تراجع المتمرد الدارفوري الذي اشتهر بتقلب الآراء والمزاج السياسي عبد الواحد محمد نور عن أطروحة تقرير المصير التي قال بها الناطق باسم حركته قبل يومين، وقال نور لعدد محدود من الصحفيين من مقر إقامته المخملي في العاصمة الفرنسية باريس انه لا يدعو لانشاء دولة منفصلة في اقليم دارفور، ولكن لم يستطع عبد الواحد تكذيب ما قاله الناطق باسم حركته كما لم يستطع (تبرير) تصريحاته. بل ان عبد الواحد بدأ عاجزاً عن إبداء رأي سياسي واضح – سالباً كان أو موجباً – بشأن كيفية حل أزمة دارفور سوى تأكيده (المتوقع أصلاً) من أنه لا يزمع المشاركة في مفاوضات الدوحة المقرر انطلاقاً في عشرينات الشهر الحالي بالعاصمة القطرية الدوحة. ولعلنا هنا نتساءل عن سر اطلاق حركة عبد الواحد لأطروحة تقرير المصير والوضع تحت الانتداب الدولي لاقليم دارفور، ثم تراجعه عنها بسرعة، اذ من المؤكد – رغم اعتباطية أطروحات الرجل وتخبطاته السياسية – أن وراء هذا الطرح والتراجع سراً ما. ولا شك إبتداءً أن عبد الواحد حتى بشهادة حلفائه الاوربيين والاسرائيليين ((لا يملك (منطقاً)) جديراً بالاحترام حيال رفضه المشاركة في المفاوضات لأنه وكما سبق للموفد الأمريكي الخاص الى السودان (سكوت غرايشن) أن قال ليست لديه أطروحات واضحة وجادة، وغالب قراره خارج يديه. وقال غرايشن في احدى زياراته الى معسكرات النازحين في دارفور العام الماضي ان على اتباع عبد الواحد من أهل هذه المعسكرات البحث عن قائد جديد! ومع ان غرايشن وقتها لم يتطرق – سراحة او ضمناً – لأسباب (نصيحته الهامة هذه) لسكان المعسكرات الذين يؤيدون نور، إلاّ أن من الواضح أن غرايشن (اكتشف شيئاً ما غير مقبول) في رؤى ومواقف عبد الواحد، حتى (بالمقاييس الأمريكية) دعك من المقاييس السودانية! ومن المفروغ منه في هذا الصدد، أن عبد الواحد وان أراد له البعض (سواء كانوا الفرنسيين أو الاسرائيليين) الاصرار على الوقوف المتعنت هذا، وإرغام الحكومة السودانية للتوصل الى اتفاق سلام (فيه تقرير مصير) على غرار ما جرى في الجنوب السوداني في نيفاشا 2005، الا أن اللعبة بهذا الشكل سوف تبدو أكثر من مكشوفة ومن شأنها إعاقة الخطة برمتها، ذلك أن الجنوب نفسه الآن يعيش ورطة الانفصال والوحدة، وغير بعيد عن ذلك ما تردد من نصح أمريكي للحركة الشعبية بالبحث عن (صيغة كونفدرالية) وعدم التسرع في الانفصال واقامة دولة جنوبية. وهذا مردّه، فيما هو ظاهر أن طبيعة التركيبة السياسية والإثنية في السودان من التعقيد بحيث يستحيل إقامة دويلات في هذا البلد بالسهولة التي يراها هؤلاء، بمعنى آخر فإن تكلفة إقامة دويلات وتقطيع أوصال السودان تبدو باهظة الثمن للغاية أمنياً وسياسياً للمجتمع الدولي كونه سيظل يحاول اطفاء نيران متقدة طويلة الأمد الى ما لا نهاية، فالتشابك القبلي والاجتماعي من التداخل بحيث يستحيل اجراء عمليات فصل شبيهة بعمليات فصل التوائم السيامية التي تتضاءل عادة فرص نجاحها، وتقضي على التوأم بدلاً من أن تحافظ على القدر المتوفر من فرص حياتهما. وهكذا فإن دعوة تقرير المصير التي أطلقها عبد الواحد صحيحة – وتقع ضمن الخطة المرسومة – وفي ذات الوقت نفيها والتهرب منها هو أيضاً صحيح نظراً للمعطيات الصعبة الماثلة، وسيظل السودان هذا القطر الذي لا يزال المجتمع الدولي يجهل الكثير من حقائق واقعه يطيح باستمرار بكافة الخطط الدولية ويفاجئها باستمرار!!