تتوالى الدروس والعبر مما يجري في بعض البلدان العربية من أحداث من هذه الدروس المهمة أن العناد والاستناد إلى قوة أجنبية ومحاولات الحفاظ على ماء وجه النظام بقتل الناس وإراقة الدماء وذرع البغضاء لا بد وأن يؤدي إلى التهلكة، أما مصر وتونس فقد نجا شعباهما مما يجري في البلدان الأخرى لأن أحداث الدولتين فاجأت العالم، الذي لم يستيقظ سوى بعد استقرار التحول، أما ما يحدث في اليمن وسوريا وليبيا فقد تدخلت فيه الأيدي الأجنبية على نحو أدى إلى تصلب واضح في مواقف الأطراف داخل الدولة العربية الواحدة التي يطالب شعبها بالحرية في مواجهة نظام ما زال يعتبر الخيار العسكري سبيله الوحيد من أجل البقاء في سدة السلطة. لقد أصبح الحوار حتما وضرورة في ظل حالة الاستعصاء والاستقطاب الشديدين بين الشعب والنظام ولقد أثبتت المرونة جدواها في تجربتين ماثلتين الآن في البحرين والمغرب، ففي البحرين بدأ منذ أمس الأول حوار وطني يهدف إلى إعادة إطلاق عملية الإصلاح السياسي خاصة بعد قرار المعارضة بالاشتراك في الحوار، وأيضا بعد انسحاب قوات درع الجزيرة التي كانت العامل الحاسم في الحفاظ على أمن البحرين بصفتها دولة عضوا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهي مشاركة في هذه القوات، لكن انسحاب قوات الدرع كان إشارة الى إخلاء الساحة للحوار السياسي دون ضغوط من جهة أمنية، ومن ثم يشعر المشاركون في الحوار بحرية مطلقة في التعبير عن طموحاتهم وتطلعاتهم نحو الحرية والممارسة الديمقراطية دون إراقة دماء. كذلك الأمر في المغرب حين طرح الملك محمد السادس خطة لبرنامج إصلاحي تنازل فيه عن كثير من صلاحياته لتوسيع إطار المشاركة السياسية وإشراك الشعب والبرلمان في صياغة القرار السياسي في المغرب وقد جاءت نتيجة الاستفتاء أمس مطمئنة إلى أن غالبية الشعب المغربي تفضل الإصلاحات المتدرجة عبر حوار سلمي تصالحي يفضي في النهاية إلى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، في إطار نظام ملكي دستوري وربما يكون قد توصل طرفا المواجهة كل من سوريا وليبيا واليمن إلى قناعة الآن بضرورة الحوار، ولكن بعد أن سالت الدماء في البلدان العربية الثلاثة أكثر من غيرها لتتوصل إلى هذه القناعة وقد وضع مجلس التعاون خطة انتقال سلمي للسلطة في اليمن لإخراج هذا البلد العربي من أزمته الراهنة بأقل خسائر ممكنة بعد أن وصل التجاذب إلى أقصاه كذلك هناك دعوات للحوار في سوريا وليبيا لكنها لم تتبلور بعد وما زالت المواجهة قائمة لكن الدرس الأهم هو دخول الطرف الأجنبي بأجندته الذاتية المصلحية التي لا تضع مصالح الدول الواقعة في أتون الأزمة في الحسبان فعقد مقارنة بسيطة بين تدخل درع الجزيرة لحفظ أمن البحرين وتدخل حلف الأطلسي لحماية المدنيين في ليبيا، يجعل الفارق واضحا كل الوضوح في مدى التدخل ونتائجه سلبا وإيجابا ولنتبصر أيضا في موقف واشنطن من أحداث ليبيا خاصة بعد أن صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أمس ان هناك تدفقا للمتشددين إلى ساحة القتال في ليبيا !!! وهذا يترجم أيضا الموقف الأوروبي بالطبع كما تعودنا، فإذا كانوا لا يريدون نظام القذافي وفي نفس الوقت لا يريدون المعارضين (المتشددين) فكيف يمكن التسوية للصراع في ليبيا وحقن دماء المدنيين من النساء والأطفال الذين يتساقطون كل يوم؟ إن الوضع العام لم يعد يتحمل استمرار هذه المحرقة التي يذكي نارها التعنت في الداخل والتدخل الأجنبي حاسم وكأنما الهدف الأول أن يتقاتل المتصارعون حتى يفني بعضهم بعضا تحت راية مطالب الحرية والديمقراطية، إن الشدائد تظهر العدو من الصديق وتظهر أيضا اهمية احترام حاجة الشعوب إلى رد الاعتبار مع العيش في أمان دون تدخل أجنبي. المصدر: الوطن العمانية 3/7/2011