تحليل سياسي ضحي الأربعاء الفائتة – من الأسبوع الماضي – كانت القوى السودانية المعارضة على موعد ربما لم تتوقع نتائجه على الإطلاق . فقبلها بيومين كانت تعقد الندوات و المؤتمرات الصحفية و تعبئ من تعتقد أنهم (جماهير الشعب السوداني) الغاضبة للخروج فى تظاهرة فى ميدان أبو جنزير بوسط العاصمة الخرطوم. العنوان الرئيس (الظاهر) للتظاهرة هو التضامن مع متظاهرى تونس ومصر و الجماهيرية؛ ولكن (العنوان من الباطن) كان إسقاط النظام ! و كان القيادي (غير المعروف الانتماء و الحزب) فاروق أبو عيسي شديد الإلحاح على القوى السياسية و الجماهير للخروج وإخافة النظام و إسقاطه. وبالطبع لوان الأمر كله كان (بهذه البساطة) فقد كان أمام هذه القوى المعارضة (عقدين من الزمان) أبو عيسي قضي أكثر منها فى الخارج فى فنادق و منتجعات فخيمة، و كان أقصي نضال له هو أحاديثه الصحفية والإذاعية التى يطلب فيها - من على البعد – من جماهير الشعب السوداني ان تخرج لإسقاط النظام ، وهو مسلك لم يعرفه حتى أصحاب المزارع والأطيان وقدامي الباشوات فى مصر أيام الملك فاروق الذين كان يعمل لصالحهم فى أراضيهم الشاسعة الآلاف ، فهؤلاء حتى مع ثراؤهم و نعيمهم كانوا يخرجون الى (الغيط) والى الأطيان يقفون على سير العمل . أبو عيسي الذى تعود على التهديد و الوعيد عبر مكبرات الصوت وفي القاعات المغلقة بعيداً عن الشمس و الهواء والغبار كان (يوجه) الجماهير للخروج ويحثَّها عليه ولكنه لا يجرؤ على الخروج معها، هو ينتظر (الثمرة الناضجة) وينتظر تقسيم التركة لاحقاً . الذى حدث ان قادة القوى المعارضة لم يصلوا الى الميدان و هو ميدان له مداخل ومخارج عديدة للغاية ، وحتى الآن لا يعرف السبب فالأجهزة الشرطية –المختصة بالأمر– لم تعتقل أحداً منهم قبل موعد التظاهرة. من المؤكد أن الذى حدث (و بات هو الدرس البليغ ) ان القوى المعارضة وبدلاً من أن يجئ إليها الجمهور( ويسقط لها النظام) كما أرادت و إشتهت، الجمهور أسقطها بعدم حضوره ، وما من أحد عاقل وغير مكابر يقدح فى ثورية الشعب السوداني ، فقد كان يكفي ان هذا الشعب قاد ثورتين بنفسه- دون معاونة أى حزب حتى حين كانت الأحزاب هذه قوية وحاضرة - وذلك فى اكتوبر 1964 و فى ابريل 1985م . إذن من المستحيل ان يزايد أحد على ثورية الشعب السوداني ومقدراته وجرأته مهما كانت الظروف ، ولو كانت قد توفرت الرغبة فى اى وقت من الأوقات للشعب السوداني للثورة ضد السلطة السودانية الحالية لما انتظر أبو عيسي او غيره ليحثه على ذلك، وعليه فإن الاستنتاج المنطقي السليم – بشأن ضحي الأربعاء – ان السودانيين أرسلوا رسالة (قصيرة فارغة) على رقم المعارضة السودانية معناها الوحيد أنهم أسقطوا المعارضة وحدها !