حين كان مالك عقار والي النيل الأزرق المقال والقيادي بالحركة الشعبية يبدو كحمامة سلام في أعقاب تمرد رفيقه الحلو في جنوب كردفان كانت العديد من المؤشرات تفضح موقف عقار، فهو من الناحية التنظيمية – يرأس الحلو ومن ثم فقد كان من المحتم – أن كان التنظيم حقيقياً ومحترماً – أن ينصاع الحلو لما يقوله رئيسه عقار بعدم جدي الحرب وعدم مشروعيتها كونها لا تقوم على أي أساس. ولكن كانت مفاجأتنا كبيرة كمراقبين حين رأينا عقار يقول كلاماً، ولا يتبعه بعمل، والحلو ماضي في مشواره التمردي رغم الأوحال التي غاص فيها جراء خطأ الحسابات وخطل الخطوة ثم رأينا عقار يسافر إلى الخارج دون أن يخطر قيادته السياسية في الخرطوم ويذهب إلى كمبالا وجوبا وأديس أبابا بحثاً عن دعم سياسي أجنبي لحركته التي كانت تتآكل بسرعة في جنوب كردفان – ولعل أكثر ما يفضح عقار ونواياه أنه وعلى الرغم من تأكيداته المتكررة بأنه لن يطلق طلقة واحدة في النيل الأزرق وأنه سوف يكون حرباً على كل من يطلق طلقة واحدة هناك، إلا أنه لم يسع مطلقاً لإيقاف ما يجري في جنوب كردفان، لأن الذي يكره إطلاق النار كان حرياً به أن يسعي لإيقافها طالما كان الذين يطلقونها هم رفاقه ومرؤوسيه في الحركة. عقار الآن بخطوة الحرب في النيل الأزرق يسعي لتخفيف الضغط على رفاقه في جنوب كردفان. ما من شك أن الرجل أدرك أن حركته في جنوب كردفان ذاهبة إلى الفناء فسارع لفتح جبهة جديدة في النيل الأزرق ظناً منه أن ذلك يخفف العبء – ولو بدرجة ما – على رفاقه المتورطين في أنحاء جنوب كردفان. ولكن هل ينجح هذا التكتيك؟. الواقع أن التكتيك نفسه يكشف عن سوء تقدير وسوء تخطيط لا يزال يسيطر على ذهنية قادة الحركة فالولايتين، من الناحية الجغرافية متباعدتين، أحداهما في الشرق والأخرى باتجاه الغرب. ولربما نسي قادة الحركة أن الجيش السوداني وطوال حقبة التسعينات من القرن الماضي ظل يواجه عدداً من الجبهات كانت جميعها تعمل في وقت واحد وعلى نحو متزامن أملاً في تشتيت ذهنه ومجهوده الحربي، ولكن ذلك لم يحدث. كان الجيش الحكومي في ذلك الوقت يقاتل الجيش الشعبي في جنوب السودان في خطوط قتالية طويلة للغاية وفي مساحة شديدة الاتساع، وفي الوقت نفسه يسد ثغرة الشرق، وفي ذات التوقيت أيضاً يحافظ على أمن البلاد في كافة أرجائها. هذه الخبرة القتالية يصعب الاستهانة بها، بل ما لنا نمضي بعيداً وقد رأينا كيف تعامل الجيش السوداني مع التمرد في دارفور، والشرق والجنوب والعديد من القلاقل الداخلية في مطلع الألفية الثالثة بحيث لم يتأثر مطلقاً العمود الفقري الأمني للبلاد ولم يستطيع احد أن ينهش أحشاء الخرطوم أو يشكل تهديداً لها. أن فكرة الإكثار من الجبهات القتالية لا تبدو فكرة سديدة ولا مجدية ففي كنانة الحكومة السودانية الكثير ومن المؤكد أن الصورة سوف تتضح أكثر في هذا الأسبوع لتثبت خطأ حساب الطلقات التي أطلقت في النيل الأزرق.