دخلت الأممالمتحدة فى مواجهة لم تكن فى الحسبان مع السودان. فعلي حين غرة - وبعيداً عن الأضواء المألوفة تحت قبة المنظمة الدولية - جري تمرير قرار بالتمديد لقوات حفظ السلام (البعثة الأممية الإفريقية المشتركة) المعروفة اختصارا باليوناميد العاملة فى دارفور لعام آخر . الجديد فى قرار التمديد ان المنظمة الدولية لم تتخذ القرار كما هو معتاد وفق ميثاقها بعد تقديم تقرير مفصل ووافٍ يستدعي التمديد ، فالتمديد ليس قراراً روتينياً وإنما هو قرار يُبني دائماً على حيثيات واضحة على الارض . الجديد ايضاً هو ان القرار جري (دس) الفصل السابع فى ثناياه بعدما كانت القوات تعمل وفقاً للفصل السادس منذ مجيئها قبل حوالي خمسة سنوات. والأكثر غرابة ايضاً ان القرار ألحق بعض قوات اليوناميس التى انتهت مهمتها عقب انقضاء معاهدة السلام بين الشمال والجنوب بقوات اليوناميد وكأن المنظمة الدولية تريد ان تظل قواتها سواء كانت اليوناميس أو اليوناميد على ارض السودان لا تبارحه أبداً . لا شك إذن هى مواجهة قانونية وسياسية من الدرجة الأولي من المؤكد انها ستفضي الى مواجهة (على الارض) إذا لم تتدارك المنظمة الدولية الامر وتعيد النظر فيه. فطوال الأعوام الطويلة الماضية من عمر المواجهات السودانية السودانية لم تتدخل المنظمة الدولية بقوات تحت الفصل السابع وقد أثبت السودان فى غير ما مواجهة أنه قادر على حل أزماته، وبالفعل فقد جري توقيع اتفاقية السلام الشاملة بين الشمال والجنوب فى العام 2005 وتم إنفاذ كافة بنود الاتفاق لتبلغ العملية السلمية ذروتها بتقرير مصير الجنوب وإقامته لدولته فى التاسع من يوليو الماضي واعترف الشمال بذلك. السودان أنجز سلاماً محترماً فى شرق السودان حظي بتنفيذ كامل لبنوده . أما فيما يخص دارفور فقد فرغت الحكومة السودانية لتوها من التوقيع على اتفاقية الدوحة ، وهى اتفاقية شاملة استطاعت ان تخاطب كافة أوجه النزاع فى الاقليم ، ولعل الأمر الغريب هنا ان المنظمة الدولية نفسها كانت فى مقدمة الذين أشادوا باتفاقية الدوحة واعتبرتها أساساً للعملية السلمية فى دارفور، بل ان العديد من القوى الدولية – وعلى وجه الخصوص الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن – تعهدوا بالضغط على بقية الحركات الدارفورية المسلحة لكي تنضم وتوقع على الاتفاق . على خلفية كل هذه المعطيات ، فقد كان بالفعل أمراً غريباً ان تصدر الأممالمتحدة قراراً بالتمديد لقوات اليوناميد فى ظل استقرار الأوضاع فى دارفور وتراجع وتيرة العنف وتمنحها صلاحيات الفصل السابع , ويصعب قراءة هذا القرار الذى من المؤكد أنه سيجد مقاومة من جانب الحكومة السودانية بمعزل عن أجندات بعض القوى الدولية الهادفة لاستدامة عدم الاستقرار فى السودان توطئة لإضعافه وتقسيمه . لقد أخطأت الأممالمتحدة باختيارها الدخول فى مواجهة مع السودان فى وقت غير مناسب البتة !