من المؤكد أن الحركة الشعبية ترتكب خطأً استراتيجياً باهظ الثمن ان هي اعتقدت أن بإمكانها وضع يدها علي منطقة أبيي باستخدام القوة متجاوزة نصوص البروتكول الأمني الخاص بالمنطقة والمضمن ضمن نصوص اتفاقية السلام الشاملة الموقعة في نيفاشا 2005. وإذا كانت الحركة الشعبية قد تلقت (نصحاً عسكرياً من جهة خارجية ما) بأن عليها فرض الأمر الواقع, فان الجهة الخارجية هذه إنما تريد توريطها في أزق سياسي وعسكري بالغ الخطورة. فهناك الآن مؤشرات علي الارض – وفقاً لمتابعات (سفاري) – تشير إلي أن الحركة ومنذ أِهر ما فتئت تدفع بتعزيزات عسكرية كتائب وسرايا و ألوية- باستمرار باتجاه المنطقة وهو أمر حذر منه وزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي في لقائه الأسبوع الماضي بمثل الأمين العام للأم المتحدة هايلي منقريوس حيث طلب الوزير من المنظمة الدولية التدخل للحيلولة دون انفجار الأوضاع بفعل تهور وتحرشات الحركة. والواقع أن أغرب ما بات يحيط بقضية أبيي هذه أن الحركة الشعبية والحلفاء المحالفين لها من القوي الدولية الكبرى تركوا جانباً قضيته الاستفتاء- رغم النص الواضح والصريح- وشرعوا في البحث عن حلول أخرس وتسويات ترفضها الحركة قبل أن تناقشها. والأغرب من كل ذلك أن المجتمع الدولي الذي كان عليه أن يصر علي إجراء الاستفتاء- وفقاً للنص الوارد في الاتفاقية- والذي يشمل كل قبائل المنطقة وليس دينكا نوك, وقف متفرجاً, ولم يعمل علي قيام المنطقة وليس دينكا نوك, وقف متفرجاً, ولم يعمل علي قيام هذا الاستفتاء بذات الحماس الذي مارسه في استفتاء الجنوب. ان قضية أبيي لو كان أمرها محسوم لصالح الجنوب ولو كانت جنوبية لما كانت هناك أدني حاجة لإجراء استفتاء. لماذا لن تعترض الحركة علي الاستفتاء أُناء التفاوض وجاءت لتعترض عليه الآن؟ هذه القضية وحتي لا تضيعها مثل هذه المواقف هي قضية استفتاء بالدرجة الأولي فأهل المنطقة – دينكا ومسيريه وبقية قبائل – هم وحدهم من منحتهم الاتفاقية حق تحديد مصير المنطقة والسبب واضح فالمنطقة تقع ضمن أرض شمالية, ولكن يقيم بها مواطنون من جنوب السودان (دينكا نوك) والمغزى من الاستفتاء هو منح هؤلاء المواطنين – وهم علي أرض شمالية – الحق في اختيار الوضع الذي يريدونه فلو كانت المنطقة جنوبية ما كان من الممكن أبداً إخضاعها لاستفتاء لأن الجنوبيين – كما يفعلون الآن – ما كانوا ليقبلوا منح حق تقرير مصير لمنطقة جنوبية ولا كانوا سوف يقبلون منح حق تقرير مصير لمواطنين شماليين يقيمون في منطقة جنوبية! إذن الحل في العودة لتحيكم نصوص الاتفاقية وتفسيرها كما هي دون اتفاق علي النص, وأي إقدام علي فرض الأمر الواقع هناك عسكرياً معناه عملياً انهيار العملية السلمية برمتها ولن يكون هناك سقف سياسي لما سوف يتعين علي الشمال أن يفعله في مواجهة الجنوب.