الشكوى التي تقدمت بها حكومة الخرطوم رسمياً إلى مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للسودان برنستون ليمان بوجود عمليات دعم ومساندة من قبل الحركة الشعبية للحركات المتمردة بدارفور وتدريب منسوبيها بمعسكرات الحركة الشعبية بالجنوب، يفتح الباب من جديد للتنقيب عن الأسباب الحقيقية وراء دعم الحركة الشعبية لدعم حركات دارفور، الأمر الذي دفع ليمان إلى إعلان التزام بلادة بالعمل على وقف أي دعم من جانب حكومة جنوب السودان لحركات دارفور. ففي وقت سابق، شهدت مدينة جوبا عاصمة الجنوب تواجدا مكثفا لقادة حركات دارفور حيث تواجد بها عدد من قادة حركة العدل والمساواة بقيادة أحمد بخيت بجانب مني اركو مناوي كبير مساعدي رئيس الجمهورية ورئيس السلطة الانتقالية لدارفور، المقال وزعيم حركة تحرير السودان التي وقعت مع الحكومة اتفاق "ابوجا" قبل نحو خمسة أعوام، كما يتواجد بجوبا أيضا المهندس أبو القاسم إمام وهو كذلك أحد قادة حركة تحرير السودان الذين وقعوا اتفاق سلام مع الحكومة وعين حينها واليا على غرب دارفور لكنه ذهب مؤخرا إلى جوبا مغاضبا رغم تعيينه وزير دولة بوزارة الشباب والرياضة. يقول البروفيسور الطيب زين العابدين المحلل السياسي والأستاذ الجامعي في حديثه ل"الرائد": إن الحركات الدارفورية المسلحة التي تشكل حضورا بعاصمة الجنوب، جوبا، هي حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي الذي توصل لاتفاق مع الحكومة في أبوجا جاء به مساعدا لرئيس الجمهورية ورئيسا للسلطة الإقليمية لدارفور إلا أن الاتفاق بحسب زين العابدين شابته بعض النواقص واعترضته جملة عقبات فلم يصمد ما دفع مناوي للخروج على إثر ذلك غاضبا من الحكومة لأنها لم تنفذ الاتفاق وفق ما جاءت بنوده حيث إنها لم تعيده إلى منصبه في القصر الرئاسي كبيرا لمساعدي الرئيس ورئيسا للسلطة الانتقالية لإقليم دارفور فكان أن اتجه صوب جوبا في محاولة منه للضغط السياسي على حكومة الخرطوم حتى تستجيب لمطالبه ورأى زين العابدين أن مناوي سيحاول القيام ببعض العمليات العسكرية على الحكومة انطلاقا من الجنوب بدارفور في حال فشل ذلك الضغط السياسي. أما عن مغزى تواجد قيادات من حركة العدل والمساواة بالجنوب فيقول البروفيسور الطيب زين العابدين: إن حركة العدل والمساواة لجأت إلى جنوب السودان بعدما فقدت الملجأ والدولة الداعمة (تشاد) فأصبحت مكشوفة الظهر للقوات المسلحة، لكن لا يقصر البروفيسور الطيب، في تلك المسببات فقط، بل يرى أمرا آخر هو أن حكومة جنوب السودان بدورها لها أهداف من وراء احتضانها لتلك الحركات وقياداتها، وفصل ذلك بقوله ل"الرائد": إن حكومة الجنوب هي نفسها تقف في مرحلة مساومة مع الحكومة السودانية حول بعض القضايا العالقة كملف منطقة أبيي والنفط وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب بجانب كيفية إعادة تقسيم حصة السودان من مياه النيل بين الشمال والجنوب في حال الانفصال. وأعتبر زين العابدين استخدام الحركة الشعبية لحركات دارفور ككروت ضغط سياسي على شريكها المؤتمر الوطني لتسوية ملفاتها العالقة معه، خطأ كبير سيلقي بظلاله السالبة على مستقبل العلاقة بينهما مضيفا بأن ذلك سيجبر الشريك الآخر على التعامل بالمثل وهذا ما سيؤدي إلى انفصال عدائي أكثر مما هو