بعدما بعثرت الأحداث التي شهدتها منطقة أبيي مؤخرا، خيوط التقارب والتفاهم بين شريكي اتفاقية السلام الشامل – المؤتمر الوطني والحركة الشعبية -، عادت تلك الخيوط لتنتظم في مسارها رويدا رويدا، على خلفية جهود حثيثة ومشاورات مكثفة قادها العديد من الوسطاء الدوليين، على رأسهم ثامبو امبيكي رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، رئيس الآلية رفيعة المستوى التي كلفها الاتحاد الإفريقي بمتابعة الشأن السوداني. في حين دفع تعاظم أزمة أبيي الأخيرة العديد من المبعوثين والمندوبين الدوليين إلى السودان، لترتيب حقائبهم واعتزام التوجه إلى الخرطوموجوبا، بهدف المساهمة في تهدئة الأوضاع وإعادة الأمور بين شريكي السلام إلى نصابها، وتأتي تلك المسارعة من المجتمع الدولي، قبيل أسابيع قلائل على انقضاء الفترة الانتقالية وإعلان دولة جنوب السودان المستقلة. وتواترت الأنباء أمس، عن استئناف الشريكين اجتماعاتهما بأديس أبابا، لمواصلة النقاش حول الترتيبات الأمنية وقضايا ما بعد انفصال جنوب السودان، بجانب اتخاذ حكومة جوبا قرارا بإيفاد وفد رفيع المستوى بقيادة نائب رئيس حكومة الجنوب، الدكتور رياك مشار، إلى الخرطوم لاستئناف المباحثات السياسية، لبحث القضايا العالقة وفي مقدمتها أزمة أبيي. وتأتي الخطوات العجلى تلك في أعقاب سيطرة القوات المسلحة على أبيي، وإعلان الحكومة وحزبها الحاكم – المؤتمر الوطني -، عدم سحبها ما لم يتم التوصل إلى ترتيبات جديدة مع حكومة الجنوب والحركة الشعبية، بشأن المنطقة، ومن بعد أعلن المؤتمر الوطني استعداده للجلوس والتفاوض حول الأزمة، وقال مسؤول ملف أبيي بالمؤتمر الوطني، الدرديري محمد أحمد، إن حزبه الآن في حالة تفاوض مع المجتمع الدولي حول وجود القوات المسلحة في أبيي، موضحا أن رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، ثامبو أمبيكي تقدَّم بمقترح تعكف القوات المسلحة الآن على دراسته لحل الأزمة في أبيي، وكشف الدرديري الذي كان يتحدث لبرنامج إذاعي الجمعة، عن اجتماع بأديس أبابا للعسكريين، وتوقَّع أن تُطرح خلال الاجتماع مقترحات أمبيكي، كما رجح أن يتم اتفاق لعقد قمة بين الرئيس عمر البشير ونائبه الأول سلفا كير ميارديت في قوت لاحق. واتهم أبناء دينكا نقوك في الحركة الشعبية بأنهم يريدون وقف التفاوض وجر أبيي إلى الواجهة، مؤكدا أن الحركة الشعبية غير قادرة على توقيفهم أو الضغط عليهم، مشيرا الى أنهم "متنفذون جدًا فيها". ومنذ اندلاع أحداث أبيي الأخيرة، جراء الكمين الذي نصبته قوة من الحركة الشعبية لقافلة مشتركة من القوات المسلحة وقوات تابعة لقوات الأممالمتحدة العاملة قرب أبيي، في التاسع عشر من الشهر الجاري، ما دفع بالقوات المسلحة إلى اجتياح المنطقة وبسط سيطرتها عليها، منذ ذلك الحين، ظلت المشاورات والحوارات غير المباشرة مستمرة بين طرفي الاتفاقية بالرغم من إعلان الحركة الشعبية عن وقف كافة أشكال التفاوض مع المؤتمر الوطني راهنة العودة إلى طاولة التفاوض بانسحاب القوات المسلحة من أبيي، حسبما أكد أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني البروفيسور إبراهيم غندور في تصريحات سابقة، وقال الدرديري محمد أحمد منذ أن سيطرت القوات المسلحة على أبيي في الحادي والعشرين من مايو الجاري، استمرت المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين عبر لجنة الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة.كما أن الشريكين انخرطا في حوارات مع المجتمع الدولي لإيجاد مخارج من الأزمة، وقال الدرديري إن الحكومة في حالة تفاوض مستمر مع المجتمع الدولي، ولم يستبعد بلورة مقترحات جديدة في جولة المفاوضات التي بدأت بأديس ابابا أمس بين اللجان الأمنية للشريكين، والتي تضم عسكريين من الطرفين،بعد دراسة مقترحات دفعت بها جهات دولية، مستبعدا خروج القوات المسلحة من أبيي في الوقت الراهن، وقال "ربما تعود إليها الحركة الشعبية إن وجدتها خالية بقوة اكبر وربما تكبدنا المزيد من الأرواح إن تم اخلاؤها"،مشددا على أن حزبه يعتزم إيجاد حل للمشكلة عبر اتفاق سياسي، مؤكدا نقلهم تلك الرغبة لوفد مجلس الأمن الذي زار الخرطوم أخيرا . وفي خطوة لافتة لجهة البحث عن مخارج لأزمة أبيي، وجه مجلس وزراء حكومة الجنوب أمس الأول، بايفاد وفد