كان من الممكن ان تقف فاجعة الدكتور خليل عند حدود فقدانه - والى الأبد - للظهر الليبي الداعم له ممثلاً فى نظام العقيد القذافي الذى طوي الثوار صفحته مؤخراً ليسطر التاريخ مرحلة جديدة مختلفة كلية عن ماضي بلادهم البغيض؛ ولكن الرجل سيئ الحظ لم تنته فاجعته عند حد الرحيل المذل لداعمه المفضل ولن تنتهي بإغلاق ملف القائد الذى تحول الى جثة للفرجة والعظة والاعتبار، فالفاتورة التى كان قد وضعها له القذافي فى جيبه الخلفي - قبل تطورات الأحداث الى هذا المدي - كانت اكبر بكثير جداً من الأحجِبة والخزعبلات العبثية التى منحها خليل لصديقه القذافي علّها تطيل من عمره وتحميه من غضب الثوار ورصاصهم الثائر. ربما تصور خليل انه دفع الثمن فى طرابلس نفسها ومزق الفاتورة وصار (الحساب خالصاً) ومضي كل منهما الى سبيله أو بالأَحري الى مصيره. ولكن فى السياسة دائماً ليست هنالك نهايات سعيدة يصبح فيها كل شيء على ما يرام وينزاح الماضي مفسحاً المجال لحاضر مشرق؛ هنالك دائماً عقدة ما، او مأزق ما ينتظر الذى يراهن على الخارج. الدكتور خليل -بحسب أنباء لم تتأكد بعد صحتها- مطلوب منه الآن ان يجبر سيف الإسلام القذافي نجل الرجل الذى تكرم عليه بأفضال ومكرمات؛ مع أن خليل نفسه الآن لا يجد ولن يجد من يجيره فى ظل ضيق دارفور ومساحاتها الشاسعة عليه، والدكتور خليل رغم ما قيل أنه عاد به من طرابلس من مال وذهب وسلاح إلا انه لم يعد يملك (أراضي محررة) او ملاذات آمنة فى دارفور تتيح له العيش بهدوء والاختباء وإجارة مجرمي حرب مطلوبين بشدة، وحتى لو أنه وبحكم مغامراته المعروفة عنه، غامر وأجار، فهو بذلك يربط مصيره الشخصي ومصير حركه او ما تبقي تحت سيطرته بمصير مجرم حرب ما من بُد لإعتقاله ومحاكمته على جرائمه البشعة فى حق شعبه. بالمقابل لا يستطيع خليل ان يتنصَّل بحال من الأحوال من تبعات هذه الفاتورة السياسية الباهظة، على الأقل فى الوقت الراهن حيث لا يعرف بعد ما إذا كانت أيادي من تبقي من نظام القذافي قادرة على الوصول إليه وهدم المعبد عليهم جميعاً أم لا ؛ فالرجل كان هناك و يعرف خبايا الأمور ومآلاتها. وتزداد حالة خليل سوءاً على سوئها فى أنه حتى ولو تنصل من (واجبه) حيال حلفائه فى ليبيا وأغنته الظروف عن إجارتهم او تقديم العون لهم، فهو ارتبط رباطاً وثيقاً بجرائمهم وكان يخوض فى خضمها ويده متلطخة بدماء الأشقاء فى ليبيا أو على الأقل أخذ مالاً لا يستحقه ممن لا يملك حق منحه ولا بُد له من رده. بل وحتى ولو (نجا) خليل من كل ذلك بمعجزة او حجاب من حجاباته (السياسية) بفاعليتها المتواضعة التى أودت بصديقه القذافي فهو قطعاً فى حاجة الى حجاب أكثر متانة وسمكاً ليدرأ عن نفسه تبعات علاقاته بالقذافي، فسواء عاد عبر تفاوض ليصبح جزءاً من العادلة السياسية السودانية، او بقي على موقفه محارباً للدولة السودانية، فهو على أية حال مسئول عاجلاً أم آجلاً أخلاقياً وقانونياً كان إما مشاركاً فيها، أو مساعداً عليها او محرضاً على ارتكابها او على اضعف إيمان حامياً لمرتكبيها، وهذه مما يستحيل على سطور التاريخ ان تتجاوزها او يطويها النسيان!