علي الرغم من البساطة التي تمت بها والمدي الزمني القصير الذي استغرقته (24ساعة )الا ان زيارة رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت بصحبة عدد كبير من وزراء حكومته الي الخرطوم مطلع الأسبوع الماضي لم تكن أمرا سهلا .ونعني بذلك ان الإعداد والتحضير للزيارة والموضوعات محل البحث وكيفية تناولها بل ومبادرة الطرف الجنوبي نفسه بالزيارة كلها لم تكن أمرا سهلا وإنما كانت جملة مهولة من التعقيدات بذل فيها الجانب الجنوبي والدكتور منصور خالد علي وجه الخصوص جهدا شاقا ومضنيا .وتشير متابعات (سودان سفاري )بالعاصمة السودانية الخرطوم الي ان الطرف الجنوبي كان هو الذي في حاجة للزيارة ومن ثم كان عليه قبل القيام بها طحن بعض القضايا التي تهم الجانب السوداني وحسمها لأنه لن تكون هنالك ادني جدوي للزيارة قبل معالجة هذه الموضوعات والتي تركزت حول الملف الأمني والدور السالب لغاية لحكومة جمهورية جنوب السودان في تأجيج الأوضاع في السودان .لقد كانت جمهورية الجنوب تستشعر ضررا بالغا توقف حركة البضائع والسلع المتدفقة من السودان إليها وقد أدي ذلك لانعدام الغذاء ومقومات الحياة في جمهورية جنوب السودان وبات يشكل تهديدا امنيا وسياسيا جديا لها وتشير المصادر الي ان جمهورية جنوب السودان ومن حيث أرادت تأزيم الأوضاع في السودان امنيا بتحريك أعمال مسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ،انعكس ذلك عليها سلبا حيث تسبب هذا الوضع في تقليل حركة السلع والأغذية إليها من السودان جراء انعدام الأمن علي الحدود وكان واضحا ان هذا الوضع ستكون عواقبه الأمنية خطيرة علي حكومة الجنوب لان المواطنين وحالما تضيق بهم سبل العيش سوف يتنامي سخطهم علي حكومة الجنوب وقد يتسع نطاق السخط ليزيد من تصاعد حركات التمرد هناك فيتزعزع الأمن .إي ان حكومة جنوب السودان سرعان ما حصدت ذات ثمار الشوك الذي زرعته لينبت في السودان فإذا بالنبت يمتد إليها جريا علي الحكمة الشعرية التي قال بها الشاعر التونسي المعروف أبو القاسم الشابي : ومن يبذر الشوك يجني الجراح الجانب السوداني كان مدركا من واقع تجارب حية من كل من اريتريا وتشاد ان تامين الحدود المشتركة والبعد عن دعم كل بلد لمعارضة البلد الأخر المسلحة هو اسلم طريقة لعلاقة حسن الجوار وهدؤ واستقرار ..وهي الحقيقة التي اجتاحت جمهورية جنوب السودان لحوالي ثلاثة أشهر منذ تدشين الدولة الجنوبية لإدراكها .ومن ثم كان من المحتم عليها ان تبادر بالتحرك فهي رغما عن كل شيء تدرك ان الطرف السوداني متسامح وقادر علي تجاوز المشاكل بروح طيبة غير ان الجانب السوداني كان أكثر وضوحا بضرورة إقرار الطرف الجنوبي مسبقا بهذه الأزمات التي تسبب فيها إبداء رغبته في الكف عنها وهو ما تحقق بالفعل بفضل جهود وتحركات سبقت الزيارة أدار غالبها الدكتور منصور خالد المدرك لخطأ حكومة الجنوب فيما تفعل .لهذا كانت زيارة الرئيس الجنوبي كير بمثابة وضع لمسات أخيرة علي ما تم طحنه من قضايا بما جعل الجانب السوداني وعلي الفور يفتح كل أبوابه للجانب الجنوبي بما في ذلك ميناء السودان ليكون تحت تصرف جمهورية الجنوب . لقد كانت جمهورية جنوب السودان في حاجة للبلد الأم ،للغذاء ،للبضائع ،للأمن ،لجوار امن بعيد عن التوتر .بل ثبت لقادة الجنوب استحالة تطاولهم للسودان كما ان حاجة جمهورية جنوب السودان التي حسم ملف القضايا العالقة التي طال الأمد بها كانت اشد وأكثر من حاجة الطرف السوداني خاصة ملف البترول الذي لا يملك الجنوب بديلا له كمورد مالي أساسي وعلي ذلك يمكن القول ان قدر غير قليل من الواقعية والعقلانية بدأ يسود في الذهنية الجنوبية –سواء ينصح خارجي او محلي داخلي –او بحكم المعطيات الواقعية الماثلة وهو ما صح ان نطلق عليه الحاجة أم الاجتماع !! .