيفية تحويل مصانع السلاح إلى الإنتاج المدني بينما اتجهت مراكز أخرى للبحث عن استراتيجية بديلة لاستراتيجية الردع الشامل شرط احتفاظ صناعة السلاح بحركتها الإنتاجية نظراً لأهمية صناعة السلاح في الاقتصاد الأمريكي كون ثُمن العمال في أمريكا يعملون في صناعة السلاح وأن 25% من الأجور تأتي من صناعة السلاح، وأن الآلاف من رجال القوات المسلحة خاصة القادة وبعد تقاعدهم يعملون في هذه المصانع ومعدل الربح في صناعة السلاح يعادل عشرة أضعاف المعدل في الصناعة المدنية ودورة رأس المال أسرع في صناعة السلاح ما دعا إلى التفكير فيما يسمى بالحرب على الإرهاب والتي أدت إلى تزايد اعتمادات ميزانية وزارة الدفاع وانتعاش الاقتصاد الأمريكي وإلى انتشار الإرهاب في العالم أيضاً. وانطلقت الولاياتالمتحدة باتجاه الشرق الآسيوي حيث برزت جغرافيا الأمن القومي بغير حدود لتبين الهدف الحقيقي لحرب الولاياتالمتحدة على الإرهاب والمتمثل في تحقيق مكاسبها الاستراتيجية، حيث تهدف الولاياتالمتحدةالأمريكية من وراء ذلك إلى تحقيق ما يلي: 1-التمدد في منطقة بحر قزوين التي تحوي ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم. 2-إضعاف النفوذ الإقليمي لروسيا. 3-تدعيم الوجود الأمريكي في العراق بما يخدم مصلحة إسرائيل ومخططاتها. 4-قطع الطريق على الصين ونسف مشروعاتها لإعادة طريق الحرير. 5-القضاء على أي احتمال لبروز قوة عربية مناهضة لأمريكا وإسرائيل. من خلال ما تقدم نجد أن أمريكا استطاعت توظيف الإرهاب لخدمة مصالحها الاستراتيجية وتحقيق وجود دائم، في مناطق النفوذ والمصالح، فهي بذلك حولت مكافحة الإرهاب من هدف إلى وسيلة لتحقيق مصالحها القومية. المصدر: تشرين السورية 13/2/2011