حين نقل لي محدثي نبأ استقالة وزير الصحة د. عبد الله تية شعرت بشيء من السعادة والفرح، ليس بسبب عداء بيني وبينه ولا شماتة فيه، ولكن سبب سعادتي أنني ظننت - والظن لا يغني من الحق شيئاً- أن مبعث استقالة الرجل كان بسبب المشاكل والأزمات المتلاحقة، والتي يأخذ بعضها برقاب بعض منذ أن تولي السيد «تية» قيادة الوزارة، كنت أظن أن الاستقالة بسبب فشل الوزارة في حل هذه المشكلات وغيرها من المشاكل التي تتعلق بالعمل المهني وبالواجبات والخدمات الصحية التي على الوزارة القيام بها خدمة للمواطن وحفاظاً وصوناً لصحته وعافيته، ولكن خاب ظني وتبددت فرحتي وراحت سعادتي أدراج الرياح، حينما طالعت أسباب الاستقالة التي فصّلها السيد الوزير في مؤتمره الصحفي الذي كرّسه للانتصار لنفسه و«كرامته» وإدانة الآخرين، وبدا حديث الوزير سياسياً أكثر منه مهنياً، بترديده مزاعم ب«التهميش المستمر له» وبأنه كان آخر من يعلم بالكثير من القضايا التي تقع ضمن صميم اختصاصاته. ورغم أن الوزير المستقيل ساق عدداً من المبررات والأسباب «المهنية» المتصلة بدوره ومسؤوليته التي يفرضها عليه منصبه وتحتمها عليه واجباته، إلا أنه جرّها إلى ساحة دفاعه جرّاً وألحقها إلحاقاً بقائمة مبررات الاستقالة لتدعيم موقفه، وإلا لماذا لم يثر هذه القضايا من قبل وفي وقتها وبشكل طبيعي مجرد من أي «لبوس سياسي» أو «هوي حزبي» أو كسب تنظيمي. وعلى أية حال فإن بعض مبررات الوزير مردودة عليه وهي حجة عليه، فعدم علمه كما قال بكثير من القضايا الداخلة في اختصاصه يقع القسط الأكبر من اللوم فيها عليه هو، طالما أنه يعرف الخلفية التي جاءت به إلى سدة المنصب والمناخ الذي يحكم قواعد المحاصصة وتوزيع المناصب، وكم من أمثلة لوزراء تشابه ظروفهم ظروف الوزير المستقيل نجحوا نجاحاً مشهوداً، وذلك بفضل إدراكهم لهذه الحقائق وبالتالي التكيف معها والتركيز على «المهني» وترك «السياسي». إن تحميل الوزير المستقيل المسؤولية في فشله في كثير من قضايا الوزارة للمؤتمر الوطني وتبرئة نفسه من أي مسؤولية أمر لا يستقيم عقلاً ولا منطقاً، وإنما هو نوع من القفز فوق الحقائق ومحاولة لغسل ثوب الفشل والإخفاقات المهنية بصابون السياسة وتعليقه على شماعة الطرف الآخر. آخر الصفحة: أحلم بمسؤول يستن لنظرائه سُنَّة حسنة يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجرهم شيئاً، والسُنّة الحلم هي أن يتقدم هذا المسؤول باستقالته اعترافاً منه بإخفاقه وفشله في القيام بواجبات منصبه وتقصيره في تحقيق هذه الواجبات، ليفسح المجال والفرصة لمن هو أقدر وأكفأ منه ليقوم بما عجز عنه هو.. سنكون بخير يوم أن يتحقق هذا الحلم.. أسأل الله أن يحققه، وليس ذلك علي الله بعزيز. نقلا عن آخر لحظة 3/3/2011