تحليل سياسي لا تُخفِي الولاياتالمتحدة قلقها الواضح من تصرفات حكومة جمهورية جنوب السودان جراء دعمها الظاهر غير الممكن إنكاره للمتمردين على الحكومة السودانية.المبعوث الأمريكي الخاص الى السودان (برنستون ليمان) قال قبل أيام فى حديث للكونغرس ان من شأن هذا الدعم الجنوبي ان يشعل حرباً بين الدولتين وتشتعل معها حقول النفط. توقيت حديث ليمان كان محسوباً دون شك، فقد جري قبل وصول الرئيس الجنوبي سفا كير الى الخرطوم فى زيارته التى كانت الأولي من نوعها منذ قيام جمهورية جنوب السودان، بما يُفهم من ذلك ان واشنطن كانت قد مارست ضغوطاً بطرق مختلفة على حكومة جنوب السودان للمبادرة بمعاجلة هذا الملف . والأمر على هذه الشاكلة يبدو معكوساً، ففي السابق كانت ضغوط واشنطن موجهة باستمرار باتجاه الخرطوم، وكانت جوبا دائماً فى الجانب الظليل من اى أزمة والخرطوم وحدها التى تكابد لظي الشمس الحارقة. الآن اختلفت الأمور والمعطيات، فجمهورية جنوب السودان إتكاءاً على ظهر واشنطن ساورها اعتقاد ان بإمكانها اللعب على أكثر من ملعب، بحيث تحصل على (كل النفط) ويتحمل السودان عبء نقله لها عبر مينائه بأرخص سعر، وفى الوقت نفسه تحصل على السلع والبضائع والمواد الغذائية السودانية عبر تجارة مستمرة عن طريق حدود آمنة ومستقرة. وفى ذات الوقت ايضاً تضغط على الخرطوم مستخدمة ما تبقي من جيشها فى الشمال (فرقتين، الفرقة التاسعة والعاشرة) لتمكين قطاع الشمال من بلوغ شأو بعيد فى الشمال فبذاك يتحقق لها السودان الجديد وتتحقق لها فى الجنوب دولة جنوبية مستقلة ! من المؤكد ان واشنطن قد أصابها الذعر وهى تري حكومة الجنوب تحاول إلتهام كل هذا القدر من الطعام السياسي الهائل وفمها لا يتسع له بحال من الأحوال!.. لقد كان حديث ليمان فى الكونغرس – وطبعاً على غير العادة – حديثاً إعلامياً متوازناً فما تفعله جمهورية جنوب السودان يفوق طاقة الجميع وضرره أكبر من نفعه. واشنطن ايضاً - من خلال حديث ليمان - شديدة الخوف والتوجس جراء عدم ادارك أصدقائها الجنوبيين فداحة وجود فرقتين عسكريتين قابعتين فى الشمال ؛ ففي الأعراف الدولية هذا العمل خطير ويصعب الدفاع عنه خاصة وأن واشنطن تضع فى اعتبارها ولا تستطيع ان تنسي ان السودان لديه شكوي على منضدة مجلس الأمن مكتظة بالأدلة تجاه تدخلات حكومة الجنوب ودعمها للمتمردين وليس بوسع واشنطن كما ظلت تفعل لإسرائيل ان تدافع عن وضع كهذا فيما يخص جمهورية جنوب السودان بما قد يجعل السودان فى هذه الحالة يتجه لخيارات أخري من شأنها إفساد مصالح واشنطن فى المنطقة بأسرها. القصة إذن مفهومة؛ لقد أطلقت حكومة الجنوب لنفسها العنان وتوغلت فى معاداة جارها السودان غير عابئة بالنتائج أو غير مدركة لخطورتها. واشنطن الآن تعيد إصلاح هذا الخلل الكبير ومن المؤكد والحال كهذي ان تتم التضحية بعقار والحلو وعرمان كقرابين سياسية فى سبيل المصالح الأمريكية العليا .