لم يكن احد يتوقع ، مهما أساء الظن بالحركة الشعبية ، ان بنداً إضافيا عابرا في اتفاق السلام الشامل قصد به رفع الحرج عن شريك في إطار اتفاق يهدف الى التصافي والسلام وحقن الدماء ، صيغت كلماته بعناية وايجابية يمكن شحذه حتى يتحول الى سكين حاد يطعن في خاصرة الوطن . المفاوض الحكومي بطيبة نفس مجبولة في الانسان السوداني استجاب لنداء اعتبره بريئا : ان هنالك جهات معينة وجماعات قبلية تنتمي جغرافيا الى الشمال، مدت يدها للحركة الشعبية ابان الحرب ، وانضمت اليها ، وحاربت في صفوفها ، ربما بنصيب اوفر من الجنود الجنوبيين انفسهم لطبيعة تكوينها العسكري وتجربتها وصبرها على القتال منذ ايام الحكم الثنائي . ولقد امكن للحركة الشعبية ان تكسب ولاء هؤلاء المحاربين بعد ان صورت نفسها كحركة تحارب من اجل سودان جديد ينعم فيه المهمشون من ذوي الاصول غير العربية بالحرية والمساواة والمال الكثير والمنصب الرفيع . وتوقيع الحركة على اتفاقية السلام يعني عمليا انها قد فرزت عيشتها واتجهت نحو الجنوب وتخلت عن هدفها القومي كما يعني تخليها عن كل المبادئ التي تدعو الى التحول الديمقراطي الذي اكسبها ولاء احزاب المعارضة في الشمال. وقد حرصت الحركة الشعبية على إعطاء بعض المكاسب الشكلية للذين حاربوا في صفوفها تعويضا عن تخليها عنهم ، ومن ذلك نتجت فكرة المشورة الشعبية. لم يكن فيها ما يزعج المفاوض الشمالي فهي تؤكد نيات ووعود تنوي الحكومة تبنيها على أي حال، كما انها لا تطالب بأي تغيير في انتماء هذه المناطق باعتبار ان ذلك ليس موضع نزاع . كانت فكرة المشورة الشعبية كما عرضت في براءة مجرد آلية لمعرفة وجهة نظر مواطني ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق كلا على حدة بشأن اتفاقية السلام . ومدى تحقيقها لتطلعات وطموحات المنطقتين ولم تشر الفقرة الى انفصال او حكم ذاتي. هكذا كان النص واضحا وهكذا فهمه المفاوض الشمالي. ولكن الحركة الشعبية كانت تخطط وتعمل لهدف آخر يؤدي بالمنطقتين الى حكم ذاتي ينتهي الى انفصال عن الشمال ، وانضمام حتمي لدولة جنوب السودان يفرض بواسطة ادارة تابعة للحركة الشعبية ، وبتواطؤ كامل من بعض قوى المعارضة الشمالية . وتمت الخطوة الاولى بتنصيب مالك عقار رئيس قطاع الشمال بالحركة واليا على النيل الازرق ومحاولة جارية الآن لتنصيب نائبه في القطاع عبد العزيز الحلو واليا لجنوب كردفان . وكما هو مخطط له خرجت النيل الازرق تطالب بالحكم الذاتي وستتلوها ولاية جنوب كردفان تحت قيادة الحلو . ومن نافلة القول ان منح الولايتين حكما ذاتيا يعني بصريح العبارة تدمير النظام الفيدرالي من اساسه اذ يتطلب النظام الفيدرالي ان يكون الوضع الدستوري لكل الولايات متساوياً. والحركة الشعبية حين زرعت هذا اللغم مستفيدة من ثغرة في الاتفاقية كانت تعلم ذلك ، ولكنها تؤدي الدور المناط بها في خطة تمزيق السودان . وعلى الحكومة ان تستعد لتحمل نتائج رفض هذا المطلب مهما بلغ الثمن ذلك لان أي تنازل في الأمر يعني اعطاء النور الاخضر للبدء في تفتيت السودان او ما تبقى منه واعلان نهايته المحتومة . واذا حصلت الولايتان على الحكم الذاتي فليس هناك ما يمنع الولايات الاخرى من الحصول على ذات الحق ولا اعرف بلدا في العالم يتكون من دويلات تتمتع كل واحدة منها بالحكم الذاتي . نقلا عن الرأى العام السودانية 8/3/2011