ظهرت نظرية النفط مقابل الغذاء أبان حرب تحرير العراق وما صاحبها من جدل دولي حول منطق الصراع لكنها في ذلك الوقت كانت منطقية بعض الشئ لان النفط مقابل غذاء. مثل أن تصدر النفط وتستفيد من عائداته باستيراد مواد غذائية تخدم الدولة, ولكن بالنظر للوضع الذي نحن بصدد تناوله يختلف التشخيص ورؤي التحليل وواقع المقايضة وإذا حاولنا أعادة صياغة الجملة من جديد (النفط مقابل الأرض) وذلك تطبيقاً أو لوصف الاقتراح المقدم من جانب حكومة جنوب السودان علي لسان الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم حول (أبيي) المنطقة المتنازع عليها بين دولتي السودان الجنوبي والسودان الشمالي والتي عادت الي واجهة الإحداث مرة أخري. تصريح باقان أموم الشريك المشاكس لحكومة الخرطوم سابقاً : الاقتراح: أن حكومة الجنوب مستعدة لان تتنازل عن متاخراتها النفطية وأيضاً تقديم النفط بأسعار مخفضه ومساعدات مالية للشمال. في حال أن تخلت الخرطوم عن المطالبة بتبعية منطقة أبيي للشمال. ومن خلال التدقيق النظر في فحوا هذا الاقتراح من زاوية مختلفة بعرض عده جوانب حول الاقتراح وطريقة طرحه وإقرار الحكومة جمهورية جنوب السودان وأبعاده. وبالنظر علي أبيي التي جاء المقترح الجديد من أجلها وهي المنطقة التي وصفها بعض المراقبين والخبراء في الشأن الأفريقي بالقنبلة المؤقتة إذ علي أثرها تتفجر الصراع بين الدولتين. الاقتراح يثير ويطرح عده تساولات أولها. أن حكومة جمهورية جنوب السودان تعاني من ضعف في مؤسسات قيادة الدولة؟اذا ان التصريح بهذا المقترح جاء علي لسان الأمين العام للحركة الشعبية والذي لا يشغل منصب تنفيذي ،ثانيا ان الدولة لا تفصل بين القيادة السياسية والقيادة التنفيذية .أو إن الأمين العام يحاول الظهور إعلاميا خاصة انه أصبح علي هامش الراهن السياسي الجنوبي أضف إليه أبعاده من ملف التفاوض للقضايا العالقة بين السودان الشمالي ودولة الجنوب في محاولة منه العودة الي الأجواء الإعلامية مجدداً. هل يمكن ان تكون حكومة جمهورية جنوب السودان الوليدة أصبحت تعرف لعبة للتكتيك الإعلامي وتحويل الملفات اذا أنها بمحاولة عرض مثل هذا المقترح في الأثير الإعلامي ،تحاول معرفة الرأي الذي يتشكل حول هذا الاقتراح من الجانب الأخر ."حكومة الخرطوم ".خاصة انها لم تنفي في أي وسيلة إعلامية هذا المقترح ؟وأيضا لم تقربه في نفس الوقت بأي شكل إعلامي ؟. الملاحظ ان هذا الاقتراح جاء بعيدا عن مقترحات ثاو امبيكي ولجنته للوساطة خلال زيارته الأسبوع الماضي لجوبا .أيضا من زاوية أخري ان طرح هذا الاقتراح من جانب حكومة جنوب السودان لمناهضة اقتراح إجراء استفتاء بآبيي في عام 2009م . إضافة علي ذلك لم تراعي حكومة جنوب السودان أدراك دور أصحاب الحق الطبيعي والتاريخي أبناء المنطقة (قبائل المسيرية والدينكا نقوك ). ولم تستشيرهم في حقهم اذا ان الاقتراح لم يسبقه مثيل عبر تاريخ الشعوب أو خاصة ان طرح مقايضة ومبادلة لم يكن له مثيل عالمي . أيضا فات علي فطنة الحركة الشعبية ان اقتراحها بالمقايضة يؤكد ويقر علي ان أحقية آبيي للشمال .اذا انه لا يمكن مبادلة مالا تملكه وبذلك شهادة من الحركة الشعبية علي ان آبيي تتبع للسودان الشمالي .من جانب أخر ان الاقتراح يثير حفيظة الشارع العام السوداني ويساعد علي توحيد الجبهة الداخلية ويساعد علي خلق قضية تلم شمل المعارضة السودانية والحكومة. وبالنظر للاقتراح من زاوية أخري نجد أنه غير معقول وغير منطقي لان مقايضة النفط بالغذاء منطقية أما مقايضة الأرض مقابل النفط؟ فهي غير منطقية وأيضاً أن الحركة تعلم مسبقاً أن للمقايضة فاشلة (كماً ونوعاً) خاصة أن أبيي لوحدة ترقد تحتها بحيرة من النفط وحسب خبراء ذلك أذا سلم جدلاً بعرضها للبيع. يبقي أن مثل تلك الاقتراحات البعيدة عن المنطق والواقعية السياسية. هب أن اقترحت الخرطوم اقتراح مماثل بمقايضة (أبيي مقابلا الغذاء ( خاصة أن الدولة الوليدة تعاني من أزمته طاحنة في الغذاء خاصة بعد الانفصال (حسب تقارير وردت) وليس ببعيد عن ملف أبيي ما يحدث الآن من حروبات وتجازبات علي حلول حدود الشمال من دارفور حتي النيل الأزرق في الشرق المقترح جاء في توقيت مهم خاصة أن الدولتين تعانيان من أزمات اقتصادية ومشاكل في توفير الغذاء (جنوب السودان) وذلك نتاج طبيعي لأي انفصال يحدث لأي دولتين. وبمثل تلك المقترحات لن تحل المشكلة ولكنها تصبح حجره عثرة نحو التقدم لحلحلة القضايا العالقة بين الطرفين. وبسبب خصوصية المنطقة وبعدها الاستراتيجي لابد من التعامل بسلاسة وليس من بوابة النفط والمال. فأزمة أبيي رغم أنها ليست منفصلة عن أزمات شريكي نيفاشا إلا أن خطورتها تكمن في أنها مرتبطة بالقبائل والأرض والحكومتان تتركان ذلك جيداً لذلك تطفو من جديد علي السطح بوادر أزمة جديدة حول أبيي.