دراسة أعدتها: أماني الطويل ملامح المستقبل السوداني بعد تقسيمه هو موضوع لدراسة نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات, الدراسة تتعرض الي أن واقع التجزئة السوداني سوف يفرض نفسه علي دولتي السودان فيشكل تحديا أساسيا أمام كلتا الدولتين فدولة الجنوب تواجه تحدي بناء الدولة الجديدة في وقت تستنزفها مصادر متعددة للتهديد فمن الخارج هناك العلاقات الصراعية مع الشمال, ومن الداخل يستنزفها الإنقسام القبلي المنطوي علي تاريخ من الصراع المسلح, والتمرد السياسي الذي يقوده مناوءون علي خلفية الممارسات الإنتخابية السلبية التي جرت في أبريل2010. مصادر تهديد الدولة الجنوبية تتقاطع مع الحاجة الملحة الي التنمية الاقتصادية الشاملة والتحول الديمقراطي الممثل للتعددية الجنوبية ولكن هذه الحاجات الأساسية للدولة الوليدة أمامها عوائق سيطرة الشمال علي الإمدادات النفطية ولو علي المدي القصير وطبيعة إدارة الموارد النفطية في ضوء التنافس القبلي بين قبيلة الدينكا المهيمنة علي صناعة القرار السياسي وقبيلة النوير التي تسيطر علي مناطق التنقيب عنه. أما مسألة التحول الديمقراطي فلا تزال تواجه مقاومة عاتية من النخبة الحاكمة المنحدرة من تنظيم عسكري. فيما يخص دولة الشمال في السودان تقول الدراسة إنه فضلا عن مهددات التجزئة القائمة بسبب أزمتي دارفور والشرق والناتجة عن إصرار النخبة السياسية علي إدارتهما في سياق ثنائي وليس قوميا وأيضا عدم الاعتراف بالتنوع الإثني في الشمال فإن ثمة مصادر تهديد مستحدثة للنظام السياسي ناتجة عن أمرين, الأول اأنسداد الأفق السياسي والثاني الأزمة الاقتصادية المتوقعة مع فقدان الموزانة الشمالية لجزء مقدر من مواردها. علي الصعيد السياسي ترصد الدراسة أن عملية الوفاق الوطني الساعية اليها الحكومة حاليا تفتقد المصداقية بسبب الخبرات السلبية المتراكمة والتي سمحت بتآكل مصداقية الحكومة والأحزاب المعارضة معا أمام الشارع السياسي السوداني, فضلا عن حالة الانقسام الواضحة في الدائرة الضيقة لصناعة القرارللحزب الحاكم و التي تتسبب في حالة إرتباك هائلة ربما يكون تجليها الأخير انهيار الاتفاق الإطاري بين الحزبين الحاكمين في شمال وجنوب السودان بشأن إدارة مناطق التماس بينهما. وتبدو المسارات الراهنة للحراك السياسي بالخرطوم طبقا للدراسة- متبلورة في إضرابات فئوية متنامية وحركات شبابية جديدة لاتزال محدودة الأثر وذلك في مواجهة قبضة أمنية قوية من غير المتوقع أن تكون قادرة أستراتيجيا علي مواجهة المطالب المتزايدة بالتغيير خصوصا بعد إعلان دولة الجنوب بما يمثله ذلك من إحباط في الفضاء الشمالي العام. تخلص الدراسة الي أن شريكي إتفاق نيفاشا قد أهدرا فرصا ثمينة في خلال الفترة الإنتقالية للحفاظ علي التراب الوطني السوداني, وتجنيبهما معا مخاطر تجزئة الدولة, ولكنهما في المقابل حافظا علي درجة من التفاعل بمساعدة المجتمع الدولي ساهمت في حفاظ كل منها علي السلطة السياسية في إقليمه. ولكن حاليا برزت متغيرات مؤثرة تهدد استمرار هذه الحالة وتتلخص هذه المتغيرات في التالي: 1- حالة الصراع المسلح المستجدة في مناطق التماس بالمناطق الثلاث المهمشة' أبييي وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق' وذلك علي مستويين الأول بين شريكي الحكم والثاني بين الشمال وشعوب هذه المنطقة التي تتشارك في قواسم عرقية مع الجنوب ويعتبر الخطاب الإقصائي الشمالي مهددا لحقوقها في المواطنة المتساوية. وطبقا للتفاعلات الراهنة فإن أستمرار هذا المستوي من الصراع مع احتمال وجود تحفيز أو تحريض من قوي دولية أو إقليمية مستفيدة من شأنه أن يعيد السودان الي مربع الحرب الأهلية. 2- ارتفاع وتيرة الاحتقانات شمالا وجنوبا ضد السلطتين الحاكمتين في كل من الشمال والجنوب لأسباب اقتصادية وسياسية والتي تغذيها معطيات الإنقسام العرقي والثقافي والديني بما يعظم فرص التجزئة في المرحلة المقبلة. ويتطلب تحييد مصادر التهديد للسودان المشار إليها توافر إرادة سياسية رشيدة شمالا وجنوبا تسهم في عملية تداول للسلطة بالطرق السلمية وتفتح الباب أمام الحوارات الوطنية لتأطير المطالب الاقتصادية والفئوية ومحاولة تنفيذها. وكذلك إيجاد آلية حوار قومي في كل من الشمال والجنوب تتعامل مع معطيات الانقسام العرقي والثقافي, وتنتج صيغ سياسية منطوية علي مفاهيم المواطنة المتساوية ودولة القانون. وفي سياق مواز لابد من لفت الإنتباه الي ضرورة التخلي عن العلاقات الصراعية بين شمال وجنوب السودان خصوصا مع وجود منافع ممكنة علي الجانبين من شأنها تقوية الموقف الذاتي لكلا الطرفين, كل في قطاعه سواء الشمالي او الجنوبي وذلك علي الأصعدة الاقتصادية المتعددة وفي مجالات الموارد المستخرجة كالنفط والمعادن وكذلك الاهتمام بتنمية الموارد المائية والحيوانية فضلا عن الإمكانات الزراعية الهائلة. وقد تنطوي هذه الأمكانات في حال إستغلالها ووجود حالة من الرشادة من جانب اللاعبين في كل من شمال وجنوب السودان تجنيب السكان في مناطق التماس حروبا جديدة وكذلك تجنيب السودان وجواره إستقطابات إقليمية علي أسس عرقية لايحتاجها أحد, خصوصا في بيئة دول حوض النيل والتي يسهم فيها أي نوع من الأستقطابات الي إنتاج الصراعات المهددة للإستقرار والتنمية.