رفيع يضم مسئولين كبار برئاسة نائب رئيس حكومة جوبا، الدكتور رياك مشار، إلى الخرطوم بحر الأيام المقبلة لاستئناف اجتماعات اللجان السياسية المشتركة، لبحث القضايا العالقة بين الشريكين وفي مقدمتها أزمة أبيي الأخيرة، وقال المتحدث باسم حكومة الجنوب، برنابا بنجامين، في تصريحات صحفية، إن وفداً برئاسة مشار سيغادر إلى الخرطوم للالتقاء بنائب الرئيس علي عثمان محمد طه، لبحث إمكانية استئناف الحوار بين الشريكين - المؤتمر الوطني والحركة الشعبية -، وقال "إن حكومة الجنوب ترغب في استمرار الحوار مع حكومة الخرطوم من أجل نزع فتيل الأزمة التي تعصف ببلادنا"، بينما جدد رئيس حكومة الجنوب، سفاكير ميارديت، أمام مجلس وزراء حكومته، التزامه بعدم العودة إلى مربع الحرب مجددا لأي سبب. أزمة أبيي الأخيرة لم تقلق مضاجع الشريكين أو الوسطاء الأفارقة فحسب، وإنما أثارت قلق المجتمع الدولي الذي سارع إلى الدفع بمعوثيه ومندوبيه إلى السودان لرصد الأوضاع والمساهمة في تجسير هوة الخلاف بين أطراف السلام الشامل. وفي السياق أعلنت الإدارة الأمريكية أن المبعوث الخاص للرئيس باراك أوباما إلى السودان، برنستون ليمان سيتوجه إلى قطر للمشاركة في المؤتمر الموسع بشأن أحلال السلام في دارفور، قبل أن يحزم حقائبه متوجها إلى السودان للمساهمة في حل أزمة منطقة أبيي، بجانب العديد من القضايا العالقة بين شريكي السلام، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها، ان ليمان سيقوم بعد انتهاء زيارته إلى الدوحة بالتوجه إلى العاصمة السودانية الخرطوموجوبا عاصمة جنوب السودان، للمشاركة مع مبعوثي دول "الترويكا"، في اللقاء الذي سيجمعهم مع قادة جنوب وشمال السودان لبحث وإيجاد حلول لازمة أبيي وذلك في إطار الحوار المستمر الذي تجريه هذه الدول مع المسئولين السودانيين لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا. وذكر البيان انه من المقرر أن يتوجه ليمان ومبعوثي دول "الترويكا" – شهود اتفاقية السلام -، أيضا للعاصمة الأثيوبية أديس أبابا لدعم الجهود التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي على مستوى لحل قضايا السلام الشامل. كما أعلن مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، من جهته، إن خبير المستقل بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان، محمد شاندي سيبدأ زيارة إلى البلاد خلال الفترة من 31 مايو إلى 8 يونيو المقبل، تعد الثالثة له بالسودان من توليه مهمته، بهدف جمع معلومات مباشرة عن الوضع العام لحقوق الإنسان في شمال وجنوب السودان، وقال شاندي في بيان صادر عن المجلس انه سيركز على المواجهات المسلحة التي وقعت والوضع في أبيي. وستشمل الزيارة الخرطوم ودارفور وجنوب السودان والمناطق الانتقالية حيث سيلتقي شاندي مع مسؤولين من حكومتي الخرطوموجوبا وأعضاء السلك الدبلوماسي وفاعلين في المجتمع المدني ووكالات الأممالمتحدة. بعض المقترحات التي دفع بها المجتمع الدولي لحل الأزمة وجدت رفضا مبكرا، فقد أعلن قياديون من قبيلة المسيرية رفضهم مقترحاً قدمه وفد مجلس الأمن الدولي الذي زار البلاد مؤخرا، مقابل تبعية أبيي لجنوب السودان وتمثل المقترح في منح المسيرية تعويضات مجزية ومواطنة دائمة، فضلاً عن توفير مراعٍ لماشيتهم، لتكون بذلك العديد من المقترحات الدولية المطروحة للنقاش مرشحة للنقض والرفض كغيرها من سلسلة مقترحات وأفكار طرحت في السابق دارت ما بين إتباع أبيي للجنوب بقرار رئاسي مع منح المسيرية حقوقاً سياسية ورعوية وتمكينهم من المشاركة في سلطة المنطقة، وان يمثل المسيرية في إدارية المنطقة، كما تضمنت المقترحات السابقة إعطاء الجنسية المزدوجة للمسيرية حال اختار الجنوب الانفصال، وكذلك قدم مقترح بتقسيم أبيي لجزءين شمالي ، وآخر جنوبي، بالإضافة لمقترح بالعودة للإجراءات الموجودة في بروتوكول أبيي وإجراء استفتاء للمنطقة وفقاً للبروتوكول وقرار محكمة لاهاي.وكانت قيادات المسيرية دفعت من جانبها بمذكرة من ثلاث مقترحات لرئاسة الجمهورية، لحل المشكلة بينها اعتماد حدود 1 / 1 / 1956م، أو قبول حدود جنوب غرب بحر العرب، أو نقل منطقة أبيي إلى غرب بحر العرب، لكن كل تلك المقترحات تعثرت. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 29 مايو 2011م