مسالم . أما الدكتور كارلو الأستاذ الجامعي بجامعة أعالي النيل، فيرى أن الحركة الشعبية تريد من استضافتها لحركات دارفور وقادتها إحراز تقدم في ملف الإقليم، وأوضح كارلو خلال حديثه ل"الرائد": بأن حكومة الجنوب من استضافتها تلك تريد أن تقف على كل أبعاد المشكل الدارفوري فدعت تلك الحركات للمزيد من التشاور ولتقريب وجهات النظر بينها لأن السلام في دارفور لا يأتي عبر حركة واحدة فقط أنما يأتي بعد توحيد كل الحركات على كلمة واحدة وأجندة تفاوض واحدة. وحول مدى تأثير استضافة الجنوب لمتمردي دارفور على مستقبل العلاقة بين شريكي السلام (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) في ظل هذا الاستقطاب الحاد يقول الدكتور كارلو: إن كليهما (الشريكين) يحتاج للآخر بشدة لأن مستقبل العلاقة السياسية لهما قائم على ضرورة التعاون بينها وهما الآن أحوج لبعضهما واختتم كارلو حديثه قائلا: "الحركة الشعبية فقط تريد أن تحل مشكلة دارفور وليست لديها فكرة عن انطلاق هجمات عدائية من الجنوب لتلك الحركات ضد حكومة الخرطوم.. ولا أعتقد أنها ستسمح لتلك الحركات باستخدام أراضي الجنوب كقاعدة لانطلاق هجماتها العسكرية ضد حكومة الشمال". أما البروفيسور إبراهيم غندور، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني فقد قال في وقت سابق من هذا الأسبوع: إن هذه الحركات ولدت من رحم الجيش الشعبي لتحرير السودان، ودور الحركة الشعبية في ما يحدث في دارفور واضح ومعلوم داخليا ودوليا. وأضاف غندور في تصريحات صحافية سابقة: إن "الحركة تلعب بالنار في دعمها لحركات دارفور، والحرب لو اشتعلت لن تكون في نطاق ضيق بل ستتعدى آثارها حدود السودان، وستعطي أرضا خصبة للتنظيمات المتطرفة". محذرا الحركة الشعبية التي تسيطر على جنوب السودان من الاستمرار في دعم الحركات المسلحة في دارفور بالسلاح والعتاد وإيوائها بعدد من ولايات الجنوب ومناطق التماس المتاخمة لحدود ولايات دارفور ودول الجوار خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا. مضيفا بأن هذا الدعم يحمل إشارات سالبة وتداعيات خطيرة ستؤدي إلى انفلات الأمن بالمناطق المتاخمة للحدود بين شمال السودان وجنوبه وعلى حدود ولايات دارفور. بالمقابل فإن حكومة جنوب السودان وعلى لسان برنابا بنجامين مريال وزير الإعلام قد نفت وجود أي من قيادات متمردي دارفور في جوبا مؤكدا رفض حكومة جنوب السودان القاطع السماح للحركات الدارفورية باستغلال أراضي الجنوب ضد الحكومة القومية. وأوضح برنابا أن مجلس وزراء حكومة الجنوب أكد عدم وجود أي حركات دارفورية بالجنوب أو على الحدود. عموماً فإن نأت الحكومة بنفسها عن ما يدور بالجنوب من هجمات وانفلات أمني ودعم للمليشيات المتمردة ضد حكومة الجنوب، وأبلغ الوزير علي كرتي مبعوث أوباما (ليمان) الذي استهل مباحثاته الرسمية بالخرطوم بلقاء وزير الخارجية، أبلغه بوجود عملية دعم ومساعدة من قبل الجنوب للحركات المتمردة الدارفورية. وقال كرتي في تصريحات صحافية بالخارجية عقب المباحثات: إن الطرفين اتفقا على عدم دعم الجنوب لأي معارضة شمالية خاصة حركات دارفور، إلى جانب أهمية دعم المباحثات بالدوحة وحق الحكومة في إجراء الحوار الداخلي والمصالحات المطلوبة والتنمية. نقلاً عن صحيفة الرائد 13/4/2011م