الإجابة – ببساطة شديدة – ان هذا بالطبع من المستحيل ان يحدث . و لكن السؤال الأهم هو، هل تسعي الحركة الآن بالفعل لهذا الهدف ؟ الواقع ان سعي الحركة الشعبة للإحتفاظ بجيشها شمال حدود 1956 و تحديداً فى مناطق النيل الأزرق و جنوب كردفان و أبيي ، وهو سعي ملحوظ ، وقد رأينا كيف ان جبهة الإنقاذ الديمقراطية المتحدة (جبهة جنوبية) وجهت اتهاماً صريحاً للحركة الشعبية بهذا الصدد . و قد نقلت وسائل الإعلام عن الأمين العام لجبهة الإنقاذ الديمقراطية (ديفيد ديل جال) قوله ان الحركة الشعبية تريد الاحتفاظ بقواتها فى النيل الأزرق و كردفان لشن حرب على الشمال مستقبلاً إنفاذاً لأجندة غربية تريد اضعاف الشمال و السيطرة عليه . إذن ربما كان صحيحاً ان هذا الهدف قائم وموجود ، بل ان ما يزيد من صحة هذا الفرض ان الحركة الشعبية ظلت والى الآن تطالب الشمال باقرار نظام الجنسية المزدوجة ، ولعلها تستفيد منه الى أقصي حد بحصول منسوبيها على جنسية تمكنهم من البقاء فى الشمال تمهيداً للاستفادة منهم فى الوقت المناسب ، وهى نقطة من المؤكد أنها لم تفت على فطنة قادة الحزب الوطني الذين رفضوا ولا يزالون يرفضون موضوع الجنسية المزدوجة. و بالعودة الى السؤال المشار إليه آنفاً حول مدي استطاعة الحركة الاحتفاظ بقوات لها فى الشمال على الرغم من أنها أصبحت دولة قائمة بذاتها فى الجنوب، فان من المعروف ان هذا أمر صعب و مستحيل للغاية، وقد يقول قائل ان الحركة الشعبية قد تتحايل على الأمر عبر قادتها عقار فى النيل الأزرق و الحلو فى جنوب كردفان ،ولكن كل من عقار و الحلو هم الآن فى أراضي شمالية، و فى القريب العاجل جداً سوف تطلب الحكومة السودانية رسمياً من الحركة الشعبية سحب قواتها فى المنطقتين، فالسحب هذا كان من المفترض ان يتم منذ سنوات انفاذاً لبند الترتيبات الأمنية ولكن الحركة الشعبية ماطلت وتلكأت و يبدو ان الوطني أمسك بها كورقة يستعد لاستخدامها فى الوقت الذي يراه مناسباً . وما من شك ان مناقشة القضايا العالقة وهى قضايا تهم الحركة الشعبية بدرجة كبيرة هو جزء أساسي من الوقت المناسب هذا ، ومن ثم فان الحركة الشعبية – الآن – لن تستطيع بأى حال من الأحوال ان ترفض او تتلكأ فى سحب هذه القوات . غير أنّ السؤال الأكثر إلحاحاً ما العمل اذا أصرَّ عقار مثلاً على بقائها ؟ حينها لن يكون لعقار شرعية ، فالرجل خاض الانتخابات العامة ضمن حزب سياسي هو الحركة الشعبية و عليه إن أراد الاستمرار كسياسي و والي أن يتخلي عن قيادة قوات ليست هى القوات المسلحة السودانية ، وإنما أضحت قوات تابعة لدولة أجنبية هى دولة الجنوب . الأمر نفسه ينطبق على الحلو فى جنوب كردفان بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات التى تجري الآن هناك . خلاصة القول ان الحركة وان رغبت و تشتهي فعلاً فى ان تظل لها قوات فى الشمال الا أن الظروف و المعطيات السياسية أحالت هذه الرغبة فعلاً الى مجرد حلم ليلة صيفية حارقة!