لدي لقائه المفوضة السامية لحقوق الإنسان (نافينثم بيلاري) بمكتبها بجنيف مؤخراً، قال وزير العدل السوداني محمد بشارة دوسة ان حكومته حريصة على التعاون مع كافة آليات المنظمة الدولية العاملة فى مجال حقوق الإنسان على الرغم من ما ثبت لها - يقيناً- أن بعض موظفي الأممالمتحدة العاملين فى هذا الصدد بالسودان ليسوا أهلاً للثقة، وأورد الوزير السوداني عدداً من الأمثلة فى هذا الصدد مثل الجهود التى بذلها بعض موظفي الأممالمتحدة قبل انفصال الجنوب السوداني لدعم عملية الانفصال بما يخالف الواجب الذى كان منوطاً بهم والمتمثل فى دعم طرفي الاتفاق والدعوة لوحدة السودان. كما تساءل الوزير عن السبب وراء عدم تجريم الأممالمتحدة – حتى هذه اللحظة – للإعتداء الغاشم الذى قامت به عناصر من الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية على الجيش السوداني وعلى قوات الأممالمتحدة نفسها فى ولاية جنوب كردفان قبل ما يجاوز الخمسة أشهر؛ وهى الإحداث التى وعدت الأممالمتحدة حينها بإجراء تحقيق مستقل بشأنها ولكنها لم تفعل، وفوجئ السودان بتقرير متحامل ومغلوط عما جري فى جنوب كردفان يلقي باللائمة على الحكومة السودانية ! من جانب ثاني وعلى صعيد مماثل وجَّه المستشار القانوني للواء تلفون كوكو القيادي بالحركة الشعبية المنحدر من أثنية النوبة بولاية جنوب كردفان والذي تعتقله حكومة جنوب السودان منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وجّه اتهامات مباشرة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها فى جنيف، ووصفها بأنها تتآمر على اعتقال كوكو . وقال المستشار محمد الحسن ناصر انه قام بتقديم (7) مبادرات للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لإطلاق سراح تلفون كوكو، وأضاف فى مؤتمر صحفي خصصه لهذا الغرض مؤخراً ان المنظمة الدولية لم تتحرك ولم تفعل شيئاً حيال هذا الوضع الحقوقي الخطير، خاصة وان اللواء أصبح الآن مواطناً أجنبياً يتبع لجمهورية السودان! وما من شك ان هذا الاختلال الواضح فى طريقة تعاطي الأممالمتحدة مع الشئون الحقوقية لا يقدح فقط فى مصداقيتها ولكن ايضاً يثير التساؤلات ما إذا كانت قد أصبحت مطية لأصحاب الأجندات يوجهونها كيف يشاءون لمصالحهم الخاصة وهو ما يجعل من اى تقرير حقوقي تقدمه المنظمة الدولية محلاً للشك والريبة . و يحتفظ السودان بخلاف ما أورده وزير عدله دوسة ومستشار اللواء تلفون كوكو ناصر بالعديد من الانتهاكات الأممية الموثقة الثابتة بأدلة سواء من قبل موظفيها او بعثتها المشتركة (اليوناميد) او البعثة المكلفة بمراقبة اتفاقية السلام الشاملة (يوناميس) وذلك لدرجة (تواطؤ) هذه البعثات فى كثير من الأحيان مع حركات مسلحة كما هو الحال الآن بشأن جنوب كردفان، وكما جري من قبل اليوناميد فى إقليم دارفور . غير ان أكثر ما يثير الدهشة فى هذا الصدد ان الاممالمتحدة رغماً عن ذلك ركزت فى تقاريرها على ما جري فى جنوب كردفان دون إجراء تحقيق مستقل، ودون التعرض للاعتداء الذى وقع على قواتها وقوات الجيش السوداني. هذا وضعته جانباً، و مضت فى الحديث عن وقائع أقل ما يمكن وصفه بها أنها ملفقة، إذ لو كانت للأمم المتحدة أدني صفة حياد تستحق عليه الاحترام لأجرت تحقيقاً عاجلاً و حددت مسئولية كل طرف عما جري بالتفصيل، فنحن كمراقبين سئمنا الطريق السهل الذى درج على انتهاجه موظفي الأممالمتحدة بإلقاء كل التبعات على الحكومة السودانية على أساس أنها هى وحدها المقصودة . سوف ينتظر العالم سنوات، وربما عقود ليحصل على منظمة دولية تمتلك قدراً من التوازن والموضوعية لتحظي باحترام الجميع! وسيكون من واجب المنظمة الدولية هذه رد اعتبار السودان وردّ حقوقه إليه عاجلاً أم آجلاً .