لم تكن واشنطن – من الأساس – تعول على الزيارة ولا علي قادة قطاع الشمال ، ولا على أطروحاتهم التى يقولون أنهم يستهدفون بها بناء السودان الجديد بترتيبات دستورية جديدة. ولكنها – و بمهارة تحسد عليها – أدارت الزيارة بذكاء ،حيث طمأنت الزائرين وربطتهم بها و فى الوقت نفسه حاولت سبر غور هؤلاء القادة و معرفة ما إذا كانوا من الممكن الاعتماد عليهم فى أمر من الأمور مستقلاً أم لا ؟ واشنطن - كما أشار إلينا مصدر دبلوماسي آسيوي مطلع فى نيويورك - لم يتسن لعرمان على وجه الخصوص أنه يحمل أيدلوجية مغايرة وإن حاول مداراتها والتغطية عليها وبحسب ما توفر من أنباء - كما قال الدبلوماسي الآسيوي - فان القادة والمسئولين الأمريكيين الذين تحادث معهم عرمان حدثوه عن (سر تقريبه للشيوعيين) فى قطاع الشمال للدرجة التى أثارت ضده القواعد وجعلتهم يتهمونه بمحاباتهم ، بل وصل الأمر الى حد اضطرار زعيم الحركة لتجميد هياكل القطاع منذ ما يقارب العامين. و بطبيعة الحال لم يجد عرمان جواباً، ولم يزد المسئولين الأمريكيين على ذلك ؛ والرسالة هنا- بهذه المثابة - مفهومة ، فالأمريكيين (لن يغامروا) بدعم قادة سياسيين من بينهم عرمان ، وهناك احتمال ان يستعيد عرمان التعامل بأيدلوجيته السابقة وتصبح واشنطن قد عملت على إحياء حقل شيوعي فى السودان وهى التى قاتلت لعقود لتقضي على الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية ، بل يقال إن غياب الراحل قرنق فى جزء مهم منه هو أن أحداً فى واشنطن لم يستطع نسيان أنَّ قرنق حين تمرد كان شيوعياً وظل كذلك حتى انهارت المنظومة الشيوعية و اضطر للجوء الى المعسكر الرأسمالي الغربي. فيما يتصل بالفريق عقار فان واشنطن فيما يبدو تعلم ان الرجل (قائد محلي) محض يصعب تسويقه على نطاق أوسع من (منطقة معينة) فى النيل الأزرق وليس ولاية النيل الأزرق بكاملها دعك من شمال السودان ، وربما كان الأسوأ بالنسبة لعقار انه يتسم بقدر أوفر من العنف دون وجود قدر معقول من السياسة ، وهو ما لا يمكن المراهنة عليه . وذات الأمر ربما انطبق على اللواء الحلو من جنوب كردفان ، والذى من المؤكد أن واشنطن (قرأت) موقفه من الاستحقاق الانتخابي و المنافسة الحادة التى يواجهها من كل من مرشح الوطني أحمد هارون ، والمرشح المستقل المعتقل لدي الحركة فى الجنوب اللواء تلفون كوكو. وهكذا، فان الزيارة فى أفضل تحليل لها أنها لن تتجاوز كونها تسويقاً لمشروع تعلم واشنطن أن فرص نجاحه ضئيلة ولكنها فعلت ذلك حتى تعطي الآخرين- فى الحكومة طبعاً - انطباعاً أنها حاضرة فى الجنوب وداعمة للحركة هناك وحاضرة فى الشمال وداعمة ايضاً لما تبقي من الحركة فيه ، كنوع من الضغط السياسي على الشمال .