اقتربت ساعة انفصال جنوب السودان، ومع اقترابها تكاثرت التداعيات والصراعات والمحن والخطوب، ومع كل ذلك يظل المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم – ممسكاً بجميع الخطوط والخيوط، ويسعى بطاقته الروحانية، وطاقية الخفاء مواجهة الموج العتي الذي أفرزته لجج الانفصال في الجنوب، ودوامة الثورات البركانية في جنوب كردفان، والأمطار الحمضية في النيل الأزرق والعاصفة الرمادية، في دارفور التي لا يعرف منتهاها. والسؤال الآن كيف يستطيع المؤتمر الوطني أن يجابه ويواجه كل هذه الصواعق والعواصف منفرداً، دون إشراك قوى المعارضة، والحادبين على استقرار الوطن وأمنه وسلامه وسلامته؟ فمنذ أن بدأ العد التنازلي للانفصال قبل ستة أشهر – وحتى الآن – ظل المؤتمر الوطني يمطر الساحة برذاذ إشراك المعارضة في الحكم، وتكوين حكومة قومية، أو ذات قاعدة عريضة.. وحتى الآن لم يتحقق من ذلك الوعد أو العهد إلا الخطاب الاستعراضي المنمق حول الحكومة المزعومة. فما الذي أعاق أو حال دون تكوين حكومة ذات قاعدة عريضة تعني بإيجاد حلول عاجلة للوطن الممزق؟ الإجابة في غاية البساطة، إن المؤتمر الوطني لا يعتبر جسدا واحدا، ولا يمثل في مطلق الأحوال رأيا موحدا، فهناك الصقور ذات المخالف الجارحة، وهناك صقور نزعت مخالبها طوعا للانسجام والتوافق مع البيئة الجديدة، كما أن هناك حمائم استعارت مناقير حادة ومخالب لا يستطيع المروضون انتزاعها عن طريق التخدير والبنج الموضعي. المؤتمر الوطني – عاسر الحظ – كان قدرة أن تأتي حقبة الانفصال في عهده الكئيب. فاتفاقية السلام الشامل التي تم التوقيع عليها في الضاحية الكينية نيفاشا، تم التوقيع عليها على عجل دون التبصر في حواشيها المترهلة، وحاشيتها المبطنة. ما يعانيه السودان حاليا يمثل نتاجا طبيعيا لاتفاقية نيفاشا التي لم تكن محكمة الصياغة، أو تمت صياغتها وفقا لنظرية المؤامرة المتعادلة. وما حدث في أبيي، وفي جنوب كردفان، يمثل ليس فقط تطاولاً أو تآمراً من الحركة الشعبية، وإنما أيضا للثقوب الموجودة في الاتفاقية سيئة السيرة. ومن جهة ثانية فإن الحركة الشعبية المزهوة باقتراب ساعة الانفصال لم تتوان في نصب الفخاخ للمؤتمر الوطني، والتحرش به لكي يقع فريسة سهلة للمجتمع الدولي النتن، والمتربص دوما بالسودان وسياساته التي يراها بمنظار واحد هو الانقضاض عليه عن طريق البند السابع لمجلس الأمن الدولي. اتفاقية نيفاشا اللعينة، دحرجت الأعلى إلى أسفل أكثر من رفعها الأسفل، كما حولت المزايا إلى لعنة كبيرة ظللنا نشهد مشاهدها المريعة في الآفاق القريبة والبعيدة على حد سواء. وتولد لدى الشعب السوداني بصفة جامحة الشعور بضرورة توحيد الجبهة الداخلية وتكوين حكومة ذات قاعدة عريضة وبصفة عاجلة، لإمكان ما يمكن إنقاذه من المكائد التي تحيط بالسودان الذي أضحى روحاً مقسمة في عالم متصدع. المصدر: الشرق 19/6/2011