يصعب القول أن هنالك دائماً إمكانية للحصول على قانون يتراضي ويتوافق حوله المجتمع، فالقوانين، هي القواعد التي تحكم ادارة شأن من الشئون واذا أصبح هذا الشأن شاناً يتصل بحريات الناس وحقوقهم، فان الجدل والخلاف بشأنه يصبح أعمق. وهذا ما حدث لقانون الامن الوطني الجديد ل 2009م الذي اجازه البرلمان السوداني مؤخراً، فقد تركز النقد حوله في اهم ثلاثة أمور او أربعة وهي صلاحيات جهاز الامن في القبض والتفتيش، وصلاحياته في الاعتقال التحفظي بسبب الاشتباه او بسبب وجود مخالفة قانونية، ومنحه سلطات الشرطة في هذا الصدد ثم حقه في حظر إبانة ميزانيته. وربما لاحظ القارئ الكريم أن هذه الأمور في الواقع موجودة منذ القدم في أي جهاز امني في أي دولة من الدول، والمثال الأقرب للأذهان، الاعتقالات التي قامت بها الولاياتالمتحدة – عشوائياً – في معتقل جوانتنامو، ومعتقلاتها السرية العديدة على الرغم من أنها تتباهي بأن أي شرطي امريكي حين يعتقل شخصاً يتلو عليه حقوقه ويمنحه هذه الحقوق. نقول ذلك ونحن لسنا في حاجة للدفاع عن القانون لسبب في غاية البساطة وهو أن القوانين عادة ليست هي المشكلة وانما المشكلة ربما ترتبط بالتطبيق والممارسة وهو أيضاً أمر يحتاج الى سنوات من التجارب والسوابق والقواعد التي تتبلور تباعاً. وتقول ذلك أيضاً وفي ذهننا أن المهمة الأولي والأساسية لجهاز الأمن هو حماية الأمن القومي للدولة السودانية وليس فقط نظام الحكم القائم، ولعل الجميع يتزكرون ما حدث للسودان جراء حل جهاز أمن الدولة عقب انهيار نظام الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري، والرياح التي هبت على السودان، وتغلغلت في مفاصله ولا يزال يعاني منها حتى الآن. ولهذا ومع اداركنا أن البعض يتخوف من الممارسة، ومن أصداء الماضي الا أن هذا وحده لايكفي سبباً لإلغاء وجود جهاز أمني فاعل يبعد عن الدولة السودانية غوائل الأعداء. وربما تحاول بعض القوى المعارضة للقانون التظاهر بمظهر الحادب على الحقوق والحريات، وبعضها ربما ينظر الى الامور من زاوية التطلع الى بيئة ديمقراطية مثالية غير مسبوقة، فالساسة دائماً يخلطون بين الواقع والمثال خاصة اذا كانوا في مقاعد المعارضة لأنهم بطبيعة بشريتهم يخشون من السلطة القائمة ويتوجسون من تفعيل جهازها الأمني تجاههم.. غير أن الزوايا الأخرى الهامة التي يغفلها هؤلاء هو أن بعضهم – أن لم يكن جميعهم – ومن منطلق معارضتهم للسلطة الحاكمة، وبدافع إزاحة هذه السلطة والحلول محلها، تسببوا بشكل أو بآخر في إتاحة الفرصة للإجانب ومن هم بالخارج ولا يريدون بحال من الأحوال مصلحة السودان في الولوج إلى ساحة العمل السياسي السوداني، اذ لا ينكر الا مكابر حجم الاستنصار بالأجانب وجلب المستشارين، وسماع أرائهم وهم أبعد ما يكونوا عن النزاهة والأمانة حيث ثبت استعانة الحركة الشعبية على سبيل المثال بأمريكي معروف منبوذ في بلده وهو (روجر ونتر) كمستشار لها في الجنوب، ولنتأمل حجم القدر الذي قد ينجم عن سلوك غير مسئول كهذا. كما أن غالب حركات دارفور المسلحة ارتبطت بقوى إقليمية ودولية مثلما هو الحال لحركتي عبد الواحد محمد نور ود. خليل إبراهيم. ماذا بوسع دولة ناهضة تتلمس طريقها نحو الاستقرار أن تفعل في ظل وجود مهددات أمنية خطيرة كهذه؟ أن النظر إلى القانون ما ينبغي أن يتجاوز هذه الحقائق المريرة، فالقانون بشكل أو بآخر من أهم واجباته هو حماية حتى هذه القوى المعارضة من مكر الذين تستعين بهم، وليس من الحصافة في شئ إثارة الجدل بشأن قانون، الخاسر الأكبر من ضعفه هو المواطن السودان الذي كنا ولا نزال نعتقد أن القوى المعارضة تهتم لأمره!!