فى اجتماع عقدته بدار الحزب الشيوعي السوداني - أمس الأول - رفضت قوي المعارضة السودانية مقترحاً تقدم به فاروق ابو عيسي لإعلان عدم شرعية الحكومة السودانية، بعدما انقضت فترة الانتقال فى التاسع من يوليو الحالي. قادة القوى المعارضة تراوح رفضهم ما بين التحفظ على المقترح (فى حد ذاته) وما بين رؤية بعضهم ان الوقت (غير مناسب) لمثل هذا الطرح ، وبعض آخر رأي (إعادة النظر فى صياغة المقترح وما ورد فيه) . ابو عيسي -وفقاً لمتابعات سودان سفاري- استشاط غضباً ، لا سيما بعد ان استشعر (همزاً و لمزاً) من احد الحضور حول (وزنه السياسي ، ومشروعيته السياسية هو نفسه)! وما من شك ان المشهد بكامله يعكس مستوي البؤس السياسي المألوف لدي القوى المعارضة الذى عرفت به لعقود خلت وربما سيظل ملازماً لها فى المرحلة المقبلة لعقود أخري . فالحديث عن عدم شرعية الحكومة سواء اتفقت عليه هذه القوى (و سايرت مقترح ابو عيسي) أو اختلفت حوله ، هو فى الواقع لا يغير من الامر شيئاً، ففضلاً عن ان الشرعية وعدم الشرعية لا يمنحان وينزعان (عن طريق المقترحات هذه) فان التحدي الأساسي الذى يقف الآن أمام قوي المعارضة السودانية هو ان تصنع لنفسها دوراً حقيقياً فى البناء الوطني للمرحلة الآنية الماثلة والمقبلة و هذا لا يتأتي مطلقاً عبر (مناوشة) السلطة القائمة ومقارعتها بحجج سياسية – وليست قانونية جديرة بالاحترام – عفا عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب. إذ لنفترض ان قوي المعارضة نجحت فى (إثبات عدم شرعية الحكومة) ، ما هي المترتبات التى تترتب على ذلك؟ هل صدقت قوي المعارضة أنها (بديل جاهز) للسلطة القائمة وتحظي بدعم شعبي فى السودان؟ ان المحك هنا هو فى كيفية انخراط هذه القوى المعارضة داخل الوعاء الوطني العريض بعمل ايجابي مفيد للمصلحة الوطنية، فحتي لو أرادت هذه القوى ان تصبح (في يوم ما) بديلاً للوطني، فان عليها ان تعمل داخل الأطر الوطنية المتاحة بقدر من الايجابية والرغبة فى العطاء فالبحث عن السلطة والجري وراء إسقاط السلطة القائمة ، كل هذه جربتها قوي المعارضة وكانت اقوي بكثير من راهنها الحالي ولم تحرز فيها اى نجاح على الإطلاق . وحتى ايضاً لو تجاوزنا كل ذلك ، وقلنا ان قوي المعارضة لديها حجج صحيحة حول الشرعية ، فان المحادثات التى تجريها - فى السر والعلن - مع السلطة القائمة بغرض المشاركة والمحاصصة تهدم و تهزم حججها هذه ، ولعل هذا ما يفسر تحفظات بعض القوى ، واعتبار بعض القوى ان الوقت غير مناسب ، فالوقت غير مناسب لبعض هذه القوي لأنها تتفاوض مع الحكومة وأوشكت - إن لم تكن توصلت بالفعل لاتفاق ، وهى لا تريد إجهاض هذا لاتفاق لإرضاء ابو عيسي ، فالمصلحة الحزبية - لكل حزب على حدا من أحزاب المعارضة – تفوق تماماً مجرد مسايرة مقترح بعدم الشرعية من معارض ليس فقط لا يملك قاعدة سياسية ينطلق منها ولها وزن، ولكنه مثل أعشاب البحر الطافحة على السطح، عديمة الجذور والمنبت! و هكذا ففي الوقت الذى كان يأمل فيه ابو عيسي إقرار عدم شرعية الحكومة ، فان رفاقه فى المعارضة بدلاً عن ذلك اقروا بعدم مشروعية مقترحه هو!